random
أخبار ساخنة

مراجعة رواية "مكتبة منتصف الليل" - مات هيغ




  

 عندما يتنكّر كتاب تنمية بشرية في صورة رواية!!!


  
 

أمنيات 


لا بُد لكل إنسان أن يمرّ بلحظة يتمنّى فيها أن يُمحى خطأ ما شعر بأنه تسبّب في تغيير حياته إلى الأبد. لكننا لا ندرك أن الأخطاء الكبيرة ليست هي وحدها ما تُبدّل مسارات الحياة، وإنما الأخطاء الصغيرة المُتراكمة غير المُلاحظَة هي ما تتسبب -دون أن نلاحظ- في التغيير التدريجي، لطريق حاضرنا ومُستقبلنا، بل وتغيير أكيد لنفوسنا ذاتها. 
 

نورا سييد بطلة رواية ”مكتبة منتصف الليل“ تسنح لها فرصة ذهبية لتصحيح أخطائها التي أدت إلى أن تكون حياتها مليئة بالتعاسة والندم. فرصة اقتنصتها كي تعيش أخيرًا حياة جديدة مثالية عن طريق تحقيق أحلامها التي لم تجرؤ على تحقيقها في حياتها الحالية. فهل تجد نورا السعادة حقًا؟ هذا هو التساؤل الذي يحاول الكاتب الإنجليزي ”مات هيغ“ أن يُجيب عليه من خلال الرواية. 

    


مفاجأة غير سارة 


لم أتوقع أن تكون الرواية بهذا الضعف مع الترشيحات القوية التي حصلت عليها، بل ومع فوزها برواية العام لسنة 2020 بناء على تقييمات القُراء على موقع Goodreads 


الرواية ركيكة في أغلب أركانها. شخصيات باهتة، حبكة واهنة وأسلوب لغوي ركيك (ولا أقصد الترجمة العريية -والتي كانت جيدة بالمناسبة- وإنما أقصد الأسلوب نفسه الذي كُتبت به الرواية بلُغتها الأصلية). 

  

اختفى العُمق في المستوى اللغوي وفي الشخصيات وفي الحبكة. واعتمد على المُباشرة بصورة مُكررة وبأسلوب تقريري مشابه جدًا لكتب التنمية البشرية، وظهرت الأحداث مُتنافرة فاقدة للتجانس، كأنها مُركّبة عمدًا لتكون مجرد روابط لتلك النصائح الخاصة بالصحة النفسية وبمرض الاكتئاب، تلك النصائح التي ينشرها الكاتب بإفراط في هذه في الرواية. 

في ظني أن الكاتب رُبما تعمّد خفض مستوى العُمق في الأحداث والأفكار والتي طرحها بشكل مباشر، وذلك من أجل ضمّ جمهور المراهقين، ومن ثمّ لضمان انتشار الرواية بين عدة فئات من القراء. 

  

  


أكاد أرى رغبة الكاتب في كتابة رواية تُشابه رواية "عالم صوفي" للكاتب النرويجي جوستاين جاردر، لكن شتّان بين هذه وتلك. فعالم صوفي منذ البداية كان هدفها موضوع محدد وهو تبسيط للفلسفة وتقديم أهم أفكارها ونظرياتها ومُنظّريها وطرحها في شكل رواية بسيطة مشوقة، سواء كان ذلك للأطفال أو للمُراهقين أو حتى للبالغين "كمدخل خفيف ولطيف للمُبتدئين" ولهذا اختار بطلة روايته طفلة صغيرة. بينما نجد في رواية "مكتبة منتصف الليل" أن البطلة شابة في منتصف أو أواخر العشرينيات، مُصابة بحالة اكتئاب حادة تفقد معها معنى الحياة. وعلى الرغم من أن الموضوع هام جدًا وهو موضوع الاكتئاب وفكرة تلازم السعادة والألم لعيش الحياة باستقرار، وأن الإنسان سيختار مصيره الحالي لو كان في استطاعته تغيير حياته والقيام باختيارات مختلفة، لكن التنفيذ جاء ضعيفًا، لأن الكاتب ”مات هيغ“ قدّمه في الرواية بشكل سطحي فاقدًا لعنصر التشويق. 

