random
أخبار ساخنة

مُراجعة كتاب "المُخ الأبله" - دين بِرنيت

 

  


     

مرحبًا بك في عالم المخ المُنظّم بالغ الفوضوية!

  

 المُخ... بَطلٌ أم مُخادِع

  

يقول المثل الشعبي "حين قسم الله الأرزاق لم يرض أحد برزقه، ولكن حين قسم العقول رضى كل إنسان بعقله" هكذا قد لا نجد من يتفق مع الكاتب الطبيب د. دين بِرنيت عندما يصارحنا بحقيقة نتجاهلها، وهي أن المُخ البشري مليء بالعيوب والنواقص، وأن هذه النواقص تؤثر على ما يقوله الإنسان أو يفعله أو يمر به.

 

نحن لا نرضى عن أشكالنا أو أوزاننا أو الأعمال التي نعمل بها، لكن كل واحد مِنّا راضٍ عن عقله كل الرِضا، والحق أن العقل بارع جدًا في الخداع، يُضخّم فينا وهم التفوّق على الآخرين. فتترسخ داخلنا قناعة تامة بأنه نظرتنا للحياة هي النظرة الصحيحة. وهكذا يعطي الإنسان نفسه الحق في الحكم على الآخرين بمقاييسه الشخصية دون تصور لاحتمالية خطأ رأيه.

 

وعلى الرغم من المهارة المُدهشة التي يقوم بها المُخ بعمله الاستثنائي، فإنه يظل نقطة ضعف لدى الإنسان، ذلك لأننا لا يُمكن توقع تصرفاته المُفاجئة والتي قد تبلغ من الغرابة أن نقوم بأفعال عشنا عُمرًا نقسم على ألا نفعلها في يوم من الأيام.

 

المُخ تركيبة فريدة غريبة مراوغة، لا يخضع لحسابات نهائية أو قرارات حتمية. مهما بلغت درجة التوقعات يظل المخ قادرًا على كسر كل التوقعات سواء بشكل إيجابي أو سلبي.

 

  

عن الكتاب

  

ستجد عشرات المواقف في الكتاب تعرفها حق المعرفة، مررت بها مرة أو تساءلت عنها في عقلك. دون أن تعرف سببها أو كيف يعمل مخك كي تدركها.

  

أتعاني من دوار الحركة؟ الكوابيس؟ عدم تذكّر أسماء الناس؟ هل تتذكر وجوههم فقط؟ (أين رأيت هذا الشخص أنا مُتأكد أنني أعرفه؟)

أنسيت إن كُنت أغلقت باب شقتك أم لا؟

أتعاني من الرُهاب والقلق الاجتماعي؟

أتباغتك نوبات خوف أو هلع؟

 

كتاب المُخ الأبله للكاتب الطبيب د. دين بِرنيت، كتاب مُسلٍ للغاية وممتع بالفعل، يُقدّم فيه الكاتب مُقدّمة ممتازة لعلم الأعصاب، فيستعرض المعلومات الطبية العلمية الصعبة بأسلوب بسيط خفيف فُكاهي، ويربطها مع أفعالنا اليومية كي تتضح لنا صورة شاملة لمُختصر ما يحدث داخل عقولنا.

   



   

الكتاب يحوي عشرات المواضيع الشيّقة والمثيرة عن المُخ، مثل نظام الذاكرة وخصائصه العجيبة، الطرق المُتعددة التي يجعلك بها مُخك خائفًا طوال الوقت، سبب خسارة الأشخاص الأذكياء مُناظراتهم؟ لماذا النقد يكون أشد قسوة من المدح؟ لماذا يُحب الناس الشعور بالخوف ويسعون وراءه بأنفسهم؟ لماذا تفكّك العلاقات مُدمّر للغاية؟ كيف يتأثر المخ بالآخرين وكيف يسمح لهم بالتحكّم فينا؟ ولماذا يصعُب علينا أن نخفي ما نُفكّر به حقًا؟ وما هي الخصائص العصبية التي تجعلنا نُعامل الآخرين.

