random
أخبار ساخنة

مُراجعة رواية عظام على الهضاب - كون إيغلدون

   







   
  

أنا على استعداد للتضحية بنصف شعب المغول لكي يستقيم النصف الثاني – جنكيز خان   

  

كيف يمكن التغلّب على رجل بهذا التفكير؟ رجل يؤمن بأن القوة هي كل شيء في الوجود، وأن أي شيء آخر في هذه الحياة هو ضعف. كان يكره الضعف أكثر بكثير من الألم. وعندما تجتمع القوة مع القسوة مع الجَلَد مع الثقة بالنفس مع ذكاء حاد وبراعة في التخطيط الحربي مع شخصية قيادية لها رؤية مستقبلية ذات حضور طاغٍ، ينشأ مُحارب اسمه جنكيز خان.
   

   

ليس ذلك على سبيل المديح والفخر بما قد قام به، وإنما هو إعجاب ببعض مواصفات قائد لم يستطع أحد في عصره أن يقف أمامه، فعلى الرغم من أنه يُعتبر أكبر قاتل في التاريخ – قتل أو تسبب في قتل ملايين من الضحايا – إلا أن هذا العنف الشديد لم يكن السبب الرئيس في نجاحه الدائم في معاركه. ورغم كل الانتقادات التي طالته من أعدائه إلا أن أحد لم يستطيع أن ينكر براعته الحربية وذكائه وقوة احتماله، مما يجعله شخصية فريدة في التاريخ.
   
   

بدأت أحداث هذا الجزء الثالث من سلسلة السيرة الملحمية لجنكيز خان، بداية ساخنة جدًا لحادث غيّر مجرى التاريخ الإسلامي والعالمي.
  
في واحد من أسوأ القرارات العسكرية التي تم اتخاذها في التاريخ، كان قرار حاكم مدينة أطرار "ينال خان" (ابن خال السلطان علاء الدين محمد خوارزم شاه) بقتل تجار ورسل لجنكيز خان بقيادة محمود الخوارزمي– أكثرهم مسلمين – كان جنكيز قد أرسلهم للتبادل التجاري، وتم قتلهم بزعمه أنهم جواسيس، وذلك رغم العلاقات الودية بين المغول وبين السلطان علاء الدين محمد خوارزم شاه في الدولة الخوارزمية، وقد تم الاستيلاء على أموال التجار وهي حوالي 500 جمل من الذهب والفضة. رغم كل ذلك أرسل جنكيز خان عندما علم بالواقعة إلى السلطان محمد يطالبه بتسليم ينال خان وتعويضه عن الخسائر، وهو شيء يدل على دراية سياسية وحكمة وبعد نظر، كما نفهم أيضًا أن الشاه كان لديه رهبة في نفس جنكيز نفسه.

  

لكن السلطان علاء الدين محمد خوارزم شاه لم يقبل بذلك فقام جنكيز بالهجوم على مدينة أطرار والتي كانت بمثابة بوابة الدخول إلى الدولة الخوارزمية. سقطت المدينة في قبضة جنكيز، وقام بالثأر من ينال خان فقام بصب الفضة السائلة في عينيه وأذنيه. ثم لاحق السلطان ليلحق بجيشه هزيمة مروعة هرب على أثرها الشاه وأولاده وظل المغول يطاردوهم لكنه لم يستطيعوا القبض عليهم، إلا أن الشاه قد مات مُتأثرًا بمرض داء الجنب، قبل أن يعود ابنه جلال الدين لمحاربة المغول مرة أخرى.
  



• اختلف المؤرخون في عدد التجار، ذكر النسوي أنهم أربعة، وقال ابن العبري أنهم 150 تاجرًا ما بين مسلم ومسيحي وتركي، وقدرهم الجويني 450 وملهم ن المسلمين، بينما لا يشير ابن الأثير ولا ابن خلدون إلى عدد لهم (د. علي الصلابي – المغول بين الانتشار والانكسار)
  


