random
أخبار ساخنة

مراجعة رواية "الشيء" - ستيفن كينج

    




 
 

لكِ مِنّا بلدة ديري خاصته. مهما ابتعد... يعيش فيها أو تعيش فيه!


هذه المرة كنت مُستعدًا. مستعدًا لفيضان التفاصيل، وملل الإسهاب، ووابل القصص الجانبية. مُترقبًا لشِراكه، مُتأهبًا لخداعه. مُتحفّزًا لمُفاجآته. كُنت مستعدًا لملاقاة ستيفن كينج في عُقر داره. في ديري؛ أنضج وأعظم أعماله. عازمًا على قضاء رحلة لا تُنسى في هذا العالم الذي لا يتكرر إلا نادرًا


ربما تشتهر روايةالشيءبتصنيفها كرواية رعب. وهذا تصنيف مراوغ لهذه الرواية (مثلما كان تصنيف روايةالبريقمراوغًا أيضًا). لكن أكثر ما أخافني من الرواية هو ألا تكون على قدر التطلعات. وأنا هنا أكتب هذه المراجعة كي أخبركم بألا تخشوا ذلك على الإطلاق


هذه الرواية تحفة روائية أيقونية، مهما حاول كاتبها العبث بها وإفسادها في النهاية!





قبل البداية 


قبل قراءة الرواية، كانت لديّ فكرة عن تفاصيلها، كوني شاهدت المسلسل المكوّن من حلقتين والمنتج عام 1990 والمُقتبس منها. لكنني لم أكن قادرًا على تذكر التفاصيل ولا حتى النهاية. ربما كنت في الثالثة عشر من عمري عندما شاهدت الفيلم، وما زلت أحمل منه ذكريات سعيدة مبهمة في نفسي! ثم شاهدت الفيلم المُنتج عنها عام 2017 على شاشة السينما. وكان انطباعي حينذاك أنه فيلم جيد وإن لم يكن رائعًا، ولم أشاهد الفيلم الثاني Chapter two.





عندما قررت قراءة هذه الرواية؛ سألت نفسي عن السبب الذي يدفعني إلى رواية أعرف قصتها. بالفعل أنا أعرف القصة. صحيح بعض التفاصيل مُبهمة بالنسبة لي بالإضافة إلى النهاية التي لا أذكرها. كما أنني أعرف أن التفاعل مع الروايات التي تحمل ثيمة الرعب يظل ناقصًا مقارنة بالمؤثرات البصرية والسمعية للأفلام والمسلسلات


لكن بعد تجربتي السابقة مع روايةالبريقتوقعت أن الرواية ستحمل أبعادًا مختلفة عن الرعب. هناك الكثير مما لا يمكن أن يظهر على الشاشة، وكيف لا والرواية مؤلفة من أكثر من ألف صفحة! اسم المترجم نادر أسامة لفت انتباهي. خاصة وأنا معجب بترجماته بعد روايةكثيب“.


لكن لا أنكر أن أكثر ما قد شدّني إلى قراءة الرواية هو أبطالها. أنا مفتون بالمغامرات التي أبطالها أطفال. أعشقها منذ أن عشقت روايات المغامرون الخمسة، ومنذ أن عشقت فيلم E.T. رائعة سبيلبيرج. ثم فيلم The Goonies وظللت على هذا العشق حتى اليوم مع متابعتي لمسلسل Stranger Things الشهير.


فريق الخاسريننعم هذا هو ما أحبه في تلك الأعمال. أنني أجد نفسي فيها. كل شخص منهم شخص عادي. بعيدًا عن الأضواء. مُعرض للتنمر والسخرية من الزملاء الأكبر عمرًا أو الأسوأ أخلاقًا. شخص لا يحب الاحتكاك ولا العراك. مثل هؤلاء يحتاجون إلى حماية من أجل أن يترعرعوا مزهرين في بيئة المجتمع من حولهم. هناك من يتحوّل إلى النسخة الأسوأ كي يبتعد عن تسلط الزملاء الأوغاد، وهناك من يجتهد في الاختفاء عن الأنظار مُمني النفس أن يُنسى. وهناك من يشاكس ويدافع بشراسة مع تحمّل كل العواقب، وهناك من يتحمل في صمت وهوان. هؤلاء من يفهمون بعضهم البعض. يشدون أزر بعض


وفي عوالم ستيفن كينج هؤلاء هم الأبطال.


