random
أخبار ساخنة

مُراجعة رواية موت إيفان إيليتش- ليو تولستوي

    

     

لا تُصدّق من يجيد الفلسفة. ليست العُقدة أننا سنموت بعد أن نحيا، ولكن أن نعيش قبل أن نصبح موتى – نجيب سرور
    


لطالما بحث الانسان عن معنى حياته، عن حقيقة مشاعره أو جوهر علاقته مع الآخرين من حوله. يعتقد أحيانًا أن حياته امتداد إجباري لحياة من سبقوه؛ مجرد حلقة في سلسلة طويلة لا يدرك نهايتها، وبأن حياته هي فرصته الوحيدة للتمتّع بكل الملذات الحسية في عالم لا يعرف سبب نشأته أو حتى سبب وجوده فيه! لهذا ينشغل في صراع الحياة الخادع. لكنه كلما تقدّم به العُمر؛ اكتشف زيف الحياة، ووهم الدنيا الزائل، ذلك لأنه يفطن أخيرًا أن سعادته في هكذا حياة لا تكمن العيش، بل في هروبه من فكرة الموت!
    
إيفان إيليتش؛ القاضي المرموق الذي اجتهد من أجل عيش حياة نموذجية، ارتقى لأعلى المناصب؛ بأن اتّبع كل السُبل التي تؤدي إلى ذلك الطريق مهما بدت له فارغة من المعنى، أو تحمل الكثير من التملّق. كان الظهور بشكل مُلفت وراقٍ للرأي العام ولكل من حوله؛ هو الهدف الأسمى له، والذي ظل لسنوات يحاول الاستمرار على تحقيقه كشرط أساسي لاحترام الناس له!
   
تسممت حياته بأكملها بسبب مرض ألمّ به نتيجة اصطدام بسيط، بسيط لدرجة أنه لم يلحظه حينها، لكن لسوء حظه أسفر هذا الاصطدام عن إصابة بليغة لأحد أعضائه الداخلية.
  
رغم الأوجاع العضوية التي بدأت في التزايد بشكل تصاعدي، إلا أن آلامه النفسية كانت أشد وطأة عليه، ذلك لأنها ولأول مرة جعلته يواجه الحقيقة العارية... حقيقة الموت.
  
عندها بحث في رعب عن أي فكرة من تلك الأفكار العديدة التي ملأت حياته سابقًا، والتي كانت تشغله عن الموت، إلا أنه اكتشف أن جميعها كانت مجرد نزوات مضللة. وفي مرارة راح يسترجع حياته وأحلامه وآماله لينكشف الأمر في النهاية أمام بصيرته؛ إنه لم يعش كما ينبغي.
    
برع تولستوي في تصوير لحظات الأسى الذي ملأ بطله إيفان إيليتش، وإحساسه بكونه أصبح عبئًا ثقيلًا على كل من حوله، وكيف تفاقم شعوره بالوحدة وبحجاته أن يكون طفلًا مرة أخرى لأنها الطفولة هي الشيء البريء الوحيد في حياة الانسان. أبدع أيضًا في تصوير لحظات ارتباكه أمام زوجته وابنته، واختلاط الأمر عليه في بين شعوره بأنهم يكرهونه ويتمنون رحيله، وبين احتمال أنهم بالفعل يكنّون له الحب، لكنهم فقط يرغبون في أن ينال راحة أبدية من آلام لم تعد تفارقه.
   

القصة متوسطة الجودة من ناحية السرد القصصي، وهي تقريبًا أولى قصص تولستوي بعد ابتعاده عن حياته العظيمة ككاتب، وبداية تحوّله الديني الذي انعكس على كتاباته التالية.
  
الترجمة ليست جيدة للأسف، ليس فقط في عدم وضوح بعض المعاني، بل لتراكيب بعض الجُمل التي جعلتها غير مفهومة. النسخة التي قرأتها هي للهيئة العامة لقصور الثقافة - سلسلة آفاق عالمية - مشروع ال100 كتاب - والترجمة كانت للمُترجمة مها جمال.
  
عرفت لاحقًا أن دار أثر قامت بإعادة نشر الرواية حديثًا، بترجمة المُترجمة إيمان حرزالله، وأحسب أنها ستكون ذات ترجمة أفضل.
  
   

اقتباسات
  

ويبقى إيفان إيليتش وحده، مع هذا الشعور الواضح وهو أن حياته قد ذبلت، وأنه يُسمّم حياة الآخرين، وأن السمّ ينفذ إليه على نحو يزداد عُمقًا.

   

وأكثر ما كان يُعذّب إيفان إيليتس؛ هو أن لا أحد يرثى له كما يحب. وفي بعض الأحيان، وبعد النوبات الطويلة المؤلمة، كان يود أن يرثي الناس له كما يُرثى للطفل المريض. كان يشتهي أن يداعبه الناس، أن يعانقوه، أن يبكوا قربه كما يُداعَب الأطفال ويُعزَّون. كان يود أن يُلاطفه الناس وأن يبكوا لمصيره.
    
   
تقييمي 3 من 5
   
  
أحمد فؤاد
12 آذار مارس 2020

google-playkhamsatmostaqltradent