random
أخبار ساخنة

مُراجعة كتاب ارفض أن تختار Refuse to choose


Do you mean maybe I'm not a failure?

"ماذا تريد أن تكون عندما تكبر؟"

تقريبًا لم يفلت انسان من هذا السؤال عندما كان طفلًا. عن نفسي... كنت دومًا أحاول الهرب من الكبار الذين ينتظرون مني إجابة حاسمة عليه. يستفسر أبي أو أمي أو معلمي أو جميع من حولي عن ميولي ومواهبي كي يساعدونني على تنميتها وصقلها، لكنهم كانوا يغفلون عن أنني كطفل لم تتعد سنوات عمري أصابع اليدين، مازلت أستكشف الحياة من حولي، أتلمّس طريقي وأجرّب أن أجد في نفسي ميلًا له، كان لدي رغبات مختلطة، لكنهم كانوا يطلبون دومًا اختيارًا واحدًا فقط. ولهذا فكان من الطبيعي أن أشعر بالارتباك كلما سمعت هذا السؤال. أنظر إلى أقراني فأجد أن كل واحد منهم جاهز بالإجابة، فهناك من يود أن يكون مهندسًا أو مُعلّمًا أو طيّارًا أو إطفائيًّا أو طبيبًا أو رائد فضاء! وللأمانة تمنّيت أن أكون جميعهم!



ومع كل إجابة أسمعها أحاول أن أتخيّل نفسي فيها وأتساءل إن كانت سيناسبني ذلك الاختيار كي أكمل حياتي به أم لا. كنت غالبًا أجد نفسي تائهًا بلا أي جواب. عندما أعلنت إجابتي "لا أعرف"؛ واجهت حينها سخرية من الجميع، "كيف لا تعرف؟" "ألا ترى زملائك يعرفون؟" "لابد أن تحدد". فاعتقدت أن المشكلة تكمن في نفسي لأنني لا أستطيع تحديد ميولي تجاه مهنة أو هواية أو مادة أدرسها. وولد داخلي إحساس بالفشل، وبأنني شخص غريب عمّن حولي.

I Imagined them looking at me like I was an idiot

زادت حيرتي عندما توجّب عليّ الاختيار بين الصف العلمي أو الأدبي، أخبروني بأن هناك طريق واحد فقط يجب أن أسلكه، فعجزت عن تحديده لأنني شعرت بانتمائي لكلا الاتجاهين. كنت أصغر من أدرك مسؤولية اتخاذ ذلك القرار. لكنني اتخذته بالنهاية بمبررات طغت عليها العاطفة، وعشوائية التفكير. كلما تقدّمت في العمر، مررت بمواقف تعيّن عليّ فيها الاختيار، اختيار الكلية أو الجامعة، اختيار تخصص، اختيار وظيفة. سبّب ذلك لي ذلك هاجسًا مستمرًا يطاردني طوال سنوات حياتي. وأقر بأنه قد دفعني في كثير من الأحيان إلى اتخاذ قرارات بشكل اضطراري -حتى وإن لم تكن لدي رغبة حقيقية تجاهها- تحت ضغوط بحتمية الاختيار.

I've been trying to conform to the worldview that there is only one true path and I was supposed to find it at 18!

أعترف أنني كنت أرغب في التعلم أكثر مما كان مفروضًا عليّ، وكنت أهدف إلى التنوّع في ممارسة الهوايات أكثر مما كان يُتاح لي. لهذا ظل السؤال الذي سكن داخلي وعاش معي كل هذه السنوات "لماذا يتوجّب عليّ أن أختار؟"


مُتأخّرًا جدًا قرأت كتاب ارفض أن تختار " Refuse to choose" للكاتبة الأمريكية باربرا شير “Barbra Sher”، وذلك بعد أن رشحه لي بعض الأصدقاء عندما كنت أتحدث عن هواياتي العديدة التي أمارسها، والتي قد لا يربطها -ظاهريًا- رابط واحد.


عندما بدأت في قراءة الكتاب لم أتوقع أن أكتشف أن هناك من هو مثلي، شخص يشعر بالذنب كونه حائرًا بين الاختيارات لا يستطيع تحديد حسم أمره، لديه كل يوم رغبة في تجربة شيء جديد، يتنقل بين الهوايات حتى وإن لم تكتمل مشاريعه. اكتشفت أيضًا أنني أنتمي إلى تصنيف واحد فقط من بين الكثير من تصنيفات تقع جميعها تحت اسم واحد كبير يُسمّى " الأشخاص متعددي المواهب" أو كما تطلق عليهم الكاتبة اسم Scanner.