ببراعة مدهشة يصوّر ستيفن كينج نفسيات أبطاله الأطفال بعُمق عجيب. طريقة التفكير. الكلمات. التعبيرات. ردود الأفعال. يشرح عُقدهم وآلامهم التي يخفونها. يُشرّح مخاوفهم ويلمس جذورها ويصوّر للقارئ بعدسة مُكبرة ما لا تلتقطه العين غير المدققة في ملامح الوجوه. ليتابع بألم؛ الأنفس الغافلة عن الآلام المكبوتة والأحلام المُهدرة و الابتسامات المصطنعة والشجاعة الزائفة وأصداء الروح المخفية بعناية. لا جدال في أن هذا الرجل قد تعرض للكثير في طفولته. من الصعب أن ينجح الكاتب في عرض كمّ هائل من المشكلات النفسية بتفاصيل مُعقدة إلا إن كان قد عاصرها بنفسه.


لم يكن أبطال رواية الشيء: بيل وبيڤرلي وريتشي وبِن وإيدي وستان ومايك، هم فقط من استطاع ستيفن كينج التعبير عنهم وعن مشاعرهم المُعقدة، وإنما نلحظ ذلك في رواياته الأخرى مثلما فعل مع داني في روايةالبريق“ Shinning أو أبرا ستيل في روايةطبيب النوم“ Doctor Sleep، أو لوك إيليس في روايةالمعهد“ The Institute  أو مثل جوردي وڤيرن وتيدي وبيلي وكريس في روايةالجثة“ The Body والتي تحولت إلى فيلم Stand By me.


يؤمن ستيفن كينج بأن الأطفال يُمثلون البراءة والضعف والخوف والشجاعة. يؤمنون بالشجاعة نتيجة للإيمان المُطلق بخيالهم وبفِطرتهم السليمة وحسهم الخيّر. أو ربما تنبع شجاعتهم بسبب حماقتهم وجهلهم بهذا العالم الذي نعيش فيه!.



 




الشخصيات



سبعة أصدقاء جمعتهم الصدفة أو القدر. لملمتهم الحاجة إلى الشعور بالاحترام بأنهم بشر. الحاجة إلى الإحساس بإنسانيتهم، بعيدًا عن التنمر والإساءة والضرب والتقريع والفضيحة أمام الجموع. احتاجوا للشعور بالقوة أمام الغطرسة والقوة الغاشمة المُتمثلة في طيش المراهقين غير الأسوياء. احتاجوا إلى شيء ما يقيهم شرّ التمثيل بمشاعرهم البريئة وشخصياتهم المهزوزة وأرواحهم الطيبة


كانوا في حاجة إلى الوِحدة والتكاتف من أجل الشعور بالأمان. وكانت وحدتهم  هي السبيل الأكيد إلى عدم الشعور بالوحدة. بأن أيا ما مُقدّر له أن يحدث، فسيحدث لهم جميعًا. لن يكونوا فُرادى، ولن يكون هناك أحد منهم يقتله الخوف بسبب الشعور بالوحدة


هذه الصداقة كانت طوق النجاة لهم جميعًا. كانت هي دليلهم كي يؤمنوا بأنهم ليسوا أشخاصًا سيئة تستحق أن تكون وحدها أو أن تكون منبوذة أو أن يُسلب منها حقها في العيش بشكل آمن


