الشرُ كامن في الإنسان في انتظار تحريره. ومَن أقدر مِن الشيطان على هذه المُهمّة!
من المؤكد أنك قرأت -أو تنوي قراءة- هذه الرواية ” طارد الأرواح“ ظنًا منك أنها رواية من أدب الرُعب. حسنًا. يؤسفني أن أُفسد عليك بهجتك. هي ليست رواية رُعب! لكن هذا ليس بالأمر السيء. على العكس؛ إنها مفاجأة رائعة لمن يهوى الروايات الفلسفية!
الرواية والشخصيات
كاريس
من الصعب تصديق حقيقة أن بطل هذه الرواية ”طارد الأرواح“ The Exorcist الفعلي هو القسّ كاريس وليس الفتاة ريجان. ومن الواضح أن هذا الأمر كان ما شعر به أي قارئ لهذه الرواية كان قد شاهد الفيلم أولًا. ربما لأن الجزء المُثير في الفيلم هو الجزء المرعب فيه وهو النصف ساعة الأخيرة من الفيلم. المشهد بين صراع الأب ميرين والقسّ كاريس من جهة مقابل الشيطان المُتلبّس للفتاة ريجان من جهة أخرى. ربما بفضل المؤثرات البصرية والصوتية الممتازة -حسب ذلك الوقت 1971- والاستخدام الأمثل لمساحيق التجميل، والتجسيد والأداء المُميّز للطفلة؛ انطبع في عقل من شاهد الفيلم أن هذه القصة الأساسية في الفيلم. خاصة أن أسلوب سرد الفيلم لا يدع مجالًا للشك -منذ اللحظة الأولى- بأن الشيطان هو من يتلبّس الفتاة. هي حقيقة مؤكدة وأحداث الفيلم تُنشئ سلسلة زمنية نتقابل فيها مع تصاعد وتيرة الأحداث مع المواجهة الأخيرة.
الرواية على العكس تمامًا. ومن قرأ الرواية دون مشاهدة الفيلم أو من لم يكن لديه أي فكرة عن الرواية من قبل أو يسمع عنها (وهو أمر بالغ الصعوبة نظرًا للشُهرة الهائلة للفيلم) سيظل مُذبذبًا في التفسير والوصول إلى الحقيقة إلى أن يصل إلى قُرابة النهاية. وربما لن يجدها حتى بعد النهاية. إنها كالهواء الذي لا نراه لكننا نستدل عليه بنسيمه وزوابعه!
رواية ”طارد الأرواح“ رواية نفسيّة بشكل عميق. هي في الحقيقة تُناقش الصراع الذي يدور في نفس القسّ كاريس الذي يمر بأزمة يقين. القسّ المؤمن الذي عاش كل عُمره في خدمة الرب والكنسية، ويبدأ مؤخرًا في إدراك انتشار الشر من حوله. يتناقص المؤمنون. يبدأ طوفان الملحدين في الظهور. يجادلون بعدم وجود الله. لا وجود للشيطان أيضًا. إنها خُرافات .إنه المجهول الذي قضى عليه العلم. يتساءل: أين عقاب اللاعنون للرب؟ إنهم يُدنسون كل المُقدّسات. أين غضب الله عليهم؟ تنهشه التساؤلات. يتسرّب اليقين من داخله. تملؤه الشكوك. تموت أمه. يعجز عن المساعدة. يُنازعه اللوم على كونه قسّا في خدمة الكنيسة تاركًا مهنة الطب التي كانت من شأنها أن تُنقذ أمه وينطلق في طريق الشهُرة ليوفر لها رغد الحياة. يقتله صوتها الآتي من عقله ”لماذا يا ديمي تركتني هكذا؟“. هل كان على خطأ؟ هل ما فعله كان الصواب؟
نمت داخله بذرة الشكّ واستفحلت برؤيته لعجز الخير على كبح الشرور في العالم. فيقع في صراع مرير مع النفس. وعلى شفا هاوية القنوط، يشعر يائسًا أنه لم يعد جديرًا برحمة الرب!
الشيطان
في ظل الصراع الذي يعصف بكاريس. تظهر قصة ريجان. يُطلب منه تقصّي الأمر. ويجد نفسه متورطًا في طلب الممثلة المُلحدة كريس بأن يقوم بجلسة لطرد الأرواح على الطريقة الكاثوليكية. رغم اندهاشه يدرك أن كريس لم يعد لديها سوى التمسّك بأمور لا تؤمن بها من أجل أن تنقذ ابنتها بعد أن عجز العلم عن مساعدتها.