ورغم اختلاف المؤرخون عن سبب قتلهم باعتبارهم جواسيس أو مجرد تجار، إلا أنهم اجتمعوا جميعًا على سوء اتخاذ القرار وعدم درايته بأساليب السياسية، والقيام بعمل طائش أعطى المبرر للمغول باجتياح الدولة الخوارزمية. فالجميع قد توقع أن جنكيز خان كان يرغب بالتوسع حتى ولو في وقت لاحق، لكن وجود علاقات ودية، مع اعتقاد جنكيز الدائم بأن الشاه قوي ويملك جيش قوي، كان يجب أن يكون التصرف حكيمًا بدلًا من استفزاز شخص وحشي أخضع الصين بكل ثقلها وعلى الحدود مع دولته. هذا بالإضافة إلى أن ما سهّل اجتياح جنكيز للأراضي الخوارزمية واحتلال مدنها وتدميرها، هو قيام الشاه علاء الدين الخوارزمي بالقضاء على حكام جميع البلاد التي قد استولى عليها في توسعه وبقي هو وحده سلطان البلاد، فلما انهزم لم يبقى في البلاد من يمنع المغول ولا من يحمي البلاد. من كتاب ابن الأثير – الكامل في التاريخ.
   
  

لا يوجد شيء سيء بشكل مُطلق في هذه الحياة، هناك دومًا جانب إيجابي كامن قد لا ننتبه إليه، يكون عاملًا هامًا في اكتساب المرء قوة ما أو مهارة ما. هذا ما قد نستطيع ملاحظته بوضوح في طريقة حياة المغول خاصة في عهد جنكيز خان، فالمغول كانت قبائل بدوية تسكن في سهول ومرتفعات وبالقرب من الجبال، تصل درجة الحرارة في تلك المناطق في فصل الشتاء إلى دون الثلاثون درجة مئوية، وكان الشتاء لديهم يعني الموت إن بقوا في أماكنهم، ولم يكفي دهن الضأن الذي يغطوا جسدهم به كي يدفع عنهم قسوة البرد، أما في أسوأ الحالات وعند العطش الشديد، كانوا يشربون من دم الخيل بفتح جرح بسيط في عروق الخيل وشرب بضع قطرات منه مع الحليب، بل وفي بعض الأحيان يشربون من دمهم أنفسهم، مع ضرورة الأخذ بالاعتبار أن هذا الفعل عندما يكونون على مشارف الموت أي فهو بغرض البقاء على قيد الحياة. لهذا كانوا يتنقّلون إلى أراض أخرى يجدون فيه بعض الدفء أو في أماكن يجدون فيها بعض المرعى لخيولهم ومعيزهم، أو إلى الهجوم على القبائل المجاورة لهم للفوز بحصتهم في طعام أو شراب أو خيول بشتى طرق النهب والقتل.

  
  


لم يكن الشتاء وحده هو ما يجعلهم ينتقلون، بل كونهم رعاة أغنام فكانوا يرتحلون من مكان لآخر كلما نضبت أرض المنطقة التي حلّوا فيها بسبب رعيهم الطويل. ولأن الأرض مفتوحة للجميع ولم يكن هناك قوانين تحدد مواقيت أو أماكن للرعي، فكانت الغلبة للأقوى. نستطيع أن نتخيّل كيفية شكل الحياة لهذه القبائل، وكيف شكّلت رجال المغول ولا عجب في أنهم كانوا يستطيعون ركوب الخيل بمهارة في السادسة، وكانوا لاحقًا محاربين أشدّاء في الحرب وهو في سن الرابعة عشر.

  
  
أيضًا كان المغول شعب قذر للغاية فكانوا لا يستحمون إلا نادرًا أو عند النهر إن كان بالجوار، كانوا يتبوّلون في أماكنهم على سروج الخيل أثناء رحلاتهم الطويلة، ولا ينظفون أنفسهم بعد الغائط، وكان انتشار القمل بينهم بالإضافة إلى رائحتهم النتنة الكريهة علامة مميزة لهم في كل السِيَر التي تحدثت عنهم. الجانب الإيجابي الوحيد من ذلك هو التخلص من نقاط الضعف البشرية والبعد عن كل ترف يضعف النفس، فهم يعتقدون أنهم بذلك قد تحرروا من أي قيود تحد من اندفاعهم في الحروب، فحياتهم بالأساس في حالة حرب مستمرة كون الغارات لا تنتهي بين القبائل أبدًا.
  
هذا جعلهم مخيفين فعلًا، فحاجات الانسان المدني تحديدًا، والانسان العادي بشكل عام تقتضي ضرورة حصوله على القدر الكافي من النظافة أو حُسن المظهر. استحقار جنكيز خان وشعب المغول لكل مظاهر الترف وتدليل النفس – كان يعتبر الاغتسال في مغطس ترف يُنعّم شخصية المحارب- جعلهم يتشرّبون الخشونة في دمهم منذ صغرهم.
   