لكن ماذا عن الأسباب التي لا يدركونها؟ ماذا عن الشعور بالحرية وبداية الإحساس بقرب انسلاخ طفولتهم عن شخصياتهم البريئة؟ ماذا عن المشكلات التي تجثم على صدور بعض منهم في بيوتهم


ربما يستطيعون الهرب إلى ما لا نهاية من مراهقين يبحثون عنهم طوال اليوم. لكن كيف يُمكن أن يهرب طفل من بيته الذي يعاني فيه الألم أو التجاهل أو الوحدة أو التحكم المُفرِط أو القسوة المتطرّفة؟ إن أكثر ما يقتل الروح هو الشر الذي يحدث داخل المنزل وليس خارجه، حتى وإن ألفه الإنسان حد الاستسلام والإذعان له؟


إن كان الملاذ الآمن الوحيد للطفل -ألا وهو المنزل- لا يمنحه الأمن والطمأنينة، فما تَبَقَّى له سوى الخوف المستمر والإحساس بالدونية والاحتقار لذاته؟ كيف يمكن أن يخلق ذلك إنسانًا سويًا؟


في كل قصة في الرواية سواء كانت أساسية أو هامشية، ستجد لها أثر ما يحدث في البيت أو الطفولة على الشخصية مهما كان سنّها. فالخوف والإساءة والتعنيف والكُره والتهميش والإذلال الذي عاني منه أي فرد كبيرًا كان أو صغيرًا، هي أمور لا تموت بتقدّمه في العُمر وبازدياد نُضجه. مهما كبر الإنسان يظل -ذلك الأمر- قابع داخله ينتظر اللحظة التي يعجز فيها عن أن يكبح الانفجار الذي قمعه لسنوات عديدة، هي اللحظة التي ينتصر عليه الغضب فيها ليحقق انتقامًا وهميًا ربما لا يقع في كثير من الأحيان على رأس من تسببوا في ذلك الألم.




أب وأُم مكلومان في ابنهما المقتول فانفصلا -أو كادا- عن الواقع، تاركين طفلهما يحيا في مشاعر مُتجمدة. وأب مُسيطر بالقهر والإيلام وكسر الشخصية لإيمانه بأنها الطريقة المُثلى للسيطرة. وأم مهووسة بابنها وصحته لدرجة أنها ترغب في أن يعيش مريضًا في الوهم طيلة عُمره. وكثير من النماذج الأخرى التي تملأ أحداث الرواية.


يُمكن للقارئ إن أمعن النظر أن يجد أثر الماضي على كل شخصية. سواء شخصيات الرواية الأساسية أو الأشخاص الشريرة أو حتى الشخصيات المُحايدة. فقط راقب شخصية مايك أو ستان على سبيل المثال وتعاملهما سواء أثناء طفولتهما أو في شبابهما. وحتى في التعامل مع الموقف الذي بدأت به الرواية، وكيف أن كلًا منهما كان له رد فعل شديد الاختلاف. أيضًا راقب هنري وبيڤيرلي وإيدي وبيل الكبير، لاحظ تأثير الماضي على مستقبل الشخصيات إلى حد أن بعضهم صار أسيرًا غير راغب في التحرر من ذاك الماضي! حتى بقية الشخصيات مثل الصيدلي أو أمينة المكتبة أو والد مايك وآخرين، ستجد تأثير أحداث الماضي حاضرًا فيها





الحبكة


عندما تقرأ هذه الرواية، تذكّر هذه العبارةانتبهأنت في أمريكا!“. نصيحة سمجة أليس كذلك؟ ربما. لكن أغلب القُراء سيقع في فخ تجاهل هذه المعلومة البديهية. ربما تدفعنا خبراتنا القرائية أو معلوماتنا الثرية عن الحياة الأمريكية المُصدّرة لنا في جميع الأفلام الأمريكية أو وسائل التواصل الاجتماعي، على تعزيز شعورنا بقدرتنا -مُتباهيين- على توقع تفاصيل حياة الأسر الأمريكية. وهو أمر من الصعب ألا يفلت منه قارئ إلا نادرًا. وكيف لا وتراكم خبراتنا المُتنامية من المعلومات المُكتسَبَة من قراءة الكتب والروايات والمقالات ومشاهدة الأفلام؛  تخدعنا. فنظن أنه من الصعب أن تُضاف إلى إدراكنا تجربة جديدة عن هذا الأمر. بالتأكيد ستكون أي قصة أخرى مجرد قصة تقليدية. وهكذا يحتمي القارئ خلف هذا الظن من أية صدمة أو مفاجأة .


لكن دعني أخبرك أن احتمال شعورك بالصدمة في العديد من المواضع في الرواية، هو احتمال كبير بل ربما هو احتمال أكيد!

 

الرواية مغرقة في الحياة الأمريكية في الفترة الزمنية من الثلاثينيات لغاية الثمانينات من القرن الماضي. من الصعب جدًا على القارئ العربي الإلمام بتفاصيل تلك الحياة وبديهياتها، وطريقة العيش، وتأثير الموسيقى، والإحباط الاقتصادي، والانفتاح  الاجتماعي والتعدد العرقي، وما صاحبه ذلك في البداية من مشاحنات وربما حوادث رهيبة. الحياة في المُدن الصغيرة. حياة الإحباط. بداية عصر التمرد والحريات، التحرر الجنسي، والتأثير السياسي، وتأثير الخمر والإدمان عليه في حياة العائلات.


من الصعب فهم مشاعر الكُره أو الودّ بين المواطنين. ومن الصعب إدراك تأثير التفاصيل الصغيرة على حياة هؤلاء البشر -المُختلفين جدًا- القاطنين في تلك القارة الشاسعة البعيدة إلا إن حاولت فعلًا أن تفهم من أجل أن تستوعب. لا من أجل أن تُقارن وتحكم.





لا أنكر أنك ستنزعج كثيرًا بين الحين والآخر. ربما أثناء مشاجرات الأطفال وألفاظهم البذيئة التي يتقاذفونها بعيدًا عن الكبار، أو ربما من تأملات الأطفال والمراهقين وآرائهم في الدين والحياة والجنس والأحلام والآمال البريئة، أو ربما في سخط بعض الكبار من قسوة الحياة، وإلقاء سبب ذلك على الله، هذا إن كان لا يزالوا يؤمنون بوجوده في عصر بدأ فيه انتشار الإلحاد بشكل واسع


لكن بعض هذا الانزعاج يهدأ مع بعض التفكير والتساؤل: ”هل بدا ذلك مألوفًا؟!! أو بالأحرى: ”هل رأيت هذا من قبل؟“. 


نسأل أنفسنا. نتذكر بعض الأشياء المدفونة في أعماق الذاكرة. ننبش عنها. تظهر بعض أثارها. نحاول سريعًا حينها أن نهيل تراب النسيان عليها كي لا نتذكر. لكن الوقت قد فات. نعم. بدا مألوفًا فعلًا. نعم سمعنا الكثير من هذا المزيج. العبث. السباب. الوقاحة. الأحلام الماجنة، المراهقين المُتنمرين، المُتحرشين الأوغاد. نعم قد لا يكون ذلك بنفس الصراحة الصارخة في الرواية، والتي رُبما يخفي بعضنا مثيلتها داخله في أعمق أعماق الذاكرة. مع الكثير من المسكوت عنه، والذي نقرّ-بيننا وبين أنفسنا فقط- بوجوده، سنجد أنه لم يتبق الكثير في الرواية لم يحدث فعلًا في حياتنا سواء لنا أو لمن نعرفه.