حاول كاريس أن يتهرّب من فكرة طرد الأرواح، نظرًا لأن أغلب الحالات المزعومة بأنها حالات استحواذ ومسّ شيطاني؛ صارت معروفة الأسباب وهي أسباب عقلية مرضية قابلة للعلاج النفسي والجسدي بعد أن ظلت دهرًا تقع تحت بند الاستحواذ الشيطاني. بالإضافة إلى ذلك كان كاريس يخشى من القيام بعملية طرد للأرواح، فمن شأن ذلك أن يثير حفيظة المُلحدين ظنًا منهم أن الكنيسة تحاول قتل العلم وإفشاء الجهل للسيطرة على الناس بالدين، ومن ثَمّ يقومون بعمليات تدنيس للكنائس في رد فعل عنيف ربما يزيد الشكوك في نفوس المؤمنين ويُضعف الكنيسة أمام المجتمع العلماني.
هنا تحديدًا يقع الخلط الذي يقع فيه الإنسان. ربطه لأمور الدين والعلم يكون دومًا محدودًا بمدى معرفته. وفي كل مرحلة جديدة من كشف المجهول والتسلح بالعلم والمعرفة، يتوجّب عليه أن يُعدّل من أفكاره وربطه وفهمه لأمور الدين حسب المرحلة الجديدة للفهم. لكن المشكلة هي أن القدسية التي منحها للتفسير القديم للأشياء من الصعب جدًا أن ينزعها. لأن هناك من الناس من يصعب عليه فهم أن الإنسان في حالة ديناميكية متجددة على هذه الأرض طوال فترة حياة البشر المتعاقبة. ويتوجب عليه التجديد من أجل الاستمرار في الحياة. هؤلاء يفقدون إيمانهم عند نزع القدسية عن أمور اكتشف الإنسان كُنهها وأخرجها من ظلام المجهول إلى نور المعرفة. يظنون أن بهذا يفقد الدين رسوخه وقيمته، غير مدركين أن الدين لا يتغيّر ولكن الفهم والإدراك والوعي هو المتغيّر. وهذا لا يعيب الدين ولا يعيب الإنسان. لأنه هذا هو وسيلة الارتقاء البشري. التطوّر.
عودة إلى كاريس… جاءت كريس بمشكلة ابنتها لتزيد محنة كاريس مع نفسه. تُرى أيكون هذا الأمر هو رسالة إلهية للتثبّت وبعث الإيمان في قلبه؟ أم يكون طريق الحسم لوئده إلى الأبد؟
يبتهج الشيطان بشكوك الإنسان. ينتعش ببريق الأمل في أن يُفسد اختباره. إنها فرصته. مباراته الخالدة مع الإنسان. لهذا يكون حريصًا جدًا على عدم الخسارة. مُستغلًا أفضليته كونه يعرف الحقيقة بلا لبس، بينما الإنسان يؤمن بها غيبًا.
يتلاعب الشيطان بكاريس بكل خُبث. فلا يظهر إلا بالشكل الذي يزيد من شكوكه. في المجال الآمن لعدم كشف الحقيقة ”فصام - هيستيريا - صرع - تخاطر - قوى فوق إدراكية). وكلما مال كاريس إلى كشف الحقيقة، يختفي التحدي فورًا خوفًا من إدراك كاريس للأمر. لهذا يُكرر دومًا ” أنا لا أحد… أنا لا أحد…“ وكأنه يخبره أنا لست شيطانًا يا كاريس. أنت طبيب نفسي مُحنّك. ألا تستطيع أن تتخلص من الوهم العبثي بوجود شيطان هنا!
كندرمان… كندرمان… كندرمان
حسنًا. أظن أنني من أكبر مُحبّي شخصية المُحقق ”كندرمان“. وأرى أنها أكثر شخصية مظلومة في هذه الرواية. الشخصية مكتوبة بحرفية مُذهلة لدرجة قد تجعلنا نشك أنها شخصية حقيقية بالفعل. المُحقق كندرمان ليس مجرد مُحقق. الرجل لديه عُمق إنساني عجيب. عُمق غير مباشر. وطريق لا يحيد عنه. طريقة تعامله مع الأشخاص. اهتمامه بالناس على المستوى الشخصي. يشعر بوحدة شديدة. يرغب في صُحبة حقيقية. تكاد تشعر بطيبته الحانية. لا يملك فقط ذكاءً وسرعة بديهة في عمله، لكنه يملك ذكاءًا اجتماعيًا يجعله يصل إلى أعماق من أمامه. ربما قد يشعر من أمامه ببعض السماجة أو اللزوجة، لكن على الجانب الآخر يصعب عليه أن يتخلص منه أو أن يصدّه وهو يتحاور معه ويلمس في صوته الدفء وطيبة القلب والاهتمام الحقيقي بأمور تخصه. أحببت هذه الشخصية بكل تفاصيلها وخاصة النمط الذي يتّبعه: الظهور المُفاجئ - البدء في الحديث عن أمور تخص من أمامه. إعطاء بعض النصائح - إنهاء اللقاء - العودة مرة أخرى من أجل السبب الحقيقي للقاء- إنهاء اللقاء - العودة مرة ثالثة لمزيد من التفاصيل أو مزيد من النصائح الشخصية والحميمية!
