الكتب هي مرايات، أنت فقط تري فيهم ما هو بداخلك مسبقا.
إبداع زافوني
فكّرت طويلاً قبل أن أبدأ في كتابة مراجعة لهذه الرواية، وسألت نفسي كثيراً إن كانت مراجعتي بسبب رغبتي في مساعدة أي قارئ ليتحمّس لقراءة الرواية بعد أن يقرأ المراجعة، إلا أنني قد أدركت أن مراجعتي هذه هي رد فعل طبيعي لما فعلته بي هذه الرواية على وجه الخصوص.
كارلوس زافون هذا الكاتب المبدع الذي شبّعني بجميع أسرار برشلونة و جعلني أعيش داخلها بأجوائها وتاريخها المميز، أرى مرور الزمن في عيون مختلفة تعيش في طبقات مختلفة في المجتمع، أدقق لأجد تفاصيل الأبواب والكنائس ومحطات الترام والقصور وتماثيلها منقوشة على قلبي وليس على الصفحات، أصبح الضباب يملأ روحي وأنا أقرأ الرواية وكأنه ديكور أساسي من أساسيات الرواية، وأكاد أقسم أنني كنت أرى الأحداث وشخصياتها باللونين الأبيض والأسود من فرط اندماجي بأحداثها وزمنها القديم. كيف يستطيع هذا الكاتب في ربط كل تلك الخيوط ببعضها البعض، وكيف يستطيع أن يسهب في الوصف بتلك الطريقة منتبهاً قبل أن يتخطى الحاجز لمنطقة الملل، كيف يعيد تعريف الوصف المُسهب ليجعلني أتقبّله وأطلب المزيد منه، يتسلل ذلك الوصف إلى عقلك الباطن فترى كل المشاهد حيّة داخلك.
شخصيات مُبهرة
أما الشخصيات، فأشعر بالعجز وأنا أحاول الكتابة عنها، أريد أن أكتب عن كل شخصية لحالها، منذ نصف الرواية وأنا وقعت في غرام تلك الشخصيات الرائعة.
خوليان ... أحببته و أحببت سيرته وألمه ويأسه ورحلته، حتى اسمه أحببته، جعلني الكاتب أحبه و أكرهه في بعض اللحظات، بل شعرت في بعض اللحظات برغبتي في أن أربت على كتفه المنهك من وجع السنين.
نوريا مونفورت... آه على تلك الشخصية التي سحرتها قبلي شخصية خوليان، أشفقت عليها وبكيت لأجلها، تمنّيت أن أسرق ابتسامة من زمننا وارسمها على وجهها الجميل وقلبها المفعم بالحب.
بينلوب الصغيرة، وبيا الرقيقة خلف قناع من المزاجية، كلارا المحطمة صاحبة الابتسامة الملائكية.
ميجيل... أو يُمكننا أن نُطلق عليه لقب القدّيس ميجيل من فرط حُبّه لصاحبه وحبيبته. شخصية بديعة تنضح بالألم.
والد دانيال و علاقة رائعة بين الأب وابنه، جعلني الكاتب أشعر بالحزن العميق من شدة تأثري بمشاعر الأب الذي يرى دانيال ابنه في معترك الحياة، منذ أن أخذه لاختيار الكتاب في مقبرة الكتب المنسية و حتى آخر الرواية.
أما الشخصية المذهلة فكانت فيرمين، هذا الشخص القوي الذي لم تستطع الحياة أن تكسره، ضحكت من قلبي وأنا أسمتع إلى نكاته وانتقاداته، وتأثّرت بشدة لوفائه وحبّه لدانيال.
ناهيك عن العديد من الشخصيات رائعة الجمال وغنيّة التفاصيل حتى و إن كان دورها صغير في الرواية.
الترجمة
من يجعلني أندمج مع النصّ بهذا التماهي، وتلمس كلماته وتركيباته أوتار قلبي، ويتسبّب في اجتياح فيضان هائل من العاطفة في الرواية؛ فيُغرق روحي، من يكون حلقة الوصل الصحيحة بين الكاتب والقارئ هو ليس مُترجمًا عاديًا... هذا مُترجم غارق حتى النُخاع في النصّ وبين سطوره.
كُل الشُكر للمُترجم معاوية عبد المجيد، أُقدّر مجهودك المُبهر كي تظهر هذه الرواية بشكل غاية في الجمال للقارئ العربي. - حوار مع المُترجم معاوية عبد المجيد
اقتباسات
نحن نستمر في الحياة في ذاكرة من يحبّنا.
كل كتاب، كل مجلد تراه هنا، له روح. روح الشخص الذي كتبه، وأولئك الذين يقرؤونه، يعيشونه ويحلمون به. في كل مرة الكتاب يتنقل من يد لآخري، ويقع نظر احدهم علي صفحاته، فإن روح الكتاب تنمو وتقوي.
السرد هو رسالة يكتبها المؤلف ليعري روحه.
وقبلت جبينه، وكأني بفعلي هذا يمكنني حمايته من المخاطر الخفية التي ستبعده عني، عن هذه الشقة الصغيرة، وعن ذكرياتي. كما لو أن بهذه القبلة يمكنني أن أخدع الزمن واقنعه أن يتخطانا.
بعض السجون اسوأ من الكلمات .
الأسباب التي تدفع الانسان لقول الحقيقة قليلة جداً، بينما لا تعد أسباب الكذب ولا تحصى.
الكتب ليست سوى مرآة نرى فيها ما نملتكه في دواخلنا.
التقييم النهائي
رواية "ظل الريح" رواية غاية في الجمال و الإبداع، و تفاصيلها تملأني منتشياً رغم كل الألم الموجود بها، وبتأثير مفردات عميقة حلّقت بي في عالم لا أستطيع العودة منه بسهولة.
مع التنبيه بأن هناك بعض عبارات الإلحاد وبعض المشاهد الخارجة والتي هي "شر لابد منه" في الروايات الأجنبية
أنصح بشدة بقراءة هذه الرواية الرائعة، وأختم مُراجعتي كما ختمت "نوريا مونفورت" رسالتها -قلب الرواية النابض بكُل السحر والحُزن والعذوبة - حافظ عليّ في قلبك إلى الأبد.
تقييمي خمس نجوم
معيار التقييم:
- نجمة = لم يعجبني
- نجمتان = مقبول
- 3 نجوم = أعجبني
- 4 نجوم = أعجبني بشدة
- 5 نجوم = استثنائي
مُراجعة أجزاء السلسلة
- الجزء الأول: ظل الريح
- الجزء الثاتي: لعبة الملاك
- الجزء الثالث: سجين السماء
- الجزء الرابع: مناهة الأرواح
أحمد فؤاد