بالتأكيد تختلف تجاربنا وذكرياتنا باختلاف الثقافة والبيئة والمجتمع الذي نشأ كل منا فيها، وباختلاف انفتاحنا وسفرنا واختلاطنا مع أشخاص من خارج مجتمعاتنا. لكن مهما كان هذ الاختلاف، فمن المستحيل ألا يكون أحد منا لم يمر بشيء مما ذُكر في الرواية. ربما كان أحدنا يهرب من ذلك أو يتجاهله أو يحفظ نفسه من الوقوع في براثن تذكّره. ربما سمع عنها فقط. سمع عن وقوعها لأحد الأصدقاء أو الأقارب. ربما فقط حالفه الحظ أو أبعده القدر عن مثل هكذا أمور. لكن تلك الأمور موجودة، ولو أمعنا التركيز سنجدها في حكايات أهالينا أو في وسط كتبنا القديمة بل وحتى في تراثنا الأدبي والشعري والاجتماعي


القصد أن هناك قدر من التشابه بين عالمنا العربي والعالم الغربي في الفكرة وليس في أسلوب التعبير وقوته. هذه هي الحياة. شئنا أم أبينا. لسنا في عالم مثالي ولن يكون هناك عالمًا مثاليًا على هذه البسيطة. التمرد والتنمّر والسخط والإيذاء والرغبة، كلها أمور موجودة بوجود الإنسان، ولن تختفي سوى بموته أو اختفائه من على وجه الأرض.




سلبيات الرواية



  لمن قرأ الرواية يُمكنك الضغط على زر إظهار النصّ للاطلاع







الشيء على الشاشة الفضية



بعد الانتهاء من قراءة الرواية شاهدت الفيلم بجُزئيه إنتاج عام 2017 وعام 2019. والفيلمان قام فيهما المخرج بعمل مُلفت للانتباه، وهو بالفعل يستحق الإعجاب. ربما يكون الفيلم ممتازً لمن لم يقرأ الرواية!






الحقيقية الراسخة هي أنه من شبه المستحيل أن يحمل العمل السينمائي للأعمال الأدبية نفس القيمة والقوة والاندماج الذي يحمله الكتاب. الوقت الطويل الذي يقضيه المرء مع الرواية أثناء قراءة الرواية، والتفاصيل الكثيرة والتصاعد التدريجي للأحداث لا يُمكن نقله بنفس الوتيرة إلى الشاشة الفضية.


الفيلم حاول -خاصة في الجزء الأول- أن يكون مخلصًا للثيمات الأساسية التي جاءت في الرواية، وقد كان كذلك فعلًا. لكنني شعرت أثناء مشاهدتي للجزء الأول وكأنني أشاهد الأحداث وهي على سرعة أربع أضعاف السرعة الحقيقية! لا وقت كافٍ لتقديم الشخصيات ولا للاطلاع على دوافعها ولا لفهم معاناتها. المُشاهِد يأخذ لمحة من كل قصة بشكل مبتور جدًا لدرجة أنه في بعض الأحيان لا يفهم فعلًا أسباب تصرّف الشخصيات في بعض المواضع


أفضل شخصية في الجزء الأول من الفيلم هي شخصية ريتشي والتي جسّدها الممثل Finn Wolfhard (والطفل لديه كاريزما واضحة وحِسٍ تمثيلي ممتع، ولا أنكر أنني معجب به بالأساس بسبب أدائه الرائع في مسلسل Strange Things الشهير لشخصية مايك)


تأتي بعدها شخصية بيڤرلي التي جسدتها Sophia Lillis ثم شخصية Pennywise والأداء المذهل لـBill karsgard . وأخيرًا ربما هنري باورز ثم آل مارش











جاءت بقية الشخصيات عادية كما أنها جاءت بعيدة عن الشخصيات في الكتاب.


