random
أخبار ساخنة

مُراجعة كتاب "شروط النهضة" - مالك بن نبي




  

على الرغم من أنها المرة الأولى التي أقرأ فيها لمالك بن نبي، إلا أن شعورًا خفيًا قد انتابني مع قراءتي للكتاب، وكأنني قرأت كلماته من قبل.



مع تقدّمي في القراءة بدأت أفهم السبب، فأفكار مالك بن نبي تُشبه إلى حدّ بعيد أفكار البوسنيّ "علي عزت بيجوفيتش" على الأقل في الخطوط العريضة، ذلك لأن الأخير كان أعمق فكرًا وأشمل ثقافة بناء على خبراته العمليّة الطويلة، بالإضافة إلى كونه يكتب في تاريخنا المُعاصر القريب.

 

يتميّز مالك بن نبي بأسلوب غاية في السلاسة، بعيدًا عن الديباجات والإسهاب في الشرح. عباراته قصيرة رشيقة واضحة، الهدف منها تقويم الرأي وتحريض الإنسان على التفكير. لهذا فأفكاره سهلة الإدراك، قابلة للفهم من مختلف الأعمار.

 

 

كتاب "شروط النهضة" يُركّز على بعض النقاط الرئيسة: "أثر الفكرة الدينيّة في الحضارة" "أثر الذوق الجمالي في الحضارة ودورها في بناء الحضارة" أثر الثقافة الاجتماعية في الحضارة" قابلية الشعوب للاستعمار (حتى ولو ثقافي) وأثرها في تدمير الحضارة"

 

يُبسّط الأمر بمعادلات رياضية بسيطة:

  

مبدأ أخلاقي + ذوق جمالي= اتجاه حضارة

  

إنسان + تراب + وقت = حضارة

 

 

الكتاب تنظيري بكل تأكيد لكن أفكاره حيّة بشكل مُدهش، فعلى سبيل المثال أعجبتني بشدة الفصول التي تحدّث عن أثر الذوق الجمالي على النفس البشرية وعلى أهمية ذلك على المستوى الفكري والأخلاقي والاجتماعي سواء على مستوى الفرد أو على مستوى المجتمع.

 

يؤكد الكاتب بأن الحضارة لا يُمكن أن تقوم إلا على الفكرة الغيبية المُتخطيّة للمادة، وهي الدين. وأن كل الحضارات الناجحة هي التي بُنيت على الفكرة الدينية حتى وإن لم تكن صريحة واضحة.

 

أعجبتني أيضًا نظريته للفنون الجميلة والراقية وعدم خلطها مع الفنون الرديئة، وأن الإنسان يُمكنه أن يصبغ أي فعل بصبغته فيجعله نقيًّا أو فاسدًا، وعلينا نحن المُتلقيين الاختيار بينهما وعدم السماح بخلطهما وتصديرهما معًا تحت مُسمّى واحد.

 

لكن أيضًا يتوجّب علينا أن نراعي أن الكتاب كُتب منذ ستين عام، وبالتالي فهناك بعض الأفكار التي تطوّرت أو أنها لم تعد واقعية، مثل قضية المرأة ودورها في المُجتمع حيث نلمس في أفكار مالك بن نبي التخوّف من لانجراف المرأة العربية للتمثّل بصورة المرأة الغربية مما يؤثر بشكل عميق على الأسرة والمجتمع العربي والمسلم (على الرغم من إقراره بضرورة مشاركتها فيه)، لا يُمكننا بالتأكيد التقليل من هذا الأثر، لكن المشكلة أن المجتمع نفسه تغيّر بشكل مُخيف بحيث أصبح استقلال المرأة الاقتصادي والمالي لازمًا لها في ظل انحدار مُرعب -هذه الأيام- في تدنّي أخلاق الرجال تجاه واجباتهم ومسؤولياتهم الأسرية.

 

لفت انتباهي أيضًا حياديته في التفكير والتي تنمّ عن عقل راقٍ وواعٍ ومُتفكّر، فنراه يتأمّل بعض الأفكار والإجراءات التي حدثت مع الثورة التركية على يد مصطفى كمال أتاتورك، فيستخلص منها بعض الأشياء المُفيدة والجيّدة. وهو هكذا لا ينساق خلف العصبيات العمياء، بل كان من الذكاء والحكمة أن يستخلص من أي موقف حتى وإن كان مؤلمًا أو سيئًا من مواقف التاريخ ليستفيد منه ويدرس أسباب نجاحه وفشله من أجل أن يطوّر فكره ويساير أساليب التاريخ المعاصرة.

   

  

اقتباسات

    



ولقد كان دور الشعوب الإسلامية أمام الزحف الاستعماري خلال القرن الماضي وحتى الربع الأول من هذا القرن دوراً بطولياً فقط؛ ومن طبيعة هذا الدور أنه لا يلتفت إلى حلِّ المشاكل التي مهدت للاستعمار وتغلغله داخل البلاد.

   


في الماضي فقد كانت البطولات تتمثل في جرأة فرد لا في ثورة شعب، وفي قوة رجل لا في تكاتف مجتمع؛ فلم تكن حوادثها تاريخاً بل كانت قصصاً ممتعة، ولم تكن صيحاتها صيحات شعب بأكمله، وإنما كانت مناجاة ضمير لصاحبه، لا يصل صداه إلى الضمائر الأخرى، فيوقظها من نومها العميق.

   

من المعروف أن القرآن الكريم قد أطلق اسم الجاهلية على الفترة التي كانت قبل الإسلام، ولم يشفع لهم شعر رائع وأدب فذّ من أن يصفهم القرآن بهذا الوصف، لأن التراث الثقافي العربي لم يكن يحوي سوى الديباجة المشرقة، الخالية من كل عنصر (خلاق) أو فكر عميق. وإذا كانت الوثنية في نظر الإسلام جاهلية، فإن الجهل في حقيقته وثنية، لأنه لا يغرس أفكاراً بل ينصب أصناماً؛ وهذا هو شأن الجاهلية،

   

ذلك هو منحنى السقوط الذي تخلقه عوامل نفسية أحط من مستوى الروح والعقل، وما دام الإنسان في حالة يتقبل فيها توجيهات الروح والعقل المؤدية إلى الحضارة ونموها، فإن هذه العوامل النفسية تختزن بطريقة ما فيما وراء الشعور، وفي الحالة التي تنكمش فيها تأثيرات الروح والعقل، تنطلق الغرائز الدنيا من عقالها، لكي تعود بالإنسان إلى مستوى الحياة البدائية.

   



هذا الخطأ الشائع إنما يأتي أولاً من تفسير أصول الشيوعية باعتبارها (حضارة)، ومؤلفات ماركس وأنجلز تخفي - في الواقع - التكوين الحقيقي للظاهرة الشيوعية بفصلها ظاهراً عن دورة الحضارة المسيحية.

   


العناصر الجوهرية التي نراها ضرورية تماماً للثقافة وهي: 1- الدستور الخلقي. 2- الذوق الجمالي. 3- المنطق العملي. 4- الصناعة


    


لا يمكن لنا أن نتصور تاريخاً بلا ثقافة، فالشعب الذي فقد ثقافته قد فقد حتماً تاريخه.

     



لا يمكن لصورة قبيحة أن توحي بالخيال الجميل، فإن لمنظرها القبيح في النفس خيالاً أقبح؛ والمجتمع الذي ينطوي على صور قبيحة، لابد أن يظهر أثر هذه الصور في أفكاره وأعماله ومساعيه.


    


ولا يظنَّن ظانٌّ أننا بضربنا هذا المثل نرى أن ذوق الجمال يسعى لحل مشكلات المساكين فحسب، بل أردنا التدليل على تأثيره في المجتمع باختيار نموذج من صميم أوضاعنا الاجتماعية. أما تأثيره فعام يمس كل دقيقة من دقائق الحياة، كذوقنا في الموسيقا وفي الملابس والعادات وأساليب الضحك، والعطاس وطريقة تنظيم بيوتنا وتمشيط أولادنا، ومسح أحذيتنا، وتنظيف أرجلنا.



   

ويبرز خطر الفن عندما يشرع في تقرير هذه الوسائل، التي تجعله مربياً أو مفسداً، وذلك حسبما يختار من الصور والألحان؛ فالرقصة مثلاً إما أن تكون قصيدة شعرية أو حركة جنسية، وهي على كل حال طريقة الطير في التقرب من أنثاه، وهي أيضاً للرجل في شأنه مع المرأة.


   


ومن سوء حظ الإنسانية أن نسيت أوربا أو تناست هذه التجربة اليوم، ولا عجب فإن الواقع كما لاحظه (جوستاف لوبون)، هو أن جميع الوسائل قد اتخذت لمحو الحضارة الإسلامية من سجل التاريخ، من أجل ذلك زور الكتاب الغربيون التاريخ،



   

الاستعمار يريد منا أن نكون أفراداً تغمرهم الأوساخ، ويظهر في تصرفاتهم الذوق القبيح، حتى نكون قطيعاً محتقراً، يسلم نفسه للأوساخ والمخازي، فيجدنا ناشطين لتلبية دعوته.
   

   

   

التقييم النهائي

 

الكتاب غير مُعقد في عرض فكرة الكاتب ومشروعه. قد تبدو الأفكار سطحية في بعض الأحيان، كون الكاتب لم يتعمّق في كتابه. لكن أظن أن الكاتب قصد ذلك لسببين: الأول كي يضمن انتشار الكتاب إلى فئات مُختلفة ومتباينة في درجة تفكيرها وثقافتها. الثاني: لاعتباره أن الكتاب مدخل إلى أبحاثه وكتبه التالية والتي يستفيض فيها بشرح كل نقطة بشكل مُستقل.

 

الكتاب قصير وسهل، لكنه مليء بالأفكار الصغيرة الجميلة، وهو بكُل تأكيد يستحق القراءة وأراه مدخلًا لطيفًا لكتابات مالك بن نبي

 

تقييمي 3 نجوم

 

 معيار التقييم:

  • نجمة = لم يعجبني
  • نجمتان = مقبول
  • 3 نجوم = أعجبني
  • 4 نجوم = أعجبني بشدة
  • 5 نجوم = استثنائي
    

أحمد فؤاد
22 كانون الأول/ديسمبر 2021

 

google-playkhamsatmostaqltradent