random
أخبار ساخنة

مُراجعة رواية "نهاية السيّد واي" - سكارلت توماس

   



  

أهي لعنة المعرفة؟ لعنة الفضول؟

 


رواية داخل رواية!

 

  


قد تبدو الأحداث التالية للقارئ محض خيال أو حتى حلم خُطّ بعد الصحو، في تلك اللحظات المحمومة حين يظل المرء تحت تأثير تلك الحِيل السحرية التي تتولّد في الذهن فور إغماض العين.
توماس إي لوماس


      

 

هكذا استهلّت آرييل مانتو -بطلة الرواية- قراءة رواية "نهاية السيّد واي"، والتي يُصرّح فيها كاتبها لوماس بوجود لعنة تحلّ على من يقرأ روايته والتي تنتهي بموته حيث مات السيّد واي، ثم مات كاتب الرواية "لوماس" لكن ذلك لم يمنع آرييل مانتو من المُخاطرة بقراءة الرواية ويبدو أننا أيضًا خاطرنا بذلك مُتجاهلين كُل التحذيرات فهل -بعد أن نعرف كُل شيء- ستُصيبنا لعنة المعرفة!

 

 

    

الشخصيات


الشخصية الرئيسة


   

آرييل مانتو -بطلة الرواية- مُضطربة نفسية ولديها الكثير من الميول المازوخية الواضحة. نفسيتها مُركّبة بشكل بائس مما يوقعها في عالم من الشك وانعدام اليقين مما يجعلها تلجأ دائمًا إلى العيش بشكل مادي داروني. لا يبقى في حياتها شيء يستحق الحياة حتى علاقاتها الجنسية لم تعد تقيمها من أجل الرغبة أو الحب، بل وكأنها تحاول أن تسدّ به فراغ نهش روحها بالكامل! تعيش حياة مُدقعة الفقر وتتكسّب قوت يومها من مقالات دورية تكتبها لصحيفة غير مشهورة.

   



  

آرييل مهووسة بالقراءة خاصة قراءة النظريات العلمية والفلسفية. تعشق الفيزياء الكميّة والفلسفة الوجودية والعدمية والتفكيكية ونظريات الوعيّ، لهذا فهي مُتأثّرة بشكل عميق بكتابات صامويل باتلر وجاك دريدا وجين بودريار وهيدجر. تقوم بأبحاث عن رواية نادرة جدًا تحتوي على لعنة غريبة وسرّ عجيب. لا يوجد من هذه الرواية أي نسخة في العالم سوى نسخة واحدة في أحد الخزائن البنكية في ألمانيا. لم يسمع أحد بالرواية إلا أقل القليل ومنهم أستاذ جامعي هو سول بيرلوم والذي تتجه إليه آرييل فورًا من أجل العمل تحت إمرته كي يساعدها في بحثها.

 

شخصية آرييل شخصية مُركّبة ماديّة باردة خالية من كثير من المشاعر، ورأيت أن ذلك منطقيًا ومُتسقًا مع ظروفها وتكوينها. لم تُكتَب شخصية آرييل كي تتعاطف معها، لكنك بشكل أو بآخر تتفهم دوافعها جيدًا.

   

  

شخصيات أخرى

 

بقية الشخصيات جاءت سطحية، صحيح أن مثل هذا النوع من الروايات المبني على المنظور الأول أي أسلوب الراوي المُتكلّم؛ تكون فيه الشخصيات المُساندة أقل حضورًا أو تأثيرًا، إلا أننا هنا في هذه الرواية نُميّز سطحية تركيب الشخصيات سواء الثانوية أو حتى الرئيسية والتي حاولت الكاتبة أن تُطعّمها ببعض التركيبات النفسية والتي أرى أنها لم تنجح في ربطنا بتلك الشخصيات.

 

شخصية آدم لم أجدها جيدة أو جذّابة، بل أنها كانت غير منطقية في كثير من الأحيان... أيضًا شخصيات بيرلوم وولفجانج ولورا كانت شخصيات باهتة، بينما جاءت شخصية هيثر مُفتعلة بشكل سيء.

 

لعلّ شخصية باتريك -على الرغم من هامشيتها الشديدة في الأحداث- كانت أجود الشخصيات الثانوية مُقارنة بحجمها في الأحداث واتساقها مع طبيعة الشخصية.