في الجزء الثاني كان الأمر أسوأ. لم يعجبني تقريبًا أي أداء من أي ممثل. أو كي أكون صادقًا جاءت اختيارات الممثلين بعيدة عن شخصيات الرواية، خاصة بيل الكبير. أتفهم أن هناك أمور فنية تصلح للسينما بالتأكيد، لكن القارئ الذي يشاهد الفيلم لا يهمه ذلك، لأنه لا يشاهد الفيلم كي يستمتع بالعمل كفيلم مستقل، هو فقط يرغب في تجسيد الرواية (أو تجسيد خياله) إلى شيء مرئي


لكن الأمر الإيجابي في الجزء الثاني هو أن المخرج تجاهل النهاية الغبية والمشهد المثير للجدل في نهاية الرواية، وأبقى على نهاية منطقية تمنى الكثير أن تكون هي نهاية الرواية الأصلية


معلومة طريفة: ظهر ستيفن كينج في الفيلم في دور ثانوي حيث قام بأداء دور صاحب أحد المحلات. المضحك هو أنه قام بالاعتراض (أو بالسخرية) على تغيير المخرج لنهاية الرواية واختيار نهاية أخرى في الفيلم. وذلك عندما رفض الحصول على توقيع الكاتب الكبير لأنه لم يُعجَب بنهاية الكتاب.




الترجمة


لا أظن أن هناك شيء يُمكن أن يُحفّز على قراءة روايةالشيءأفضل من المُقدّمة التي كتبها نادر أسامة مُترجم هذه الرواية. ربما يكون سبب ذلك هو الحماس الذي يُغلّف نبرته في الكتابة عن الرواية. أو الشغف الذي يملأ أثير كلماته المادحة لها. لم يكتف نادر أسامة بإبراز بعض من جماليات الرواية، بل ألقى الضوء على بعض الخبايا وتقنيات الكتابة التي اتبعها ستيفن كينج من أجل أن يتهيأ القارئ لتلك الجماليات مما يمنحه الفرصة كي يعيش أحداث الرواية بتقلّباتها بشكل ممتع دون أن تفوته أي منها في خضم زحام التفاصيل.








يقول نادر أسامة




تلك الرواية تحتاج أن تُقرأ بعقل طفل، وتتوسَّل أن تمنحها روحك الصبيّة عن طيب خاطر، لأنها قادرة على تحريرها من عقالها، وتفجير ذكريات دفينة عن طفولتك لم تكن تدري أنها ما زالت هناك


الترجمة كانت ممتازة في أغلب الرواية، إلا أن هناك بعض النقاط التي تمنّيت ألا تكون موجودة، رغم أنه من الوارد وجودها في رواية ضخمة مثل هذه، لكن القارئ يرغب دومًا أن تخرج الرواية في أفضل صورة


النقطة الأولى: هناك الكثير من الأخطاء المطبعية المزعجة.


النقطة الثانية: هناك خلط كبير في أسماء الشخصيات، خاصة في الجزء الثاني من الرواية. نجد ستان بدلًا من إيدي، وبيل الكبير بدلًا من ريتشي، وهكذا. وليس أمام القارئ سوى التركيز والاستعانة بالسياق ليعرف الاسم الصحيح. الأمر قد لا يكون مزعجًا للقارئ المُنتبه والمستغرق في القراءة لكن لو فقد القارئ تركيزه ربما سيختلط عليه الأمر حينها.



النقطة الثالثة: استخدام بعض الكلمات أو التعبيرات المحليّة الدارجة. ربما رأى المُترجم أفضلية ذلك بسبب استخدام ستيفن كنج للهجة أمريكية دارجة شديدة المحلية. في الحقيقة لا أستطيع الوقوف على صحة هذا الافتراض كوني لم أقرأ النسخة الإنجليزية. لكن ما أعرفه هو أن وقع اللهجة الدارجة في المواضع التي اختارها نادر أسامة، سيكون مشابهًا لنفس الوقع الذي يقصده ستيفن كينج، سواء كان وقعًا عنيفًا أو صادمًا أو ساخرًا أو مرحًا.


أرى أن الترجمة كانت إضافة مهمة إلى النسخة العربية من الرواية





اقتباسات



في تلك الأيام كان أبوه وأمه سنّادتي كُتُب على طرفي الأريكة، لكنه وچورچ كانا الكُتب. منذ قتل چورچ، حاول بيل أم يكون كتابًا بينهما وهما يُشاهدان التلفاز، لكنه شعر بالبرودة، كانا يبثّان البرد بكثافة من كلا الجانبين.



نحن نكذب أفضل ما نكذب، عندما نكذب على أنفسنا.



هذا ما يحدث عندما تعود إلى حيث اعتدت أن تعيش… تجد الناس قد نسوك، أو ماتوا وتركوك، أو فقدوا شعورهم وأسنانهم.



كان إخفاقه في جعل أمه تُصدّقه يؤلمه أكثر من الك الصفعة التي أطاحت به إلل المصرف.



إنك لا تتوقّف عن كونك طفلًا بانفجار مدوٍ كبير، كفرقعة إحدى بالونات ذلك المُهرج الممهورة بشعارات هزلية. بل يتسرّب الطفل داخلك رويدًا رويدًا، كتسرّب الهواء من إطار سيارة.. ثم تستيقظ يومًا وتنظر في المرآة لتجد رجُلاً راشدًا ينظر إليك. يُمكنك مواصلة ارتداء السراويل الجينز الشبابية، يمكنك الاستمرار في الذهاب إلى حفلات سيجر، يمكنك صبغ شعرك، لكن وجه ذلك الرجل البالغ في المرآة سيظل على حاله.




لا يوجد ما يسمى بأصدقاء خير أو أصدقاء سوء، ربما لا يوجد سوى أصدقاء فحسب، أشخاص يقفون بجوارك عندما تتأذى و يساعدوك ألا تشعر بالوحدة، ربما مثل هؤلاء يستحقون أن يخاف المرء عليهم و يأمل لمصلحتهم و يعيش لأجلهم بل ربما يموت فى سبيلهم أيضاً، إذا كان هذا أمر لا مفر منه. لا يوجد أصدقاء جيدون أو أصدقاء سوء فقط يوجد أشخاص تريد أن تكون معهم. تحتاج أن تكون معهم . أشخاص يشيدون منازلهم فى قلبك.






التقييم النهائي



يعرف الجميع أن حبكة الرواية هي الأحداث المرعبة التي يتعرض لها الأصدقاء السبعة، وأن الشخصيات المكتوبة بحرفيّة وبتفاصيل مُسهبة هي دعائم مُحكمة لبناء رواية قوية. لكنني لا أرى هذا. بل أرى عكسه. في رأيي أن روايةالشيءرواية اجتماعية جدًا. رواية عميقة. ربما أعمق بكثير مما تظهر عليه. إن شخصيات الأصدقاء وقصصهم وتفاصيل حياتهم، وتفاصيل حياة كل شخص في الرواية بما فيها الأشرار والأهل وغيرهم، هي الأساس. هي الحياة. هي الرواية. بينما الأحداث المُرعبة هي مجرد هيكل لسرد الرواية



هذه الرواية لا تُقرأ من أجل معرفة النهاية ومآل الشخصيات. لأنها لو قُرأت بهذه الطريقة ستكون قراءة مُرهقة مُضنية، وإنما هي رواية تُقرأ لتُعاش. تقرأ لا لنُنهيها، بل لنحيا كل قصة فيها، ونخوض جميع أحداثها. إنها تخلق داخلنا عالمًا حقيقيًا. حقيقي لدرجة أننا قد نؤمن بوجوده لأننا لن تتصوّر أنه من الممكن أن تكون كل تلك التفاصيل الدقيقة هي محض خيال!



تقييمي للكتاب 5 نجوم ⭐️⭐️⭐️⭐️⭐️

 

   معيار التقييم:

  • نجمة = لم يعجبني
  • نجمتان = مقبول
  • 3 نجوم = أعجبني
  • 4 نجوم = أعجبني بشدة
  • 5 نجوم = استثنائي


أحمد فؤاد
26 أيلول - سبتمبر 2025



google-playkhamsatmostaqltradent