random
أخبار ساخنة

مُراجعة كتاب "النظرات" - مُصطفى لطفي المنفلوطي

 


     

كتاب عن الأدب والكتابة والقراءة والثقافة والأخلاق والألم والحزن والسعادة والتعاسة والتفكّر والتدبّر واللغة والعلم والحياة والموت. كتاب يساعد الإنسان في أن يكون إنسانًا ذا خُلق!

    


هل أنت مُستعد؟

   

إن في "النظرات" لَعِبر وعظات تملأ نفس الإنسان توجّسًا تجاه حاضره ومستقبله، فلا يأمن المرء لبحبوحة عيش ولا يركن لاستقرار أمرٍ ولا يثق في حتمية غدٍ مُبهج. فالحاضر مُترع بآلاف المصائب والابتلاءات، حتى وإن كانت غير ظاهرة لعيوننا التي لا ترى سوى مباهج الحياة. وإن أمعننا النظر سنجد تلك الانكسارات والمواجع مُتستّرة في البيوت، مُتخفّية في أزقة الشوارع، مكبوتة في قلوب أصحابها، والذين كان أغلبهم على جانب السعادة قبل أن ينقلب بهم الحال في لحظة ما، تتبدّل بهم الأحوال دون سابق إنذار، كإعصار يعصف بكل ما هو راسخ في حياتهم.

 وما حياتنا سوى ردود أفعال تجاه لحظات فارقة تظهر في طريق حياتنا المكتوب علينا السير فيه. لحظة وداع قد تكسرنا أو تقوينا. لحظة فراق تكون فيها انهيارنا أو بدايتنا من جديد. نزوة يمكن أن تُدمّر حياتنا. أو شهوة قد تدفعنا إلى أن نحطّم حياة آخرين.

  

إن البائسين المنكوبين في هذه الدنيا قريبون جدًا منّا، كثيرًا ما نتجاهل وجودهم أو نُرجِع ما يمرون به لصدفة نظن أنه من المستحيل ألا نقابلها في حياتنا! لكنهم في حقيقة الأمر يحملون إلينا تحذيرًا من تقلّب الدوائر. إنه التحذير من الغد؛ ذلك الشبح المُبهم الذي يحمل الأسرار، ذلك الغد الذي نخشى من قدومه قدر رغبتنا في ملاقاته. ازدواجية تُعبّر عن سذاجة الإنسان وجهله منذ أن حمل الأمانة من خالقه بعد أن رفضتها السماوات والأرض.

تُرى... هل ستدفع العِبَر والعِظات في كتاب "النظرات" القارئ إلى الحيطة والحذر من تقلّبات الزمن وانحطاط النفس وتغيّرها؟ وهل ستعزّز الفضيلة في روحه وتحثّه على أن يكون إنسانًا أفضل؟

لكن رُبّما كان السؤال الأهم الذي يجب أن يطرحه القارئ على نفسه: "هل لديّ استعداد للتغيّر؟"

 


ثلاثة أجزاء من سحر البيان

    

في كتاب مُكوّن من ثلاثة أجزاء ينقل لنا مصطفى لُطفي المنفلوطي عشرات المقالات التي كتبها منذ عام 1907، فجمعها في كتاب النظرات التي بلغت صفحاته حوالي السبعمائة صفحة.هذه النوعية من الكُتب يُفضّل –في رأيي- أن تُقرأ مُتقطّعة؛ كُل يوم مقال أو اثنين أو ثلاثة. هكذا كُتِبَت تلك المقالات ولهذا أرى أن هكذا يجب أن تُقرأ. لأن كتابات الصحف اليومية لا يُنظَر كثيرًا إلى تشابهها أو تقارب أفكارها، بل على العكس؛ قد يكون مطلوبًا فيها أن تُعيد أفكارًا معيّنة كل فترة حسب وقائع الحياة التي تتطلب من الكاتب أن يتفاعل معها في وقتها حتى وإن كتب عنها سابقًا، وهذا بالطبع شيئ لا يصلح للكِتاب الذي يطّلع عليه القارئ دفعة واحدة؛ فيلحظ التكرار أو التناقض أو التشابه، وهي في الواقع أمور يمر بها أي إنسان في حياته خلال مراحل عمره وخلال تقلّبات الحياة.

ملحوظة أخرى... من المهم جدًا أن يُنظَر إلى كتاب النظرات من خلال السياق التاريخي والاجتماعي الذي كُتِبت فيه المقالات الموجودة فيه. وهي الفترة التي تم فيها إعلان الحماية البريطانية على مصر عقب نشوب الحرب العالمية الأولى.

  

الكِتاب يُقدّم مجموعة من المقالات في مجال الأدب الاجتماعي، والنقد والسياسة والإسلاميات، بالإضافة إلى قصص قصيرة مُترجمة ومنقولة. مع العلم بأن المنفلوطي لم يُترجم القصص الفرنسية بنفسه لأنه لم يعرف لغتها إطلاقًا، وإنما صاغها بأسلوبه بناء على مُلخصات سمعها من أصدقائه المُطّلعين على الأدب الفرنسي، لهذا فقصص المنفلوطي الفرنسية مثل "ماجدولين" على سبيل المثال، لم تكن على ترجمة حرفية وإنما جاءت بتصرّف المنفلوطي، والذي بسحر بيانه جعل الرواية مشهورة في الوطن العربي رغم أنها لم تكن تحظى بنفس الاهتمام في فرنسا (حسب إفادة الكاتب المغربي:عبد الفتاح كليطو)

 

الكتاب ممتاز من أجل التعلّم بسحر البيان وجمال اللغة وتعلّم أساليب الوصف البديعة. لكن يؤخَذ عليه أن فيه الكثير من الإسهاب في الوصف، وهناك إسرافًا في استخدام المُحسّنات اللغوية حدّ التقعّر. كما أن استخدام الكاتب أسلوب الوعظ المُباشر كلّفه انفصالًا قد يشعر به القارئ معه، بل وربما شعر القارئ بالنفور خاصة مع عدم وجود عُمق في القصص التي سردها.

   




    

أسلوب المنفلوطي الوصفي –البديع- والذي يعتمد على الصورة أكثر من المضمون (حتى وإن حَسُن مضمونه) كان أسلوبًا يلفظ أنفاسه الأخيرة في تلك الحقبة الزمنية، ليحل محله أسلوبًا مُختلفًا مُجدّدًا مختلفًا. وعلى الرغم من عدم تعدّد أفكار المنفلوطي أو تعمّقه فيها والتي قد تكون بسبب تعليمه الذي لم يكمله، إلا أن هذا لا يعني على الإطلاق التسفيه بما قدّمه، لأن أدب المنفلوطي هو أدب قريب إلى جميع عوام الشعب وليس حكرًا على مُثقفيهم، ولا يمكن لشخص أن ينكر مدى قوة أسلوبه وروعة بيانه وعذوبة ألفاظه، فمن الصعب أن يقرأ شخص للمنفلوطي ولا يتأثر بأي من كتاباته.

 

وعلى الرغم من الانتقادات التي نالت مصطفى لطفي المنفلوطي وكتبه وأسلوبه، إلا أن رسوخ كتاباته ووصولها إلينا واستحسان الناس لها حتى اليوم يُبثت بكل وضوح أن كتاباته كُتِبَت لتبقى شامخة غير آفلة. وأقتبس من الكتاب ما يلي للإشارة إلى رأيه في كتابات الأديب الحقيقي.

    


أنا أكتب لا لأعجب الناس، بل لأنفعهم، ولا لأسمع منهم "أنت أحسنت"؛ بل لأجد في نفوسهم أثرًا مما كتبت، فلو أن العشرة الملايين التي يحتضنها هذان الجبلان أجمعت أمرها على الإعجاب بي والرضاء عنّي، ثم رأيت من بينها رجلًا واحدًا ينتفع بما أقول لكان الواحد المستفيد آثرَ في نفسي من الملايين المعجبين.