 

بالإضافة إلى توضيحه الخصائص المُركّبة والمُحيّرة لشخصية الإنسان، ومنها إلى التعرّض لأهم مشكلات الصحة النفسية والعقلية، مثل الاكتئاب والمفاهيم المغلوطة التي تحيط به. الانهيارات العصبية وكيفية حدوثها. مفهوم الإدمان وكيف يتسبب المخ في إدمان المخدرات. وأخيرًا الهلوسات والأوهام، وما الذي يفعله المُخ ليتسبب فيهما. 


للكاتب كتاب آخر بعنوان "المُخ السعيد" يبحث فيه عن أسباب السعادة وآلية عمل المُخ مع مفهوم السعادة الغامض - رابط مُراجعة كتاب "المُخ السعيد"

  

   



لقراءة مُقابلتي وحواري مع دكتور دين برنيت يُمكنكم الضغط على هذا الرابط

   

  




إهداء لكل إنسان له مُخ. هذا ليس أمرًا من السهل تحمّله، لذا أُحييك على هذا.



     

 

 توضيحات وتأمّل

  

في الحقيقة أننا لا يجب علينا أن نقرأ كل المعلومات الواردة في الكتاب على أنها حقائق نهائية، لأن رحلة العلم لا تزال مُستمرة، والمعلومات تتغير كل يوم باستمرار دون ثبات. وهذا ليس معناه أي انتقاص لما جاء به الكاتب من معلومات أو إشارة أن المعلومات مغلوطة أو مشكوك فيها. الفكرة تكمن في أن المُخ البشري مُعجزة حيّة لا تتوقف عن إثارة دهشتنا بكل ما تحويه من غموض. ولا أظن أننا سنحيط بكل أسراره في يوم من الأيام.

بالإضافة إلى أنه يتوجّب علينا أن نُفرّق بين الدماغ والمُخ والعقل. فالدماغ هو الجزء الكامل الموجود في الجمجمة الذي نطلق عليه الجهاز العصبي. والمُخ فهو جزء من الدماغ وهو المسؤول عن الوظائف الإدراكية والحسية والعقلية ووظائف اللغة. أما العقل فهو الجانب الروحاني أو الفلسفي أو الغيبي فيه، ويشمل الشخصية والتفكير الجدلي والذكاء والانفعال العاطفي. هذا الجانب الروحاني هو العقل. القدرة على التمييز بين الصحيح والخطأ والقدرة على اتخاذ القرار بشكل حُرّ. صحيح أننا صرنا بفضل الأبحاث العلمية نعرف الكثير من الأسرار ونُصنّف الكثير من المعلومات العلمية مما جعلنا نستطيع التعامل مع المشكلات النفسية العويصة.

 




إذا كان مُخ الإنسان بسيطًا لدرجة تُمكننا فهمه، فسنكون بذلك بُسطاء لدرجة تمنعنا عن فهمه!

  

المشكلة الحقيقية هي أن العقل بمُسمياته وتنويعاته المختلفة "الروح"، "النفس"، "الحالة الأنويّة"، "الأنا العُليا"، شيء مراوغ لا يمكن الإلمام به بشكل كامل، شديد التفرّد بين البشر.

 

لا يُمكن للإنسان أن يصل إلى الحقيقة الكاملة للعقل (الجانب الروحي). من وجهة نظري لأنها من أمر الروح. والتي أخبرنا الله تعالى بأن أمر الروح من عنده "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)الإسراء"

  

ولهذا فأمور النفس الغامضة مثل الوعي والحقيقة والانعكاس والإرادة وغيرها، ستظل أمورًا تستفز رغبة الإنسان في المعرفة، فيحاول ابتكار أفكارًا مثيرة غريبة غير مألوفة علّه يتخلّص من حيرته (الأمر بلغ من التعقيد أن ذهب البعض عن فصل الوعي عن العقل وذلك في ثورة علم النفس الأخيرة)، إلا أنه لا يجد فيها إلا مزيدًا من الغموض. فكلما حاول الوصول إلى حقيقتها كلما تعقّد الأمر بالنسبة له، وهذا أمر طبيعي كوننا لم نؤت من العلم إلا القليل، ولأن هذا العلم تحديدًا من أمر الله. ولعلّنا نلاحظ أن حكمة الله تعالى تتجلّى في أن حد التكليف ذاته يكمن في العقل والروح.

