random
أخبار ساخنة

مراجعة رواية ”حتى الطيور تذهب إلى عزائه“ - حسن علي طوبتاش






لا يُمكننا إيقاف الزمن، وإنما فقط تجاهله!



عن المشاعر التي لا نُصرّح بها أبدًا



الذكريات.. دليل الإنسان إلى نفسه. ملجأه من وحشة الوحدة وبرودة الشيخوخة وصمت المُقربين من حوله. إنها المفتاح الذي يفك شفرتنا لمن حولنا. كلما كشفنا عن تلك الذكريات؛ كُلما تراءى للناس حقيقة أرواحنا التي ظللنا نخفيها طيلة سنوات عمرنا. 


من الصعب ألا يتأثر القارئ بما كتبه الكاتب التركي ”حسن علي طوبتاش“ في روايته الجميلة ”حتى الطيور تذهب إلى عزائه“ من الرحلة التي بدأها الأب عندما زار ابنه في أنقرة والتي تتصاعد أحداثها دراميًا مع التأزم التدريجي لصحة عزيز. 


يصوّر لنا الكاتب تفاصيل العلاقة بين الأب والابن والأم والأقارب، كل التفاصيل الخفية والمُبهجة والمؤلمة. لكنه يُركّز بشكل أكبر على علاقة الأب والابن، وبكل إبداع يصوّر لنا كل تلك التفاصيل مثل الحُب والرحمة والولاء والقيمة والتقدير والمُشاركة والتضحية دون أن يكتب عنها بشكل صريح! 


نرى كيف يختلط الكبرياء مع الحُب مع العجز مع الألم مع الماضي مع الحاضر. إنه خليط يصنع الإنسان الذي نحن عليه. مستحيل أن تقرأ الرواية ولا تتذكر جدّك أو أبيك أو شخص عزيز لديك كان في مرحلة الشيخوخة. 


الرواية جدًا هادئة وأرى أن هدوئها هو ما يثير داخل القارئ تعاطفه ويُعمّق تماهيه مع القصة. 

  



سلبيات الرواية 



السلبية الأولى التي أثّرت على الرواية بشكل ملحوظ هي الإطالة والإسهاب في وصف الرحلات بين أنقرة ودنيزلي، عدد كبير من الرحلات بنفس الشكل وبدون تغيير تقريبًا (سوى في أسماء المُغنيين في الراديو) دون أي إضافة في الحبكة أو حتى تطوير في الشخصيات. 




السلبية الثانية هي مشاهد الحصان والطفل، والتي رأيتها مُقحمة، وأظن أن الكاتب لجأ إلى هذه المشاهد لتطعيم الرواية بلمسة من الواقعية السحرية والتي لم تكن موفقة في نظري. 




السلبية الثالثة هي اختلاط فكرة الابن والكتابة، بالإضافة إلى المأزق الذي وقع فيه البطل مع الرجل الذي تعاقد معه. لم يوضح الكاتب أي شيء عن الأمر وأظن أن الكاتب تعمّد ترك هذا الأمر كتلميح غير مؤكد أنه يكتب سيرة ذاتيه عن نفسه! 


   

الترجمة 



المُترجم جلال فتاح رفعت بذل جُهدًا كبيرًا لترجمة الرواية، وواضح جدًا المجهود في اختيار بعض الألفاظ القديمة التي تُناسب جوّ الحديث عندما تكون الأحداث في الأناضول. مُفردات المُترجم كانت ثرية وغير مطروقة حتى أنني اضطررت أكثر من مرة إلى العودة إلى القاموس أو البحث عن الكلمات العربية المذكورة والتي لم أكن أعرفها من قبل. 


تحية للمُترجم على هذا المجهود الرائع




ملحوظة 

عندما اطلعت على تعليقات القُراء الأتراك، انتبهت إلى أن هناك جزء من جمال الرواية فقده القارئ العربي -وأي قارئ غير تُركي في الحقيقة- ولم يستطع الاستمتاع به؛ ألا وهو الجزء المُتعلق بالتنوّع اللغوي. الكاتب نوّع استخدامه للغة المُستخدمة في الرواية. كان هناك مستويان من اللغة (أناضول - أنقرة) بحيث كان يستخدم لغة أهل الأناضول عندما تكون الأحداث في هذه المنطقة بينما تتغيّر اللغة إلى التركية الحديثة عندما تكون الأحداث في أنقرة. ويبدو أن هذا التنوّع كان رائعًا لأن الاحتفاء به كان عظيمًا من القُرّاء الأتراك. وأودّ أن أنوّه إلى أن هذه المشكلة ليست مُشكلة ترجمة. 

للأسف مثل هذا الإبداع من الصعب جدًا نقله بالترجمة لهذا فجزء كبير من تميّز الرواية لا يمكننا الإحساس به وهذا ليس بسبب تقصير من المترجم وإنما لطبيعة العمق اللغوي في حياة البشر والذي لا يعرفه سوى سكان المناطق حسب تركيبتهم الاجتماعية. 

الترجمة تقف عاجزة عن نقل التنوّع الثري في اللغة الأم. وهذه مشكلة عويصة تحدث عنها كبار الكُتاب لعل من أشهرهم الكاتبة النمساوية إلفريدة يلينيك - يُمكنكم الاطلاع على رأيها في كتاب“صُحبة لصوص النار“ للُمترجمة الصحافية جُمانة حدّاد - مُراجعتي للكتاب




اقتباسات 


بعض المخلوقات لا تموت متأثرة بجراحها، بل يقتلها الإهمال. 


الآباء هم العزلة التي كُتِبَت على صفحة أقدارنا 


هل بقى هناك أطفال في الأزقّة يا أُمّاه؟ ما تقولينه كان فيما مضى، أنتِ تتصورين أن الطرقات ما زالت مُزدحمة بالأولاد. لم يعد هناك أطفال في الأزقة. لا أحد سوى الجان يلعبون الكرة في الدروب! أما الأطفال فتجدينهم مجتمعين أمام شاشات التليفزيون، أو يجلس كل واحد منهم أمام حاسوبه. 


المرحلة التي تشهد تصغير احتياجاتنا الكبيرة، وتهويل احتياجاتنا الصغيرة تُسمى مرحلة الشيخوخة. 

الغلاف الأصلي للكتاب - النسخة التركية




التقييم النهائي 


ليس هناك الكثير الذي يُمكن كتابته عن هذه الرواية ”حتى الطيور تذهب إلى عزائه“ فجمالها الأساسي يكمن خلف الكلمات ويعتمد على خبرة القارئ وخياله أو بالأحرى على ذكرياته!

فمشاعر الأبوة التي ارتكزت عليها الرواية، لن يفهمها سوى من مرّ بتجربتها. فمشاعر الأبوّة وجه من أوجه الحُب. ولا يُمكن شرح مثل هذه المشاعر. فقط يجب أن تَصعَقك. تسْكُنك. تتملّكَك. 

وأخيرًا فعلى الرغم من الشحنة العاطفية التي تتركها الرواية في نفس القارئ، إلا أنها قد قد لا تروق للبعض… لكن في النهاية هي رواية تستحق أن تُقرأ. 


تقييمي 3 نجوم من خمس

 

 معيار التقييم:

  • نجمة = لم يعجبني
  • نجمتان = مقبول
  • 3 نجوم = أعجبني
  • 4 نجوم = أعجبني بشدة
  • 5 نجوم = استثنائي
    

أحمد فؤاد
3 آذار/مارس 2023


google-playkhamsatmostaqltradent