random
أخبار ساخنة

اختيار خاطئ : هل مِنَ العدل أن تُدمَر حياتنا بسبب اختيار خاطئ؟

   


   
     
 هل من العدل أن تُدمَر حياتنا بسبب اختيار خاطئ؟


  
تجبرنا الحياة في كثير من الأحيان على العيش بشروط لا نقبلها، شروط كانت نتيجة مباشرة لخطأ ما اقترفناه في لحظة من تهوّر أو حماقة أثناء اختيار ما في طريق الحياة. يدفعنا الإحباط إلى الهروب إلى أحلام يقظتنا كي تمنحنا لحظات مُلوّنة بألوان السعادة، رغم أنها تخفي داخلها مرارة الاعتراف بأننا نمارس سعادتنا فقط في خيالنا،وأن شقاءنا الحقيقي ليس سببه اختياراتنا الخاطئة فقط، بل أيضا بسبب تعلّقنا الدائم بـ “ماذا لو؟”  والوقوع في دائرة مغلقة من تمنّيات تقدّم لنا قليل من السعادة وكثير من كراهية الواقع، لنمقت -لا شعوريًا- أنفسنا، كوننا نحن أصحاب الاختيار.

ليس من العدل أن تُدمَر حياتنا بسبب اختيار واحد خاطئ، وبالرغم من أن هناك اختيارات تكون بمثابة علامات فارقة في حياتنا، لكن الحياة لم تكن أبدًا خطًا مُستقيمًا، وإنما هي خطوط متعرجّة متذبذبة ما بين اختيارات جيّدة وأخرى خاطئة. ويظهر التذبذب الحاد في تلك الخطوط بكثرة وعمق الاختيارات التي يتخذها الانسان، بينما ينعدم هذا التذبذب ويتحوّل تدريجيًا إلى خط ثابت بالاستسلام والتوقف عن اتخاذ أية قرارات في الحياة. إن الحياة مجموعة مترابطة من الاختيارات، ارتباطها الوثيق يجعل كل قرار يؤثر بشدة في القرارات الأخرى مهما طالت فترة تأخره. وكأنه نوع من التأثير الكيميائي الذي يُغيّر شكل المادة بإضافة عنصر جديد إليها!
    


    
كمثال… يُخطئ الانسان في حياته كثيرًا، ويتحوّل لشخص سيء كلما زادت أفعاله الخاطئة، لتأتي التوبة فتُغيّر كل ذلك، وتخلق نفسًا جديدة بتكوين مختلف، عنصر جديد يدخل في تركيبته لا يلغي أخطاءه السابقة أو يُغيّر من حقيقة خطأه، وإنما يعدّل من طريقة تفكيره وشعوره، فيتصالح مع نفسه عندما ينظر إلى تلك الأخطاء السابقة كعلامات فارقة في حياته، هدفه الدائم هو التعلّم منها وزيادة الخبرة التراكمية للإنسان وإدراك ضرورة التأقلم والتعايش مع اضطرابات الحياة.

هناك دائمًا فرصة للتغيير، لإضافة عنصر ما في حياتنا نُعدّل به نتائج اختياراتنا السابقة. كل يوم يحمل معه اختيار جديد لإضافة عنصر ما نستطيع معه أن نعيد تشكيلنا من جديد، لنصبح أكثر صمودًا أمام المشكلات التي نواجهها، وأكثر قدرة على مواجهة الحياة.

إننا غير قادرين على تغيير الماضي، لكننا قادرين على العيش في الحاضر بشكل أفضل، وذلك عن طريق محاولاتنا المستمرة باتخاذ قرارات جديدة تُمثّل أنفسنا وتدعم أرواحنا. وليس معنى ذلك أننا دائمًا نستطيع أن نُغيّر الواقع وننسحب من حياتنا اليومية التي قد نشعر فيها بالتعاسة، فكثير منا ليس لديه ترف التغيير أو التراجع. فقد لا يمكننا الانسحاب الفوري من علاقة زوجية فاشلة، وقد لا نستطيع تغيير وظائفنا التي نكرهها، أو لا نملك تجنّب بعض الأشخاص السيئين الذين ترغمنا الحياة على العيش بجوارهم لفترة من الزمن. نعم قد نفعل ذلك في نهاية المطاف، وبشكل تدريجي. لكن كيف سنتحمّل وجودهم حتى يحدث ذلك؟
   

   
في رأيي… لا توجد سوى إجابة واحدة، وهي ضرورة خلق مساحة خاصة لصنع نجاحات شخصية بسيطة، توازن حالة الإحباط الذي نشعر به مع واقع مؤلم. نحن هنا لا نملك سوى المناورة، وكما تقول المقولة الحكيمة “ما لا يُدرَك كله لا يُترَك كله”، فإنه إن استحال علينا تغيير الواقع الناتج عن سوء اختيارات سابقة، فإنه يتعيّن علينا البحث عمّا يُعزز فينا ثقتنا بأنفسنا، والإيمان بأننا نستحق حياة أفضل. وليس هناك أفضل مما يُعزز ثقة الانسان بنفسه أكثر من النجاح.

اصنع نجاحك الصغير، فالطاقة الإيجابية التي تنتج عن هذا النجاح قد تأتي بنتائج مُبهرة على الصعيد النفسي. لا تنشغل برأي الناس في نجاحك، ولا تشاركهم إياه إلا بعد تحقيق إنجاز يستحق، فالرغبة في هذا النجاح في حقيقة الأمر هي الرغبة في الوصول لحالة من الثقة والسلام النفسي تحقق لك توازنًا في عيشك للواقع.

   

   
إن أجمل ما في النجاحات الصغيرة أنها لا تتطلب الكثير من المجهود، فقط اصنع عالمًا خاصًا بك… مارس هواياتك القديمة، أو تعلّم العزف على آلة موسيقية، اكتب مُذكّراتك أو أشعارك، تعلّم لغة جديدة، قم بالسفر بشكل منتظم حتى ولو إلى مدينة لا تبعد عنك سوى بضعة كيلومترات، اشتر آلة تصوير وحاول التقاط مشاهد لسحر الطبيعة، أنشئ رُكنًا خاصًا بك في المنزل كمكتبة وكرسي وبعض الياسمين، ارسم على الحائط، ابتكر وصفات جديدة للمأكولات. باختصار… اصنع سعادتك. واعلم بأن نجاحك في خلق سعادتك الشخصية بنفسك وسط الحياة المعقدة هو إنجاز في حد ذاته.
   


    
ابحث عن سعادتك في وسط كل مآسيك… ابحث عن راحتك وسط كل آلامك، ابحث عن الجميل في ماضيك وافتخر به حتى وإن كان بسيطًا. ابحث عن نفسك بين كل المحيطين بك. ابحث بجهد فلن تجد من يفهمك أكثر منك، ولن يقدّم لك أحد سعادتك إن تنازلت أنت عنها.
     
    
أحمد فؤاد

تم تقديم المقال بأداء صوتي للأخت مروة عاصم، وذلك في قناة مزامير السيدة ميم على موقع يوتيوب.





author-img
أحمد فؤاد

تعليقات

4 تعليقات
إرسال تعليق
  • nermeen abdelaziz photo
    nermeen abdelaziz5/2/21 2:03 م

    اتسائل يوميا لماذا ضطر للتعامل مع من لا أريدهم و اضطر لذلك و لكن المصلحة تضطرني فهل هذا سبب كافي هل أسأت لنفسي هل تستقيم حياتي مع ذلك؟

    حذف التعليق
    • Ahmad Fouad photo
      Ahmad Fouad7/2/21 3:10 م

      كثيرًا لا نملك الترف الكافي لقطع علاقتنا بمن يؤذوننا. لكن دعينا نتفق على أهمية تقليل مساحة التعامل إلى الحد الأدتي القادرين عليه.

      حذف التعليق
    • Unknown photo
      Unknown23/6/21 2:20 م

      مقال أكثر من رائع ⚘

      حذف التعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent