random
أخبار ساخنة

مراجعة رواية "قمرٌ شاحب" - عبد الخالق كلاليب




  

أسوأ الذكريات تلك التي تلتصق بنا حتى آخر العُمر!

  

ذكريات مدفونة

  

هناك من الذكريات ما يقبع داخل عقولنا سنينًا طوال. تظل كامنة في ثنايا الذاكرة، تنتظر الوقت المُناسب لتبرق. قد يحمل لنا هذا البريق ألمًا ووجعًا أو قد يلهمنا حكمة أدركناها منذ زمن فات ودُفِنَت تحت أنقاض الزمن. أحيانًا نهرب من ذكرى ما غير مُدركين أن مهما طال العُمر فإننا سنواجه أنفسنا في النهاية. تُرى عندما تحين لحظة المواجهة، هل تظل الذكريات في عقولنا كاملة صحيحة؟ وهل سننجح في أن نجمع شذراتها المُتناثرة لصنع ذكرى مُحددة كي نستطيع قتلها ووأدها إلى الأبد!

 

من خلال هذا المفهوم يأخذنا الكاتب عبد الخالق كلاليب إلى رحلة غامضة في روايته الجديدة "قمرٌ شاحب"، والتي يقوم بها بطل الرواية الضابط الشاب (الراوي) إلى القرية المعزولة بالثلج للتحقيق في جريمة قتل. رحلة ستحمل في جعبتها الارتياب والكآبة والغضب والقسوة، لتترك آثارها في نفس البطل لبقية حياته.


يقوم عبد الخالق كلاليب -كما فعل في روايته الرائعة "صدى الأرواح" - مراجعة رواية صدى الأرواح - بدمج أسئلته الفلسفية عن القدر وتبعاته وأخطائنا ومدى مسؤوليتنا عنها، بعناية داخل حبكة تشويقية بوليسية اجتماعية في جو حزين لا يُمكن أن يُخطأ.

 

 

قرية معزولة


  

لم تكن المرة الأولى التي أقرأ فيها رواية تدور أحداثها في مكان واحد صغير، وشخصيات قليلة. لهذا فقد شعرت بلمحات من رواية "واحة الغروب" لبهاء طاهر، وأحيانًا أخرى بلمحات من رواية البريق (الثلج الذي يعزل المكان) أو حتى "اسم الوردة" لإمبرتو إيكو -مُراجعة رواية "اسم الوردة". وفي الحقيقة مشكلة هذه الروايات التي تعتمد على مكان واحد أنها قد تقع في براثن الإسهاب والتكرار مما يثير بعض الملل في بعض أماكن في الرواية. يلجأ الكُتّاب في هذه الحالة إلى تعويض ذلك بمحادثات شائقة أو أحداث مُلغزة.

باستثناء ستيفن كينج في رائعته البريق، وقع بهاء طاهر وإمبرتو إيكو في روايتهما المُشار إليهما أعلاه في فخ التكرار، ولم يفلح عبد الخالق كلاليب في هذه الرواية في الهروب من هذا الفخ.

 

للأمانة... هذا النوع من الروايات يكون هذا غرضه الأساسي: تحريك الأحداث بشكل بطيء. وذلك لأن إيقاع الحياة في أية قرية أو بلدة صغيرة يجب أن يمر ببطء على عكس إيقاع مرور الوقت في المدن الكبيرة. لهذا فقد يكون هذا البُطء المقصود في تحرّك الأحداث، هو ببساطة فقط لم يناسبني كقارئ لهذه النوعية من الروايات، لهذا فمن الظُلم أن أعتبرها سلبية للرواية.

 

سلبيات

  

لدي مشكلتين مع الرواية

 

الأولى طريقة سير الأحداث. الأحداث لا تسير بشكل زمني مُتصاعد وهذا لا مشكلة فيه. ولا تسير بشكل الحكي العكسي (فلاش باك)! وإنما هو مزيج من هذا وذاك. يلقي الراوي الضوء -في بدايات أو منتصف الرواية- عن أحداث لن يُكشف عنها إلا قُبيل النهاية. وعلى هذا المنوال يجد القارئ نفسه بين ماضٍ ومُستقبل وحاضر بشكل عشوائي. وفي الحقيقة أن هذه العشوائية لها هدف مُحدّد سيُكشف عنه في خاتمة الرواية، لكن لا أستطيع أن أنكر أنه أرهقني أثناء القراءة، وعلى ما يبدو أن ما فاقم هذا الإحساس لديّ هو أن النصّ جاء مُسترسلًا دون تقسيمه إلى فصول لالتقاط الأنفاس وترتيب الأفكار في ذهني.

 

المشكلة الثانية هي المُصادفات... لا توجد لديّ أي مشكلة في تكون هناك صدفة ما في الأحداث. الحياة علّمتنا أن هناك الكثير منها حتى أننا نُقابلها في الواقع أكثر مما نقابلها في الروايات! لكن في رأيي أن النص أصابه ضعفًا عندما اعتمد الكاتب على مُصادفة ثانية مُطابقة للمصادفة الأولى، بل ومن نفس الشخص بالإضافة إلى أنها لا تفصل بينهما فترة زمنية مناسبة، خاصة أن هذه المُصادفة هي التي ستحلّ اللغز الأساسي للحبكة. في اعتقادي أن خيار المُصادفة الثانية لم يكن خيارًا جيًدا في الحبكة.

 



  

رمزيات

 

قرّر عبد الخالق كلاليب عدم ذكر أية أسماء في الرواية سواء أسماء الشخصيات وحتى أسماء القرية أو المدينة أو الوطن. وهذا يجعلني أخمّن أن الرواية رمزية.

 

وجدتني أضع رمزيات عديدة لربما لم يقصدها الكاتب ولم تأتِ على خاطره. فبدأت اركّب بعض المعلومات لتكوين لوحة في خيالي أتوقّع فيها ما كان يُفكّر به الكاتب. وبما أن الحرب التي كان يقصدها كانت الحرب العالمية الأول وبأن الدولة العثمانية هي التي كانت تُجنّد الشباب. فوجدتني أُجنّب عامل الزمن، وأقوم بوضع فرضياتي القرية هي الجمهورية – الضابط هو الضمير أو الفرد الذي يبحث عن الحقيقة – المُختار الحاكم – الصياد الحاكم في الظل أو الحاكم العسكري – أهل القرية بما فعلوه هو الشعب الساكت عن حقه ويرضى به – الغريب الدول الأجنبية التي ترى -بغير حق - في الأرض حقًا لها.

 

ملحوظة لمن قرأ قصة "الكرة الزجاجية" للكاتب عبد الخالق كلاليب - رابط القصة -مُراجعة القصة. لا أدري لماذا رأيت القرية الغارقة في الثلوج هي نفس المكان الذي ذهب إليه سميح 😊

 

    


التقييم النهائي

 

رواية قمر شاحب للكاتب عبد الخالق كلاليب، رواية مُتماسكة من الأفضل أن تُقرأ على مهل، لأن هدفها لم يكن اكتشاف لغز الجريمة في حد ذاته، بقدر ما كان هدفها هو محاولة لاكتشاف حقيقة البشر. لن يستمتع بالرواية سوى من يغرق في حروفها ويتماهى مع أحداثها ويتأمل معانيها. قد يكون الكاتب قد جعل البطل يبحث عن قِطَع الأحجيات من أجل أن يحل اللغز كُلّه، لكنه بالتأكيد قد ورّط القارئ في رحلة موازية لجمع أحجيات مُخبّأة في النصّ من أجل أن يفهم المغزى الحقيقي من الرواية كمكافأة أخيرة.

 

تقييمي النهائي

3 نجوم

 

معيار التقييم:

نجمة = لم تعجبني
نجمتان = مقبولة
3 نجوم = أعجبتني
4 نجوم = أعجبتني بشدة
5 نجوم = استثنائية

  




أحمد فؤاد
27 آب أغسطس 2021
google-playkhamsatmostaqltradent