    



  

أخيرًا... نعرف أن المجنون غير مُكلّف، وأن المريض ليس عليه حرج، لكننا نواجه مُعضلة مُعقّدة مع الأمراض النفسية. وذلك للصعوبة الشديدة لكيفية تشخيص الأمراض النفسية. ولا بد من الاعتراف أننا محظوظون كوننا نعيش في عصر زاد فيه الوعي المُجتمعي تجاه الصحة النفسية، وذلك بعد أن عانينا وعانى من سبقونا عصورًا (وإلى وقت قريب) حيث كانت الاضطرابات النفسية لا يُعترف بها. مثل الاكتئاب الحاد واضطراب ما بعد الصدمة، والهوس الاكتئابي، فيُعاقب من لديه اضطراب نفسي (أو من يُسانده) مُجتمعيًا أو قانونيًا؛ إما بالنبذ، أو بالإنكار، أو بالردع إن لزم الأمر!

 





الطبيعة المُنهكة للاضطرابات النفسية غالبًا ما يتم تجاهلها أو ازدراؤها من قِبَل أولئك الذين حالفهم الحظ فلم يُصابوا بها.


  




ازدراء هموم شخص مُصاب بالاكتئاب لأنك عانيت بعض الأيام البائسة وتجاوزتها، مثله مثل أن تزدري شخصًا بُتِرَت يده لأنك أُصبت يومًا بجرح في إصبعك بسبب ورقة.

  

الاكتئاب ليس مرضًا ملموسًا أو مُعديًا مثل باقي الأمراض الاعتيادية، لذلك يكون من السهل إنكار أنه يُمثل مشكلة حقيقية بدلاً من تقبّل الواقع المؤلم غير المتوقع والاعتراف بوجوده. يُطمئن الإنكار المُتفرج (غير المُصاب) بأن هذا "لن يحدث لي أبدًا"، لكن الاكتئاب لا يزال يؤثر على الملايين من الناس بغض النظر عن ذلك، وإلقاء الاتهامات بالأنانية أو الكسل على المصابين بالاكتئاب فقط لتجعل نفسك تشعر أنك أفضل، لا يمكن أن يساعد في أي شيء. وكسلوك؛ تعد هذه الاتهامات مثالًا أفضل بكثير على الأنانية.



    

إننا نقرأ لأننا نحاول أن نعرف ونفهم كي نساعد من حولنا، وكي ننقذ أنفسنا إن أصابتنا عِلّة.  إن المعرفة هي سبيلنا لإغاثة البشر من المعاناة التي قد تصيب الكثير منهم ممن يعاني من اعتلال في الصحة النفسية.

   

 الترجمة

   

ترجم الكتاب المُترجم المصري عيسى عبد الله، والحقيقة أنني وجدت الترجمة رائعة تستحق الإشادة. جاءت الترجمة سلسة خفيفة مُتماشية مع محتوى الكتاب، كما أن تدخلات المُترجم في الهوامش كانت مؤثرة ومفيدة للغاية.

أودّ الإشارة أيضًا إلى إعجابي بمُقدّمة المُترجِم، والتي عنونها بأجمل عنوان "بسم الله الصانع البديع". المُقدّمة جميلة صادقة وأضافت لي على الرغم من قِصرها. ولمست فيها إنسانًا راقيًا مُجتهدًا متواضعًا. كُل الشكر والتقدير إلى المُترجِم.