   
  


مقارنة غير عادلة 


قام البعض بمقارنة رواية "مكتبة منتصف الليل" برواية "المادة السوداء" كونها تتحدث عن فكرة الأكوان المتوازية واختلاف حياة الإنسان بناء على القرارات الصغيرة التي يتخذها في الحياة والتي يكون لها تأثيرًا بالغًا على مُستقبله. وأرى أن لا وجه للمقارنة بينهما سوى تشابه بسيط في الفكرة العامة. لكن في الحقيقة هناك فرق شاسع بين الروايتين، بل وأرى أن المقارنة غير ممكنة على جميع الأصعدة، بل وحتى في هدف كل كاتب منهما في تقديم الرواية. 




رواية "المادة السوداء" والتي قيمتها سابقًا بخمس نجوم (العلامة الكاملة) وأعتبرها من أفضل روايات الخيال العلمي الإنسانية المُعاصرة، تتفوق بامتياز واكتمال في كل جوانب الرواية: الشخصيات وتركيباتها وتعقيداتها، العُمق الفكري للأحداث ولأسلوب السرد، التشويق المُبهر لخط الأحداث. - رابط مراجعة رواية "المادة السوداء"

  
في رأيي أنه من الظُلم لكليهما المقارنة بينهما. 


  

اقتباسات 


الطريق الوحيد للتعلم يمر بالحياة 

ستصبح الأشياء أسهل بكثير لو فهمنا أنه لا يمكننا كسب مناعة ضد الحزن، مهما كانت قرارتنا التي اتخذناها فى الحياة، وأن الحزن شئ جوهري من نسيج السعادة. لا يمكنك الشعور بالسعادة إن لم تشعر بالحزن. بالتاكيد قد يأتيان بدرجات مختلفة وجرعات مختلفة ولكن لا يوجد حياة سعيدة إلي الأبد، واعتقادك بوجودها يزيد من تعاستك فى حياتك الحالية.

الخوف من الحب كالخوف من الحياة… و من يخاف الحياة ما هو إلا شخص ميت.. 


هذه هي المشكلة … عند مواجهه الموت .. تبدو الحياة أكثر جاذبية. 


عند بقائك في مكان واحد لمده طويله قد تنسي حقيقة ضخامة العالم ولن يعد بمقدورك تخيل خطوط عرضه و طوله. 


   
 

التقييم النهائي 


رُبما يُصنّف البعض هذه الرواية بأنها خفيفة تصلح للمتعة والتسلية، وهذا تصنيف سليم. لكن المشكلة أن الرواية جاءت بحبكة ضعيفة الحبكة والسرد، كما لم تنجح في خلق التعاطف  مع الشخصيات خاصة شخصية البطلة، وللأسف مُلئت الرواية بموضوعات ومواقف ليس لها أي بُعد درامي في بنائها (مثل حقيقية الأخ)، حتى موضوع الاكتئاب وهو الموضوع الرئيس للرواية تناوله الكاتب بشكل هزيل. 


من قرأ كُتب "مات هيغ" السابقة المُتعلقة بالصحة النفسية مثل "ملاحظات حول كوكب متوتر" و "أسباب تدفعك للبقاء حيًا" سيجد كثيرًا من آرائه وأفكاره (ربما تكون هناك اقتباسات حرفية منها) في هذه الرواية، لهذا يُمكنكم الاكتفاء بتلك الكتب بدلًا من قراءة 361 صفحة لتكرار نفس الأفكار بلا طائل. 

    

تقييمي نجمة واحدة 

  

 معيار التقييم:

  • نجمة = لم يعجبني
  • نجمتان = مقبول
  • 3 نجوم = أعجبني
  • 4 نجوم = أعجبني بشدة
  • 5 نجوم = استثنائي
   
أحمد فؤاد
10 مايو/ آيار 2023 




google-playkhamsatmostaqltradent