  

الاستخفاف بالمغول هو سلاح المغول الأول الذي فتح لهم أهم المدن الصينية وتلتها دول خوارزم، فلم يتصوّر أحد أن هناك رعاة على خيولهم يستطيعون أن يقهروا مدنًا ذات أسوار ضخمة، أو أن يهزموا جيوشًا تفوقهم عددًا وعِدّة. الصدمة التي تلقتها كل المدن التي سقطت أعطت جنكيز خان أهم سلاح اعتمد عليه لاحقًا – والذي نستخدمه حتى اليوم – ألا وهو سلاح التأثير الإعلامي، كان المغول يدمرون المدن ويقتلون أهلها بكل وحشية وينشرون ذلك إلى البلاد البعيدة مع رسل أو مع من تم تركهم عمدًا على قيد الحياة، فينتشر الرعب في البلاد البعيدة قبل أن يأتي إليهم جنكيز أو أحد من جنوده ليجهز عليهم بعد أن تكون نفوسهم قد ضعفت وتخاذلت بسبب الرعب من القسوة الآتية من بلاد منغوليا. وقد ظهر مفعول هذا السلاح الإعلامي في استسلام الكثير من المدن التالية التي استسلمت دون أي قيد أو شرط. كي نستطيع أن نفهم مدى الرعب الذي أصاب العام من المغول.

  


نقرأ ما كتبه ابن الأثير في كتابه الكامل في التاريخ وتحديدًا في الجزء العاشر يقول " حكى لي رجل قال: كنت أنا ومعي سبعة عشر رجلا في طريق، فجاءنا فارس من التتر (يقصد المغول – اعتبر العرب قديمًا أن التتار هم المغول)، وقال لنا حتى يكتف بعضنا بعضا، فشرع أصحابي يفعلون ما أمرهم، فقلت لهم: هذا واحد فلم لا نقتله ونهرب؟ فقالوا: نخاف. فقلت: هذا يريد قتلكم الساعة، فنحن نقتله، فلعل الله يخلصنا، فوالله ما جسر أحد أن يفعل، فأخذت سكينا وقتلته وهربنا فنجونا، وأمثال هذا كثير."
  


نقرأ أيضًا في كتاب تاريخ المغول لعباس إقبال الآشتاني أنه في في سنة 1238 م/638–637 هـ ( بعد موت جنكيز خان)، بلغ خوف الناس من المغول لدرجة أن صائدي الأسماك في شواطئ هولندا لم يجرؤا على الصيد في بحر الشمال، مما جعل السمك يكثر في سواحل إنجلترا، وبيع فيها بأبخس الأثمان.

  
اجتمعت صفات القسوة والوحشية والعنف، مع الشجاعة والذكاء الحاد وسرعة البديهة وشدة البأس، لتخلق وحشًا اسمه جنكيز خان، لكنه كقائد مُحارب كان عظيمًا في التنظيم وبناء الجيش، والتكتيك، الاستراتيجية، التخطيط، القدرة على الحكم على الرجال، اختيار الأعوان. وأعظم ما كان يجلب له النصر هو اكتشاف نقاط الضعف في الأعداء وتسخيرها لصالحه – كان يهتم جدًا بمعرفة كل صغيرة وكبيرة وحتى الكلام الذي يقوله الناس في البلدان. تفنن في تطوير النظام البريدي (يام) ليصبح لديه نظام بريدي متطور عن طريق محطات على طريق المدن التي احتلها، فكان مُلمّا بجميع الأحداث والأخبار عن الجيش أو استعدادات المدن المُحاصَرة. كما كان يتمتع بشجاعة فائقة ويُقدّر شجاعة الأصدقاء بل والأعداء أيضًا، ولعلّ أشهر الأمثلة هو إعجابه الشديد بشجاعة السلطان الشاب جلال الدين الخوارزمي، عندما قفز الأخير على صهوة جواده إلى النهر (نهر السند) من على ارتفاع كبير، وقال جنكيز حينها " كمثل هذا يجب أن تلد النساء".
  



يقول عباس إقبال في كتابه كتب المغول، أن جنكيز قام بمراجعة عادات قومه ثم قام بالتخلي عن بعضها وأضاف الكثير إليها، ثم أمر بتدوين تلك النظم والأحكام وأن يتم حفظها في خزائن أمراء المغول، وأطلق على كل حكم من هذه الأحكام والقواعد اسم "ياسا" وهي كلمة مغولية تعني حكم أو قاعدة أو قانون، وكان يُطبّق هذه القواعد على جميع شعب المغول بكل صرامة وبلا استثناء حتى على نفسه وعلى أهله، وجعل ذلك الأمر المغول أكثر شعوب العالم طاعة لرؤسائهم، وكان هدفه في ذلك إضعاف النزعات والميول الإقطاعية الضارة بالوحدة.

   
يقول المقريزي في كتابه الخطط – المجلد الثالث – الجزء الأول – أخبرني العبد الصالح أبو هاشم أحمد بن البرهان أنه رأى نسخة من الياسا بخزانة المدرسة المستنصرية ببغداد، ومن جملة ما شرعه جنكيز خان في إلياسه: أن من زنى قُتل، ولم يُفرّق بين المحصن وغير المحصن، وأن من لاط يُقتل، ومن تعمّد الكذب أو سحر أو تجسس أو تدخل بين اثنين يتصارعان وأعان أحدهما على قتل الآخر يُقتل، وأن من بال في الماء يُقتل، ومن من أطعم أسيرا أو كساه بدون إذن قُتل، ومن ذبح الحيوان ليأكله – مثل ذبيحة المسلمين- يُذبح، وإنما يجب أن يُكتف الحيوان ويُشق بطنه ويمرس قلبه إلى أن يموت. كما أنه منعهم من غسل ثيابهم، بل يلبسونها حتى تبلى، وقام بتحريم غسل الأيدي والثياب في المياه الجارية، ومنع أن يُقال لشيء نجس، بل جميع الأشياء طاهرة، كما ألزمهم بألا يتعصبوا لشيء من المذاهب، ومنعهم من تفخيم الألفاظ ووضع الألقاب، وإنما يُخاطب السلطان ومن دونه باسمه فقط.
  
  

هذا شيء موجز لبعض الأحكام وليست كاملة بالطبع، مع العلم بأن المؤرخ الفارسي عطا الملك الجويني قد كتب عن الياسا قبل المقريزي ربما بما يزيد بقرن أو نصف قرن بتفاصيل أكثر، لكن المقريزي لخصها في نقاط يسهل الإطلاع عليها لمن لا يريد الاستفاضة في ذلك.
  
  

نقرأ أيضًا في كتاب المغول للدكتور فؤاد عبد المعطي الصياد، أن جنكيز يمقت السرقة والفحش، وكان عقابهما الإعدام، وكان يغضب إذا علم بولد لا يطيع أبويه أو بأخ صغير يخالف أمر أخيه الأكبر، أو بمخالفة المرأة زوجها، أو أن يمتنع الغني عن إعانة الفقير، لكن الدكتور علي الصلابي يخبرنا في كتابه المغول بين الانتشار والانكسار أنه على الرغم من أن المغول كانوا يعتبرون الكذب جريمة بنص القانون، إلا أنهم أحلوه لأنفسهم لاسيّما وقت الحروب، في سبيل الخديعة والتفريق بين المتحاربين، بل أن المغول قد تحللوا من مواثيقهم ونكثوا بالعهود لما ركب في نفوسهم من اللؤم والغدر والميل إلى الانتقام، وقدّم بعض الأمثلة على ذلك أشهرها حادثة أم السلطان محمد الخوارزمي بعد تأكيد جنكيز صداقته لها كي يضمن عدم تدخلها في مجريات الحرب، وكان مصيرها في النهاية الأسر والنفي، وقد قام أيضًا حفيده هولاكو بنفس الشيء مع الإسماعيلية والخليفة العباسي ثم قضى عليهم جميعًا.
  
  

أيضًا يشير الدكتور الصلابي إلى حقيقية التسامح الديني لدى المغول بسماحهم باعتناق أي شخص لأي ديانة والقيام بشعائرها بحرية، وقد أشار أن هذا حدث بالفعل لكن من باب عدم اكتراث المغول بالأديان ولا الشعائر طالما يلتزم الفرد بعدم تخطي المحظورات، وهو شيء أشبه بحكم مدني، لكنه ليس من باب التسامح الديني.
  