 

شُكرًا دار عصير الكُتب - رابط الشراء

أخيرًا... أشكر دار عصير الكُتب على حرصها بنشر هذا الكتاب الهام، وارى أن هذا الكتاب قرار حكيم وممتاز لإثراء المكتبة العربية. كما أتقدّم بالشُكر على توفّر الكتاب بنسخة إلكترونية على متجر أمازون كندل بهذه السُرعة. رابط الشراء

 

 التقييم النهائي

 

كتاب "المُخ الأبله" رحلة مُبهجة لطيفة ساخرة. يلقي الكاتب د. دين بِرنيت الضوء فيها على الكفاءة المُدهشة التي يعمل بها المُخ البشري، دون الوقوع في فخ الانبهار به إلى الحد الذي يعمينا عن عشوائيته وقصوره، حيث يسخر من ثقتنا البالغة في عقولنا.

 

قد يعيب البعض على الكاتب عدم التعمّق في المواضيع التي ناقشها في الكتاب، إلا أنني أرى أن تصنيف الكتاب علمي فُكاهي؛ هدفه الأساسي هو تبسيط المعلومات الخاصة بمُقدمة علم الأعصاب وتقديمها للقارئ العادي، وهذا ما أكد عليه الكاتب في مُقدّمة الكتاب. فالكتاب بكل تأكيد لا يجب مقارنته بكتاب علمي أكثر تخصّصًا وعُمقًا مثل كتاب "لماذا ننام؟" للكاتب ماثيو ووكر (رابط المُراجعة)، لكن من العدل أن نُقارنه مثلًا بكتاب "الأمعاء كنزك في بطنك" للكاتبة د. جوليا أندرز (رابط المُراجعة) ذلك لأنه يُشبهه في أسلوب تقديم المعلومات العلمية بطريقة بسيطة خفيفة وبشكل ساخر وفُكاهي.

 

لا شك أن الكاتب دين بِرنت بذل مجهودًا مُضنيًا في هذا العمل، وفي رأيي أنه نجح بامتياز بتقديم كتاب لطيف مُفيد جذّاب. كما أن الكاتب قد ألحق هذا الكتاب بكتاب آخر "المُخ السعيد" يبحث فيه عن أسباب السعادة وآلية عمل المُخ مع مفهوم السعادة الغامض - رابط مُراجعة كتاب "المُخ السعيد"

   


   


لقراءة مُقابلتي وحواري مع دكتور دين برنيت يُمكنكم الضغط على هذا الرابط

   


تقييمي 5 نجوم من 5


 


أحمد فؤاد
29 أيّار مايو 2021
author-img
أحمد فؤاد

تعليقات

4 تعليقات
إرسال تعليق
  • Samaher photo
    Samaher7/6/21 10:04 م

    مراجعة جميلة وكتاب قيّم.. ان شاء الله أقرأ الكتاب لأن المراجعة أعجبتني وأحب الكتب اللي تبسط المعلومة مثل كتاب الأمعاء كنزك في بطنك.. وبالتأكيد تقييمك للكتاب يشجع على قراءته

    ثناءك على المترجم شيء رائع وسعدت جدا بذلك لأننا نحتاج لمترجمين مبدعين

    شكرا يا أحمد على اثرائنا بالكتب الجميلة والمراجعات المميزة 🌷

    حذف التعليق
    • Ahmad Fouad photo
      Ahmad Fouad11/6/21 10:46 ص

      أشكركِ سماهر على تعليقكِ الجميل... الكتاب فعلًا يستحق القراءة. أحب هذه الكتب الخفيفة التي تُبسّط المعلومات وتجعل أمر استيعابها أمرًا سلسًا.

      المُترجم فعلًا قام بمجهود رائع، ويستحق الثناء.

      لا حرمنا الله من مشاركتكِ المُستمرة🌹

      تحياتي
      أحمد

      حذف التعليق
    • Unknown photo
      Unknown3/11/21 1:53 م

      لا اري هذه المراجعه للكتاب وافيه علي الرغم من اعترافي بشعور داخلي لأقتناءه. دمت مبدعا👌

      حذف التعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent