random
أخبار ساخنة

مُراجعة كتاب "الحنين إلى الخرافة" - عادل مصطفى

 


    

لم تعد مُشكلة التمييز بين العلم واللاعلم ترفًا بل قضية مُلحّة

 



في عصرنا الحالي، وخاصة بعد الفوضى العارمة التي خلقتها حالة الخوف من جائحة كورونا والتي أعقبتها حالة من الارتباك الشديد تجاه اللقاح المُستحدث الخاص به، وفي عصر اختلاط الحق بالباطل، والعِلم الصحيح بالعلم الزائف من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. تأتي أهمية هذا الكتاب من أجل محاولة للتشبّث ببعض العقل والمُنطق للبقاء آمنين وسط تيارات العصبية المُغرقة إما في التشاؤم أو التفاؤل.

 

يتحدث الكتاب عن العِلم الزائف وكيفية مواجهته، وعلى الرغم من أن الكاتب يقرّ بصعوبة وجود معايير حاسمة تجزم بالحُكم على معلومة ما أنها من العِلم الزائف، إلا أن هناك أمارات عامة تُهيب بنا أن ننتبه ونرتاب، قد لا تمون هذه الأمارات -كُل على حده- كافية، غير أن اجتماع عد وافر منها قد يدون بنا إلى مشارف اليقين.

 

يُوضّح الكاتب د. عادل مًصطفى بعض هذه الأمارات، مثل أن العلم الزائف لا يعترف بأخطائه ولا بتصحيح نفسه، كما يتهرّب العُلماء الزائفون من النشر في المجلات العلمية المُحكّمة ومن مُراجعة النُظراء في مجالهم بزعم أن المجتمع العلمي مُتحيزون ضدهم، كما أن من دأبهم أن يطلبوا من مُنتقديهم أن يُبرهنوا على خطأ نظريتهم بدلًا من أن يُبرهنوا هم على صحتها!

 

يُركّز العلم الزائف أيضًا على الأمثلة المؤيّدة فقط، ويتجاهل الأمثلة المُضادة، بالإضافة إلى أن أغلب أطروحاتهم لا تكون قائمة على الأبحاث العلمية التاريخية أو المُعاصرة، وإنما تكون أعمالهم قائمة على نماذج إرشادية جديدة تمامًا. هذا بالإضافة إلى ولعهم باستخدام رطانات مُبهمة مثل "الطاقة الكونية الحيوية، تعاطفات، منظومة خط الزوال، التكبير السيكوتروني،....)، بالإضافة إلى ميلهم بالادعاء بأن إجراءً هزيلًا مُعيّنًا يحل شتّى المُشكلات، وبأن عقارًا لا أصل له يشفي جميع الأدواء.

 

يُؤكد د. عادل مُصطفى على أهمية الالتزام بالمنهج العلمي للبحث (عشوائية العينة- ميكنة تسجيل البيانات لتجنب الميل البشري لرؤية ما يرغبون برؤيته-الدلالات الإحصائية-مُراجعة النُظراء-تكرار التجربة)

 

كما يخبرنا إن الخُرافة هي الأصل في عقل الإنسان، وذلك لولع الإنسان وانقياده الدائم للُمخططات والأنماط والنماذج المُبيّتة فيه، والتي انطبعت بفعل خبرات سابقة لم يكن له يد فيها، والتي اندثر أغلبها أو برهن العلم على عدم صحتها، بينما العلم الصحيح هو الذي يتطلب إرادة وضوابط احتياطية وإجراءات احترازية للإثبات ولتجنّب الميل البشري إلى أهوائه.

   



 

  

لهذا يشرح لنا أهمية دراسة العلم المُزيّف، ولماذا لم تعد مُشكلة التمييز بين العلم واللاعلم ترفًا بل قضية مُلحّة وضرورة تعلو على كًل ضرورة، خاصة في عالمنا المُعاصر والذي تمطرنا فيه الوسائل الإعلامية بوابل من الخُرافات الجديدة، وسيول من الغثاء المنفلت والنظريات الزائفة والدجل الوقح.

 

يقرّ الكاتب أن للخرافة جاذبية هائلة، وأنه مهما تقدّم العلم فسوف تظل الخرافة تحتل أعزّ الأمكنة في قلوب البشر، لأنها كانت هي الأصل وهي التي قدّمت للإنسان الوعد والسلوى يوم كان مُهملًا في عالم موحش مُلغز خطير. والوعد، حتى وإن كان كاذبًا، ليس بالشيء الهيّن فهو للنفوس المغلوبة على أمرها أنيس الأيام.

 

 

هذا الكتاب وصفه الكاتب بأنه تتمة لكتاب "المُغالطات المنطقية: فصول في المنطق غير الصوري" - مُراجعتي لكتاب "المُغالطات المنطقية" على هذا الرابط

 

كتاب "الحنين إلى الخرافة" عُبارة عن فصول مُتفرّقة لكبار المُفكّرين والعلماء وفلاسفة العلم في مسألة التمييز بين العلم والعلم الزائف، مع تطعيم هذه الفصول بآراء الكاتب. وهو مليء بالأفكار الرائعة والتي توسّع مدارك القارئ لخلق شخصية نقدية تستطيع التمييز بين الخرافة والعلم، أو على أقل تقدير لا تكون سهلة الانقياد إلى سطوة الخرافة والعلم الزائف.

 

 

اقتباسات

 



يظهر العلم مُنذ اللحظة التي يُقرر فيها الإنسان أن يفهم العالم كما هو موجود بالفعل، لا كما يتمنّى أن يكون
 د. فؤاد ذكريا


   


الشيء المُزعج في أمر الحقيقة هو أنها في الغالب غير مريحة، وكثيرًا ما تكون فاترة ومُملّة. إنما يريد العقل الإنساني شيئًا أكثر إيناسًا وأكثر تلطّفًا.
H.L.Minchen


  

الغرض الحقيقي للمنهج العلمي هو أن يُبرهن لك على أن الطبيعة لم تخدعك لتجعلك تظن أنك تعرف شيئًا ما – أنت في الحقيقة لا تعرفه.
R. Pirsig


  

الاتزام الأعمى بنظريٍ ما، ليس فضيلة فكرية، بل هو جريمة فكرية"
إ. لاكاتوش



  

تجارتان لا تعرفان البوار: تجارة الخُبز، وتجارة الوهم.
د. عادل مصطفى

  

إننا نتعاطى التقنية الغربية لتنمية تخلّفنا، ونقطف ثمرات التنوير لتغذية ظلامنا، ونظن لغفلتنا، أننا يمكن أن نقتل عدوّنا بسلاحه، وأن ننازل العقل الجديد بعقل قديم.
د. عادل مصطفى

  


تعليم الأمة بلغتها ينقل العلم بُكليّته إليها، أما تعليمها بلغة غيرها فإنه ينقل أفرادًا منها إلى العلم.
الشيخ علي يوسف

 

 


  

التقييم النهائي

  

دراسة العلم الزائف أمرٌ غاية في الأهمية، لأنه في جهل مُقنّع ومصيبته أنه إن وصل إلى الدين سينشر التعصّب وإن وصل إلى السياسة سيُدمّر البلاد وإن وصل للمجالات العلمية سيطرد العلم الحقيقي ليشيع الجهل ونعيش في عالم من الخرافات.

 

كتاب "الحنين إلى الخُرافة: فصول في العلم الزائف" كتاب مُهم في موضوعه. صحيح أن الكتاب شابه بعض الإسهاب وأيضًا بعض التعقيدات في الشرح أو المُبالغة في زخرفة اللغة، إلا أن الكتاب يستحق القراءة بكُل تأكيد.

 

وأخيرًا بخصوص أنه تتمة لكتاب "المُغالطات المنطقية: فصول في المنطق غير الصوري" - مُراجعتي لكتاب "المُغالطات المنطقية" على هذا الرابط - فأرى أن كتاب الحنين إلى الخرافة جاء أقل بكثير، وكان من المُمكن اختصاره. فأسلوب الكاتب في المُغالطات المنطقية كان أعمق في تناول الأفكار، وأكثر سلاسة في لغته.

 

تقييمي ثلاث نجوم
 
  
   معيار التقييم:

  • نجمة = لم يعجبني
  • نجمتان = مقبول
  • 3 نجوم = أعجبني
  • 4 نجوم = أعجبني بشدة
  • 5 نجوم = استثنائي


   

ملحوظة: الكتاب متوفّر مجانًا في موقع مؤسسة هنداوي على هذا الرابط 



   


أحمد فؤاد
21 كانون الأول/ديسمبر 2021

 

 

google-playkhamsatmostaqltradent