You'll notice I didn't use the word "or" because Scanners don't love to do one thing or the other; they love them all.


الكاتبة والتي كانت تعاني منذ صغرها من إجبار المجتمع لها دائمًا على الاختيار، منذ أن كانت في المدرسة أو الجامعة عندما تم إجبارها على اختيار قسم للتخصص فيه، رغم أنها لم تجد في نفسها ميلًا لشيء واحد فقط، وإنما رغبة في التعلّم لأكثر من مادة تنتمي لأكثر من قسم. قامت بجمع قصص الكثير من أصحاب المواهب المتعددة مثلها لتبرهن بها أن عدم القدرة على الاختيار ليس ضروريًا أن يكون شيئًا سلبيًا، وإنما قد تكون كفاءة استثنائية لبعض الأشخاص الذين في استطاعتهم الجمع بين أكثر من هواية أو أكثر من شغف أو حتى أكثر من عمل.


تُقسّم الكاتبة أصحاب المواهب المتعددة إلى أحد عشر نوع، يختلف كل نوع منهم حسب رغباته وقدراته الذهنية أو تفضيلاته أو نوع العمل الذي يضمن له تحقيق شغفه. وحسب كل تصنيف أو نوع منهم تشرح الكاتبة شرحًا مُفصّلًا للأدوات اليومية التي يمكن أن تساعد أصحاب هذا النوع في اختيار النمط اللازم لدعمهم خلال طريقهم لإنجاز ما يرغبون في تنفيذه، كما تُبيّن الوظائف والأعمال المناسبة لكل نوع والتي تمنح أصحابه مساحة من الحرية لأغراضهم.

One path will never be enough for you.


لكنني انتبهت إلى أن هناك مشكلة ضخمة وقعت فيها الكاتبة في الجزء الثاني من الكتاب، والذي قامت فيه بتصنيف أصحاب المواهب المتعددة. هذا التوسع الكبير في التحليل خلق نوعًا من التشتيت لدى القارئ، والذي وجد نفسه -كصاحب موهبة- في أكثر من تصنيف بل في معظم التصنيفات التي قرأها في الكتاب. وبالتالي لم يعد في استطاعته تشخيص التوصيف الصحيح الذي ينتمي له بشكل واضح. بالإضافة إلى أن ذلك قد صنع خلطًا في مفاهيم مثل الالتزام في المواعيد أو احترام التعاقدات، أو تحمّل المسؤولية، وذلك لأن التصنيفات الفضفاضة التي صنعتها الكاتبة قد تعطي القارئ انطباعًا خاطئًا بأن أي تقصير من طرفه ما هو إلا ميزة قابعة داخله لكن من خلال زاوية أخرى. وقد يكون ذلك صحيحًا في بعض الأحيان، لكن على الجانب الآخر قد يعطي ذلك القارئ مبررًا كي يمنح نفسه العذر من خلال التنقّل بين حدود التصنيفات من أجل الهرب من واجبات والتزامات عليه.



وجدت أيضًا أن الكثير من الحلول التي أشارت لها الكاتبة غير عملية، وبعضها غير مناسب لبعض المراحل العمرية، كما أن بعض هذه الحلول لا يمكن تنفيذها في بعض المجتمعات. كما لاحظت أن الكثير من الاقتراحات التي أوردتها الكاتبة في الكتاب يغلب عليها طابع التفاؤل المفرط، لكن ذلك لا ينفي وجود اقتراحات مفيدة وممتازة بالفعل.


بعد انتهائي من قراءة الكتاب، خلصت إلى أن داخل كل منا مهارات متعددة، وخبرات مختلفة، وسُبل متنوعة لتنفيذ أحلامنا. بيد أن هناك توليفة خاصة تُميّز كل انسان عن أي انسان آخر. تركيبة تجمع أفكاره وآراءه وتأملاته وتراثه واعتقاداته وعادات مجتمعه. تضمن هذه التركيبة تفرّد كل تجربة إنسانية لأي محاولة لاتّباع الشغف وتحقيق الأمنيات، حتى وإن تشابهت أهدافهم.


غيّر هذا الكتاب بعض قناعاتي، وجعلني أثق في آرائي التي كانت تناسبني تمامًا لكنني كنت أخفيها خشية الانتقاد من مجتمع لديه طريقة تفكير واحدة لا تقبل الحياد عنها. أدركت أخيرًا أن الحياة تتسع لاتخاذ قرارات عديدة حتى وإن بدت مصيرية، فالزمن مفتوح للتجربة ولإعادة التجربة. وأن فوات أوان محاولة جديدة ليس سوى وهم يقبع في عقولنا أو عقول من حولنا ممن يثبطون عزيمتنا.




لهذا ففي رأيي أننا لا يمكن أن نجبر شخصاً أن يختار أن يعيش حياة لا يجد نفسه فيها، فالإنسان كائن يحرّكه البحث عن سعادته الخاصة، ويتقدّم في الحياة من خلال تجاربه الحرة التي لا تنتهي. يجب أن ندرك أنه لا يمكن تطبيق أسلوب وحيد على جميع الأشخاص، هذا ببساطة لأننا لسنا شخصًا واحدًا. إن طباعنا البشرية متنوعة بشكل ثريّ يكاد لا يتكرر. لهذا فمن الظلم أن يتم خضوعها جميعًا لنهج ثابت يفرضه المجتمع عليها.
يجب أن نترك المجال لأطفالنا كي يقوموا بالتعبير عن آراءهم ورغباتهم دون تأثير أو ضغط عليهم. ينبغي أن نمنح لهم الفرصة كي يرسموا طريقهم بأنفسهم وأن نكون بجوارهم فقط من أجل أن نقدّم لهم الدعم كي ننمي لديهم مهارة القدرة على الاختيار.


الكتاب يقع في 288 صفحة، الجزء الأول من الكتاب كان ممتعًا، إلا أن الجزء الثاني كان فيه الكثير من الإطالة، أما الجزء الأخير فقد شعرت فيه بالملل. لكن ذلك قد يعود إلى أن الكاتبة أفردت بإسهاب وصف وشرح تحديد الأدوات اليومية لكل نوع من تصنيفاتها، وذلك من أجل أن يكون الكتاب مرجعًا يوميًا لكل متعدد للمواهب يجد نفسه في هذا الكتاب.


تقييمي للكتاب 3 من 5

أحمد فؤاد
23 تشرين الثاني نوفمبر 2019 
author-img
أحمد فؤاد

تعليقات

8 تعليقات
إرسال تعليق
  • love makes the world go round photo

    اسلوبك رائع في الكتابة... كيف تعلمت ان تكتب بهذه الطريقة؟

    كنت شاهدت video عن هذا الموضوع وكان بيقول ان الناس متعددي الاهتمامات بيشتغلوا على اهتمام واحد فترة ثم يشتغلوا على اهتمام اخر فترة اخري وبيكون عندهم منتجات متنوعة...

    تفكيري قادني ان الناس متعددي الاهتمامت ينفع يكونوا مديرين... اقصد بيكونوا اصلح لقيادة مجموعة ولكن لا ادري اذا كان تقييمي هذا صحيح ام لا؟

    حذف التعليق
    • Ahmad Fouad photo
      Ahmad Fouad29/11/19 9:58 م

      Dina Khattab

      شكراً على إطرائكِ على أسلوبي المتواضع. في الحقيقة أنا كاتب ومُدوّن وقاص ،وأكتب منذ أكثر من عشرين عام.

      بخصوص تقييمكِ بأن متعددي المواهب يناسبهم أن يكونوا مديرين، أظن تقييمكِ صحيح إلى حد كبير، فهؤلاء لديهم القدرة على تكامل المهارات المختلفة لديهم مما يسمح لهم إدراك بعض الأمور من عدة زوايا عند اتخاذ القرارات. لكن ذلك ليس لازمًا بالضرورة.

      شكراً لمروركِ 🌹

      حذف التعليق
      • Khaled Banoha photo
        Khaled Banoha10/9/20 4:08 ص

        شكرا على جهدك أستاذ احمد

        حذف التعليق
      • Haifa photo
        Haifa23/9/20 8:09 ص

        مراجعة جميلة لكتاب جميل

        حذف التعليق
      • Islam Nabil photo
        Islam Nabil22/1/21 2:42 م

        هل الكتاب موجود باللغة العربية بعد ؟

        حذف التعليق
      google-playkhamsatmostaqltradent