  

على صعيد آخر فقد كان تنظيم الجيش المغولي مُبهرًا، ولعل الرائع في طريقة تنظيمه وخاصة فكرة تقسيم الجيش إلى فرق -تومان وهي تتكون من عشر آلاف محارب تحت قيادة شخص واحد لا يخضع لأي قيادات أخرى، بل يقوم باتخاذ قراره بنفسه في المعركة، منحهم هذا التنظيم سرعة هائلة في تقطيع أوصال جيوش الأعداء في المعارك، والتي نرى جيوش الأعداء مثلًا بطيئة دومًا لانتظار أوامر شخص واحد وهو القائد الأعلى.

  


كانوا يعتمدون على الجواسيس والمستطلعين بشكل أساسي، وهذا ما كان يعطيهم دومًا الأفضلية في أي معركة ويمنع عنهم تمامًا أي مفاجأة من الأعداء، ولعلّ الانتصار الوحيد الذي قام به جلال الدين الخوارزمي في إحدى الجولات كانت بسبب أنه قام بقتل جميع المستطلعين المغول. مع العلم بأن ذلك الانتصار كان في جولة واحدة في معركة بروان ولم يكن جنكيز حاضرًا في تلك المعركة، بل كان أخيه، حيث كان جنكيز خان يُحاصر إحدى المدن المجاورة.

  
عندما علم جنكيز بالأمر جاء بجيشه فورًا قبل أن ينتشر خبر هزيمة المغول بين البلاد فتبدأ الثورات ضده، فاز في النهاية في هذه الحرب بسبب شجار وخلاف حدث بين كبار قادة جيش جلال الدين، فانسحبا بقواتهما وتركاه ضعيفًا، فرّ جلال الدين في مشهد مُبهر قافزًا في نهر السند حتى وصل للضفة الأخرى ليقوم بعدها ببناء جيش آخر. لاحقًا عاد جلال الدين ليبسط سيطرته على ما راح من الملك سابقًا من الدولة الخوارزمية بعد انقطاع المغول عن تلك المنطقة، وللأسف انشغل بصراعات السلطة وحصار المدن المجاورة ليبسط سيطرته عليها. ومما لا شك فيه أن من الأسباب الرئيسية في نجاح المغول في صراعهم مع الدولة الإسلامية الشاسعة كان بسبب صراعهم وضعفهم وخلافاتهم.
  

   
  

نقطة أخرى أود الإشارة إليها وهو أنه لا يمكن لقارئ التاريخ إلا أن يدرك أهمية شخصية الأم في حياة أشد الرجال بأسًا، هناك نوع من الأمهات ذوي البأس الشديد اللاتي يصنعن رجالًا لا تهاب الموت. نساء المغول عامة ووالدة جنكيز خان خاصة كانت مثال ذكره جميع المؤرخين العرب والمستشرقين والأجانب لأهمية دورها في صناعة جنكيز، هذه الأم التي تم تركها بمفردها هي وأبناءها الأربعة منهم رضيعة، تركوهم في أرض قاحلة شديدة البرودة دون أسلحة للصيد ودون أي طعام أو شراب أو خيول، تركوهم للموت، وبقوة هائلة وإرادة من حديد استطاعت بث روح الصمود في أبنائها حتى استطاعوا العيش وتخطّوا كل احتمالات الموت في قصة تحاكى عنها العالم أجمع لاحقًا.

  
هذا يدعونا للاعتراف أن روح الصمود والشجاعة والقوة ليست حكرًا على الرجال، لأن هذه الصفات تنبع من الروح وليس الجسد، وحتى إن طغى عليها بعض المشاعر فهذا لا يجعل منها سفيهة أو أن يُنقص من قدرتها على التحدي. يدفعنا ذلك إلى ضرورة نفض الصورة النمطية للأم أنها خانعة سلبية مُدلّلة لأطفالها على الدوام، فالطيبة والحنان ليسا صفات يجب التخلص منها، بل يجب أن يتم توظيفهما بالشكل الصحيح وفي الوقت المناسب، وألا يكون هناك غلبة للطيبة أو للقسوة، وإنما في منطقة وسطى تستطيع معها تربية أبنائها ليكونوا أكثر قوة على مواجهة مصاعب الحياة.
  

انتهى الجزء الثالث من السيرة الملحمية لجنكيز خان بموته، لم يُعرف مكان لقبره حتى الآن، حيث قام أخوته حينها بدفنه في إحدى الأماكن الجبلية وقاموا بطمس جميع معالم موقع الدفن، حتى أنهم قتلوا كل من صادفوه في الطريق ذلك اليوم خشية أن يفضحوا مكانه المدفن. الجدير بالذكر أنه عند وفاة جنكيز خان عام 1227، كانت الإمبراطورية المغولية تمتد من المحيط الهادئ حتى بحر قزوين، أي أنها كانت تبلغ في حجمها ضعفي حجم الإمبراطورية الرومانية ودول الخلافة الإسلامية؛ ثم توسعت لأكثر من هذا في العهود التي تلت، تحت حكم من أتى من ذريّته. ولايزال شعب دولة منغوليا يفتخرون به كقائد وفاتح مغولي عظيم.
   

   
  

بقى أن أنوّه أنني بعد إطلاعي على فصول من كتب الكامل في التاريخ لابن الأثير، والبداية والنهاية لابن كثير، والمغول بين الانتشار والانكسار للصلابي، و قصة التتار من البداية إلى عين جالوت لراغب السرجاني، أستطيع أن أقول أن كون إيغلدن مؤلف ملحمة السيرة الذاتية لجنكيز خان كان شخص مهنيّاً جدًا وأغلب ما كتبه حقيقة مؤرخة في كتب العرب والفرس والمستشرقين والأجانب، وما قام بتغييره في بعض الأحداث في الرواية لأسباب تشويقية أو تسهيلًا على القارئ، كان يشرحها ويذكر الحقيقية التاريخية في آخر الرواية ،وعليه فإن السلسلة ممتعة للغاية وغير مزيفة بل تحمل أغلب الحقيقة.
  
  

فقط وجدت معلومة واحدة غير صحيحة حسب ظنّي، وهي اقتحام جنكيز خان لقلعة آلموت مقر الحشاشين والطائفة الإسماعيلية وتدميرها، فأنا أعرف أن هولاكو هو من قام بتدمير القلعةعام 1256 أي عام 654 هجرية، بينما مات جنكيز عام 1227 ميلادية أي 624 هجرية، ولم أقرأ من قبل أن جنكيز قام بدخول القلعة، فقمت بعمل بحث موسّع ولم أجد أي معلومة عن تلك الحادثة، وعليه أظنها ضعيفة، ويبقى الؤكد أن جنكيز لم يقتحم قلعة آلموت وإنما قام ركن الدين خورشاه وهو آخر أمراء الحصن، بالاستلام على أمل أن يرحمه هولاكو، إلا أنه لم يفعل وقام بقتلهم جميعًا ودمّر القلعة عن آخرها ولم يبق منها سوى أطلال، وكان ذلك أثناء رحلته إلى غزو بغداد.
  
  

السلسلة من ستة أجزاء تناولت حياة جنكيز خان في أول ثلاثة أجزاء، اضغط على الرابط لقراءة مراجعة الجزء الأول أو هُنا لقراءة مراجعة الجزء الثاني- ثم تناولت بدءًا من الجزء الرابع حياة المغول بعد وفاة جنكيز بعد أن آل الحكم لأولاده وأحفاده -مراجعة الجزء الرابع، لكن المُترجم من السلسلة إلى العربية أربعة أجزاء فقط، وأظنني اكتفيت بسيرة جنكيز خان نفسه. وأنصح بقراءة الرواية الممتعة.
  
وأنقل لكم بعض اقتباسات من الرواية.
  

إنه مثل الذئب، جائع تمامًا، حتى عندما تكون معدته ممتلئة  



لسنا هنا لنجني ثروات بأقواسنا. الذئب لا يفكر في أشياء رائعة، وإنما يعمل فقط ليكون قطيعه قويًا، وألا يجرؤ ذئب آخر على عبور منطقته. ذلك كافٍ.  





لم يكن ينبغي له أبدًا الاسترخاء داخل مدينة، كان يكره فكرة أن أعداءه كانوا سيعرفون تمامًا أين يجدوه منذ شهور، كانت إحدى فوائد الترحال أن على الأعداء أن يعملوا بجهد لمعرفة مكان الخصم.




أنا عقاب الرب .... فماذا فعلت لكي يبعث الله عليك عقاب مثلي؟!


سعادتنا الكبرى هو أن يتشتت عدوك، من أجل دفعه قبلك، لرؤية المدن تحولت إلى رماد، لمعرفة أولئك الذين يحبونه غارقين في البكاء، وتضعه في حضن زوجاته وبناته.

   
  


  


تقييم الرواية 5/5

  
  
    
أحمد فؤاد

20 آذار مارس
 2019
google-playkhamsatmostaqltradent