 

   

  

 

الحبكة

 

رواية "نهاية السيّد واي" رواية مليئة حدّ الازدحام بنظريات مُختلفة وأفكار عميقة جريئة غير مريحة. وهذا يعني -لا محالة- أن القارئ سيجد صعوبة في هضم تلك النظريات جميعها خاصة وأن كل واحدة فيها تُدير العقل. لهذا كان من المُفترض أن تكون الرواية ذات قصة جذّابة وحبكة مثيرة يمكنها أن تنسج رؤوس النظريات في نسيج سردي قصصي يُسهّل عملية الفهم دون التضحية بالمُتعة والتسلية.

 

نحن نقرأ في رواية واحدة عن فريد هولي - جورج جامو – ماكس بورن – موري جيلمان - جيمس كِنت – جاك دريدا – جيمس ماكسويل – جين بودريار – هيدجر - وولفجانج بولي – هنريط جيسلر – كتاب زونوميا – صامويل باتلر - فرانسيس بيكون – أرسطو – جين لامار – ويليام باليه. وعن نظريات مثل: نظرية الخلق – الانفجار الكبير –تفسير كوبنهاجن – قطة شرودنجر – الكم والكوانتم – الوعي الإنساني – العدمية. والكثير...

 

المشكلة أن الكاتبة سكارلت توماس قررت أن تُقدّم حبكة مُعقدة للقصة، فازداد الغموض والالتباس والإبهام على القارئ.


يخطر في ذهني أحيانًا أن الكاتبة رُبما قصدت ذلك من أجل تأكيد فكرة غموض النظريات المُفسّرة للوجود الإنساني وبالتالي فلا شيء يجب فهمه لأن لا شيء حقيقي بشكل كامل ولا شيء خيالي بشكل كامل!

    




   

لكن الأكيد هو أن الكاتبة أخفقت في تقديم حبكة خالية من الثغرات والفجوات، ويبدو أن حبكة القصة لم تكن هي هدفها الأساسي بقدر ما كان هدفها هو تقديم الصراع الفكري والفلسفي والعلمي بشكل كثيف، مما جعل القصة في بعض الأحيان مُجرد مجموعة من الحوارات الفكرية بين بعض شخصيات الرواية لعرض وجهات النظر بغض النظر عن سبب تواجدهم معًا أو تأثير ذلك على القصة.

 

في رأيي أن هدف الكاتبة لم يكن سوى إثارة الجدل في عقل القارئ وجرّه إلى الدخول في صراعات فلسفية وعلمية مع نفسه. من أجل إخراجه من المنطقة الآمنة... من أجل تشغيل عقله بعيدًا عن المُسلّمات.

 

هل هذا يعني أن الحبكة سيئة؟ حسنًا... ليست سيئة وليست ممتازة أيضًا...  هي مُعقدة وغرائبية... وأعترف أنني استمتعت بها بشكل ما على الرغم من عدم افتتاني بها!

  

نصيحة لكل من قرأ الرواية... اقرأ الفصل الأول مرة أخرى بعد انتهائك من الفصل الأخير!

 

     

  

فانتازيا علمية فلسفية تفكيكية عابثة!

 

لا أنكر أن الرواية قد أعجبتني في بعض أجزاءها وأنها كانت مثيرة ومشوّقة في كثير من فصولها، وإلا ما كنت قد انتهيت من قراءتها برغبة حقيقية لمعرفة النهاية -والتي بالمناسبة أحبطتني على نحو ما. لكنها تُقدّم خليطًا كثيرًا من أفكار رأيناها سابقًا ولعلّ أشهرها فيلم ماتريكس الشهير... هي شذرات من أفكار مُختلفة استخدمتها الكاتبة لتقديم خلطة مميزة صادمة لا تهدف إلى إثبات أو إنكار المفاهيم بقدر رغبتها في تغيير الزاوية التي ينظر بها القارئ إلى تلك المفاهيم.

 

الرواية فانتازية بامتياز... في الحقيقة لا توجد رواية يمكنها أن تُقدّم كل هذا الجنون غير الفانتازيا الغرائبية الخيالية... التصنيف الوحيد الذي تختلط فيه الأفكار مع الأحلام مع الوساوس مع الرغبة مع الحقيقة مع الحُب مع الكُره مع اختفاء الحدود مع المُسلّمات ومع اللا مُسلّمات!

 

هل يرى أحدكم تشابهًا ما مع ذلك؟ نعم... إن هذه المنطقة تتشابه مع منطقتنا الخاصة جدًا التي لا يعرف عنها أقرب الناس منا... إنها منطقة جنوننا وشطحاتنا الفكرية.. هي حقنا المشروع في التساؤل. رغبتنا الصادقة في المعرفة... هي المنطقة التي نهرب إليها كي نحاول أن نفهم... وهي نفس المنطقة التي نهرب منها عندما نشعر باقترابنا من حافة الجنون.

    



   

إنه التروبوسفير ... وعينا الذي ينبت في عقولنا منذ أن تُبث في أجسادنا الحياة... تساؤلاتنا الطفولية عن كيفية خلقنا وعن الله وعن العالم قبل أن يُخلَق... تأملاتنا في الحياة وعن الزمن وعن وجود الشرّ.

 

لكل واحد فينا منطقته التي لا يعرف عنها أحد... من مِنّا لم يخلق لنفسه تجربة ما... فكرة... حلم... أسئلة من المُستحيل أن يتهوّر ويسألها لمن حوله؟ إنها مسرحنا الذي لا يوجد به مُتفرجين سوانا ولا مُمثّلين سوانا أيضًا! نُمثّل فيها أحلام يقظتنا... انتقامنا ضد كُل من أهاننا...ممارسة كُل ما لا نستطيع ممارسته على أرض الواقع... قتل كل الأشرار... إنقاذ كل الأبرياء... تجربة الخير والشرّ! الصراخ بعدم قبولنا الأعراف أو الصراخ بحتمية قبولنا بها! محاولتنا لتغيير العالم دون أن يعرف البشر!

 

إنه المكان الذي نُحبّه ونخشاه في آن واحد... إنها مساحة استخدام العقل. الشيء الذي يُميّز الجنس البشري عن بقية الأجناس على الأرض. إنه لأمر مُرعب أن نُفكّر، لأن الفِكر يحمل لنا السعادة والتعاسة معًا لأن الفِكر هدفه الفهم، والفهم نور يفضح الظلام، ويكشف زيف السراب الذي يسير خلفه من لا يعقل. لكن الإنسان يخاف من أن يكتشف في ظلمات نفسه ما يُنغّص عليه طمأنينته المتوهَّمة.

 

هل الفِكر مُحرّم؟ يمكننا أن نُفكّر لكن الفِكر من الممكن أن يصيبنا بالجنون المُطبق عندما لا نستطيع بمداركنا المحدودة الإلمام بالحقيقة التي نرغب دومًا في معرفتها.. هل تلك المعرفة ستحمل لنا الطمأنينة! أم تحمل لنا الجنون؟

 

لا أنكر أن الفِكر خطر... لأنه دون هداية من الله؛ هو سبيل أكيد للضياع!

 

   

     

 

الترجمة

  

الترجمة جاءت جيّدة إلى حدّ بعيد. صحيح أن هناك بعض الأماكن التي كانت مُشتِّتة للقارئ خاصة أثناء فترات التواثب، لكن أظن أن هذه المشكلة من النصّ الأصلي.

 

ترجمت هذا النصّ المُترجمة المصرية إيمان حرز الله وهي مُترجمة ممتازة مثلما رأينا في ترجماتها السابقة "البريق" لستيفن كينج - مُراجعة الرواية. و "موت إيفان إيليتش" لتولستوي - مُراجعة الرواية و" كافكا على الشاطئ" لهاروكي موراكامي"

 

لا شك أن تجربة ترجمة هذا العمل هي تجربة صعبة، لكن إيمان كانت قد صرّحت أن اختيار ترجمة هذا الكتاب كان اختيارها الشخصي. من الواضح شغف إيمان بهذه الرواية والذي دفعها إلى ترجمتها رغم صعوبتها.

 

هناك أمر أخير قرأته في إحدى المراجعات الأجنبية للرواية، وهو أن هناك فقرات تم حذفها (أو اختزالها) من النص الأصلي في النسخة العربية، هذه الفقرات توضّح بشكل أكبر عُمق الاضطراب النفسي لدى البطلة. ولا أستطيع الجزم بذلك كوني لم أقرأ النصّ بلغته الأصلية، لكنني لم أشعر بمشكلة في النصّ العربي على كل حال بخصوص هذه النقطة.