حتمًا هي شخصية لن أنساها على الرغم من ثانويتها!
الفيلم
الفيلم من أفلام الرعب الأيقونية المميزة والتي سبقت جيلها وأفسحت الطريق لِكَمٍّ هائل من الأفلام التي سارت على نفس النهج الذي سار عليه الفيلم. وعلى الرغم من جودة الفيلم في الخدع البصرية والصوتية والأداء التمثيلي الممتاز. وعلى الرغم من أن كاتب سيناريو الفيلم هو نفسه وِليَم بلاتي مؤلف الرواية، وعلى الرغم من الإخلاص الشديد للرواية واحتواء الفيلم على أغلب ما جاء في قصتها الرئيسية، إلا أن الفيلم افتقد بشدة العُمق الموجود في الرواية. بل رُبما حاد عن هدف الرواية الجوهري في تصوير الصراع الذي يدور حول الإيمان بشكل أساسي في شخصية كاريس أو بشكل ثانوي في شخصية كريس. والحقيقة أنني لا أستطيع أن ألوم المؤلف أو المخرج هنا. فالعُمق الفلسفي الموجود في الرواية بطبقاته الكثيفة، من الصعب جدًا أن يكون حاضرًا في فيلم تجاري سينيمائي. إن أغلب الأحداث التي تدور في الرواية تقع في نفوس أبطالها، وهذا أمر عسير أن ينتقل كما هو عليه إلى السنيما..
لهذا ففي رأيي الشخصي أن الفيلم يصلح جدًا أن يكون مُكمّلًا للرواية، بل رُبما لازمًا بعد الانتهاء من الرواية. ليس لإضافة بُعدًا جديدًا، بل من أجل تصوّر الأحداث والأوصاف التي جاءت في الرواية والتي قد يصعب على عقل القارئ تصورها أو تخيلها خاصة لو كان من بيئة ليست غربية.
أما بالنسبة لمن شاهد الفيلم فإن الرواية ستضيف له لا محالة بُعدًا عميقًا للشخصيات، وفهمًا لأسباب قراراتها والإحساس بمُعاناتها.
ويبقى الفيلم أيقونة في مجال الرعب. لكنه بكل تأكيد لا يجمعه تصنيف واحد مع رواية فلسفية لا تهتم بالرعب بالأساس!
الترجمة
ترجمة ممتازة من المترجم نادر أسامة، وهو أمر ليس غريبًا عليه، وهو الشهير بترجمات مميزة مثل رواية كثيب (اضغط هنا لقراءة المراجعة) ورواية الشيء (اضغط هنا لقراءة المراجعة) وغيرها.
الترجمة جاءت فصيحة جزلة. وأمينة جدًا للنسخة الأصلية للرواية بلغتها الأم. ربما كانت أمينة أكثر من اللازم!
أظن أن نادر حين ترجمته للرواية قد وقع في صراع بين الترجمة الأمينة للشتائم والتجديف أو بين تحريفها وإعادة صياغتها. لا أعرف… ولا أستطيع الحكم على قراره أيا كان. لكنه يبدو صراعًا يُذكّرنا بالصراع الذي وقع فيه كاريس في الرواية. :)
سلبيات الرواية
السلبية الأولى في الرواية هي البُطء. الـ 20% الأولى من الكتاب كان إيقاع الأحداث فيه بطيئًا جدًا. وإن كان هذا أمرًا مفهومًا ومتوقعًا لرواية في بداية السبعينيات. لكن مع التقدّم في القراءة يتطوّر الأمر. لا تشعر بالزمن مع تسارع وتيرة الأحداث رغم أنها فعليًا لا تتقدّم حركيًا بقدر ما هي تتقدّم على المستوى النفسي والداخلي للشخصيات.
السلبية الثانية هي الإكثار من الألفاظ البذيئة في السبّ، والإكثار من التجديف. صحيح أنني أتفهم أهمية وجودهما وسببه في الرواية وعلى لسان من جاء بها، لكن السلبية هي الاستخدام الوافر وليس الاستخدام ذاته.
السلبية الثالثة: هناك فجوات غير مفهومة في الحبكة. ويبدو أن الكاتب لم يهتم بشرحها ولا توضيحها. مثلًا: أسباب بداية الاستحواذ. تباين ردود أفعال الشخصية المسيطرة على ريجان. تباين مظاهر القوة والضعف. بعض التصرفات المُفاجئة للشخصيات والتي لم يُطلعنا الكاتب على بواعثها. الوقت الطويل الذي استغرقته الشخصية الشريرة للسيطرة التامة على ريجان. هذه النقاط وغيرها سببها في رأيي أن التركيز الحقيقي للكاتب لم يكن على الأحداث بقدر ما كان على الصراع ذاته.
اقتباسات
ورغم أن العالم واهن وزائل في كل أجزائه، ورغم أنه فانٍ ولا يهدأ كعناصره جميعًا، فهو لا يزال باقيًا مع ذلك. إن شتاته مضموم وفقًا لقانون الديمومة. لذا، فعلى الرغم من أنه دائم الموت ومستمر فيه، إلا أنه لا ينفك عن العودة إلى الحياة. التفسّخ يقع لكنه يلد أنماطًا جديدة من التنظيم. إنسان واحد يكون أبًا لألف حياة تَخلِفه. كل ساعة تَمُر ليست سوى شهادة عن كم هو زائل -وفي الوقت نفسه آمن وواثق - ذلك الوجود العظيم الذي يضمنا. الأمر مثل الصور المُنعكسة على صفحة الماء. الصور ثابتة لا تغيير فيها، لكن الماء يجري على الدوام لمُستقر له.
إذًا، ما الغرض من الاستحواذ؟ ما الغاية؟.أجابه ميرين: ((من يعرف؟ بل من حتَّى يأمل أن يعرف؟ ورغم ذلك، أظن أن هدف الشيطان ليس الضحية الممسوسة ذاتها، إنما نحن... من يُراقب... كل فردٍ في هذا المنزل. أظن أن غايته أن يجعلنا نيأس، أن ننبذ إنسانيتنا يا داميان: أن نرى أنفسنا وحوشًا في نهاية المطاف. أخسَّاء وعفنين. بلا كرامة. قُبحاء. تافهين. هنا يكمن جوهر الأمر كله رُبَّما: في الشعور بأننا غير جديرين. لأن الإيمان بالله - كما أظن - ليس مسألة عقل ومنطق على الإطلاق، بل هو مسألة حُب في النهاية: قبول احتمال أن الرب قد يظل يحبنا أبدًا)).
يكمن الشر يا داميان... يكمن الاستحواذ. ليس في الحروب، كما يميل البعض إلى أن يعتقد، لا ليس تمامًا.. كما أنه من النادر جدًّا أن يأتي المس بصورته غير الطبيعية كما هو الحال هنا... مع هذه الفتاة... هذه الطفلة المسكينة. لا، أنا أميل إلى رؤية الاستحواذ في الأشياء الصغيرة يا داميان: في الطيش، والضغائن التافهة، وسوء الفهم. في الكلام الجارح الذي يقفز غير مدعوّ إلى ألسنة الأصدقاء، والعُشَّاق، والأزواج والزوجات، إذا وُجِدَ هذا بمقدارٍ كافٍ، لن نصبح في حاجة إلى الشيطان كي يؤجِّج معاركنا، لأننا نؤجِّجها بأنفسنا ... بأنفسنا.
لكن إن كانت كل الشرور الموجودة في العالم تجعلكِ تظنين في احتمالية وجود الشيطان يا كريس، ماذا عن كل الأمور الخيِّرة؟.
ملاحظات على الهامش
الشر كامن في الإنسان
يبدو أن أفضل ما قد يُقدّمه الإنسان من خير هو أن يكبح الشر الذي بداخله!
هذا ما خطر في بالي عند قراءتي لمقتطفين في صفحة الإهداء، وخاصة مقتطف تسجيل المباحث الفيدرالية الأمريكية لمكالمة هاتفية للمافيا الصقلية. ومقتطف عن معسكرات الاعتقال النازية. لم يعجبني بكل تأكيد فحواها. فقد بثّ في نفسي مزيجًا من القشعريرة والخوف والألم بشكل لا يوصف. لكن قصدت أن إعجابي كان على دلالتهما.
الشر كامن في الإنسان في انتظار تحريره. ومن أقدر من الشيطان على هذه المُهمّة!
الشيطان مجرد سبب… هو ملك الغواية التي تُمكّنه من السيطرة على الإنسان إن أذعن لها الأخير. والشيطان أقوى من البشر (لكن كيّده ضعيف). لهذا فهو يحتقره في حقيقة الأمر. وهذا هو سرّ كُرهه للبشر. إن كل غواية ووسوسة هي محاولة منه لإثبات أنه الأحق بالتفضيل عن الإنسان. كِبرًا يحاول أن يُثبت خطأ الله -حاشاه- في أمره بالسجود لآدم. ذلك الجسد الفاني المخلوق من صلصال. جسد مادي ضعيف. لكن الشيطان يتقدّم على الإنسان بأمر غاية في الأهمية. أنه يعرف النهاية. لديه اليقين. لأن الحقيقة حاضرة بلا أي لبس. بينما الغيب من نصيب الإنسان في اختباره المُضني.
يرضخ الشيطان لحقيقة أنه خرج عن طوع الله. يعرف نهايته. قررّ بنفسه دون غواية من أحد. منعه كبرياءه عن التوبة حين الزِلّة (على عكس آدم). يعرف الشيطان نهايته ولا يأبه بها طالما أخذ معه أكبر عدد ممكن من نسل عدوه الوحيد… الإنسان.
حقيقة التعدّي على الله في المجتمع الغربي
لفت انتباهي أن الصراعات المصوّرة في العالم الغربي الملحد التي تكون ضد المسيحية أو ضد الدين عمومًا تصوّر الصراع كأنه صراع مباشر بين الشيطان وبين الله، وكأنهما متكافئان. ويُصوَّر الأمر كأن الشيطان يتحدى الله بفاحش القول أو أن يلعن ويسبّ الله - حاشاه- أو أن يتحدّى قدرته. وهذا أمر غير منطقي، وبه الكثير من الغل والغضب والخلط المغلوط، والإساءة المُتعمدة لفكرة الدين والله. ذلك لأن الحقيقة هي أن الشيطان هو من يوعز في نفس الإنسان بإطلاق مكامن الشر في نفسه ويزيد في غروره إلى أن يتجرأ على خالقه فيكفر بوجوده، وربما يتلفظ بالفحش عليه في سابقة لم يجرؤ عليها الشيطان نفسه!
وإنها لمفارقة مُبكية أن يُساق الإنسان -تحت الغواية- ليكون أسوأ من عدوه ذاته، والذي سيتملّص من توريطه أمام الخالق بقوله ”إني بريء منك. إني أخاف الله رب العالمين“
الشيطان في القرآن الكريم تحدّى الله تعالى ورفض الإذعان لأمره عند السجود لآدم، وطلب منه أن يمهله إلى يوم البعث كي يغوي بني آدم ويثبت له استطاعته لذلك. وهذه نقطة بالغة الأهمية. أن الشيطان في حقيقة الأمر هو مؤمن بالله ويخشى وعيده ولا يمكن أن يتحدى الله تعالى أو يتلفظ بقول واحد عليه. إنه مُقرّ بقوة الله وقدرته وجبروته. لكن عدوّه الوحيد هو الإنسان. استفزّه خلق الله له وتفضيله عليه، فاشتعلت نار الكبرياء والغرور في داخله. يُفكّر في ذلك الفاني الذي تورط بسببه في تحدّي أمر الله. أن يخرج بسببه من الجنة رجيمًا مدحورًا. صحيح أن الشيطان هو من أذنب، لكن حقده يدفعه إلى أن يورّط بني آدم في الدخول معه إلى النار دون جريرة حقيقة اقترفها هذا الأخير.
التقييم النهائي
الإنسان لا يفهم سوى ما يعقله، وقلبه يخشى ما لا يفهمه. مأمور بالإيمان بحقيقة غيبية ولا سبيل للتأكد منها سوى بالموت! تُرى هل سيدفعه الفضول للتأكد؟!
الأمر جدًا مٌعقّد. الإيمان غيبي. والحِكمة من الشر غير مفهومة. والخلط لا مفر منه. واليقين مأمن. والشكّ مُفتاح الوصول والضياع على حدّ سواء. الزمن يمر والمفاهيم تتغيّر والمعاني تختلط. في كل يوم تأويل جديد، ومحاولات مُتجددة للفهم، ومجاهدة لفكّ الالتباسات الناشئة عن ذلك. والاجتهاد فقط فيه الخلاص.
أنَّى للعقل والقلب باليقين السهل في هذا الاختبار الشاق… الحياة!
رواية أيقونية بغلاف أيقوني مُلحقة بفيلم أيقوني!
- نجمة = لم يعجبني
- نجمتان = مقبول
- 3 نجوم = أعجبني
- 4 نجوم = أعجبني بشدة
- 5 نجوم = استثنائي