 

    


اقتباسات

 

   





في النهاية سأصير لا أحد، لكنّي في البداية كُنت أُعرف بالسيّد واي
   


ألا يعتبر أي قارئ أن أيّ رواية بطبيعة الحال خيال؟

   

لا بُدّ أن لعنة السيّد واي تعني أن تصير جُزءًا من كتاب، كائنًا من نسج النصّ، كائنًا فضائيًا... كتابيًّا أو رُبّما نصّيًا!

   

أُفضّل أن يكون ثمة شيء ما يعني شيئًا ما، عن الشعور بأنّي في مُحيط شاسع من اللاشيء.

   

الحياة الحقيقية مادية، أعطني كتبًا بدلًا منها: أعطني محتويات الكُتب، الأفكار، الصور. اجعلني جزءًا من كتاب وسأتخلّى مقابل هذا عن كُل شيء.


   
كيف ستكون الحياة إن انكشف كُل ما غمُض منها؟ إن خلت من القصص، فلن توجد قصص إن خلت من القصص، فلن توجد لغة. وإن خلت من اللغة فلن يوجد... ماذا؟

   

كيف يُمكن لشيء أن يكون له معنى خارج اللغة التي نستخدمها لتعريفه؟

  

هل يُمكن أن نعتبر القصة تجربة ذهنية؟ رُبّما كُل التجارب الذهنية قصص.

   

لو أن الفِكر مادة لصار كُل شيء حقيقيًا. لكن إن عكست المُعادلة في الاتجاه الآخر. إن كانت المادة فِكرًا حقًا فلا شيء حقيقيًا.

   

إن حدث وقرأ حاسوب كُل كُتب العالم، أفلن ينتهي به الأمر إلى فهم اللُغة

  

ماذا لو كان المُستقبل هو ما يصنعنا وليس الماضي؟


      

 

محاولة لفهم حبكة الرواية – نصّ مخفيّ

 

    


   

  لمن قرأ الرواية يُمكنك الضغط على زر إظهار النصّ للاطلاع


 

    


  

خاتمة

 

كيف يكون التخاطر؟ وهل يُخفف وطأة الوحدة أم يجعلها بشكل ما أثقل؟ عندما يكون ذهنك مفتوحًا للبعض فيصبح مشاعًا... الشعور بأنك عاريًا تمامًا.. إنه لأمر شنيع ألا تستطيع أن تخفي شيئًا عن الآخرين... أن يكون عقلك مُستباحًا.

 

رواية "نهاية السيّد واي" للكاتبة الإنجليزية سكارلت توماس، رواية تنسج عالمًا غرائبيًا فانتازيًا كثيف الأفكار درجة التداخل والاختلاط.. مليء بالشك الآدمي والحيرة الإنسانية. لكن الهدف من كل ذلك ليس العثور على الإجابة وإنما التحريض على التفكير... الرواية تروبوسفير في حد ذاتها.. وهي من الخطورة أن القارئ قد لا يستطيع الخروج منه كما دخل إليه.

 

الرواية مليئة بالجنس والعنف والسباب، وأظن أن الكاتبة قد تعمّدت ذلك في إشارة إلى أن ذلك مآل عالم عدمي عبثي تفكيكي (ورُبما أنا على خطأ). لكننا إن استثنينا تلك المشاهد غير المُناسبة وبعيدًا عن تعقيدات الحبكة، سنجد أن نقطة الارتكاز الرئيسة والفكرة العامة شبيهة جدًا برواية عالم صوفي.!

 

في النهاية؛ لا أستطيع ترشيح هذه الرواية لأي قارئ... رواية باردة تفكيكية صادمة مجنونة...لكن إن كُنت ما زلت ترغب -أيها القارئ- في قراءة هذه الرواية، فكُل ما يُمكنني قوله إنك لن تخرج منها مثلما دخلت إليها أبدًا.

 

تقييمي 3 نجوم

 

    

 معيار التقييم:

  • نجمة = لم يعجبني
  • نجمتان = مقبول
  • 3 نجوم = أعجبني
  • 4 نجوم = أعجبني بشدة
  • 5 نجوم = استثنائي
    

أحمد فؤاد
27 شباط/فبراير 2022

 

google-playkhamsatmostaqltradent