 مُصطفى لًطفي المنفلوطي - كتاب "النظرات"

 

     

 

اقتباسات

     

ولا أدري ما الذي كان يُعجبني في مطالعاتي من شعر الهموم والأحزان، ومواقف البؤس والشقاء، وقصص المحزونين والمنكوبين خاصةً. كأنما كنت أرى الدموع مظهر الرحمة في نفوس الباكين، أو كأنما أرى أنّ الحياة موطن البؤس والشقاء، ومستقر الآلام والأحزان، وأن الباكين هم أصدق الناس حديثًا عنها، وتصويرًا لها، فلما أحببت الصدق أحببت البكاء لأجله.

مصطفى لطفي المنفلوطي - كتاب "النظرات"

     


والألم هو الينبوع الذي تتفجّر منه جميع عواطف الخير والإحسان في الأرض، وهو الصِلة الكُبرى بين أفراد المجتمع الإنساني، والجامعة الوحيدة التي تجمع بين طبقاته وأجناسه، بل معنى الإنسانية وروحها وجوهرها، فمن حُرِمَهُ حُرِمَ كُلّ فضيلة من فضائل النفس، وكل مكرمةٍ من مكرماتها، وأصبح بالصخرة الصلدة أشبه منه بالإنسان الناطق.

مصطفى لطفي المنفلوطي - كتاب "النظرات" 


   


إن الكاتب إن استطاع أن ينال ثناء الناس وإعجابهم ببلاغة لفظه، أو براعة معناه، أو سعة خياله، أو قوة حجته، فإنه لا يستطيع أن ينال الثقة في نفوسهم إلا إذا كان من الصادقين المخلصين.

 مصطفى لطفي المنفلوطي - كتاب "النظرات"


   

 ليس من صواب الرأي أن يجعل الإنسان حالة عيشه ميزانًا يزن به أخلاقه، فإن اتسع عيشه اطمأن إليها، وإن ضاق أساء الظن بها، فكم رأينا بين الفاضلين أشقياء، وبين الأرزلين كثيرًا من ذوي النعمة والثراء.

 مصطفى لطفي المنفلوطي - كتاب "النظرات"

   



هذبوا رجالكم قبل أن تهذبوا نسائكم فإن عجزتم عن الرجال فأنتم عن النساء أعجز.

مصطفى لطفي المنفلوطي - كتاب "النظرات" 

 


وحسبك من السعادة في الدنيا ضمير نَقيّ، ونفس هادئة، وقلب شريف.

 مصطفى لطفي المنفلوطي - كتاب "النظرات"


     

التقييم النهائي

    

كتاب النظرات لمصطفى لطفي المنفلوطي؛ من الكتب التي يجب على أي إنسان قراءتها، سواء كان كاتبًا أديبًا أو قاصًا، أو كان قارئًا يبحث عن الفائدة أو يتقصّى أحداث الماضي. سيعود القارئ مرات ومرات إلى الكتاب والاستشهاد بالكثير مما جاء به، ليس فقط لأن محتواه مليء بالصفات التي يرغب الإنسان السويّ بالتحليّ بها مثل الشجاعة والشهامة والوطنية والمروءة والإحسان والتعاطف مع الآخرين واحترام وجهات النظر الأخرى وحُب الدين والبُعد عن التعصّب، بل لأنه سيجد أن أغلب ما كتب عنه المنفلوطي في كشف الزيف وفضح الباطل وإبانة الحق؛ يُمكن أن يتم إسقاطه على ما نمر به في مجتمعات عصرنا الحالي.

   

تقييمي النهائي 3 من 5

      



رابط الكتاب

الكتاب مُتوفّر بشكل مجاني على موقع مؤسسة هنداوي على هذا الرابط

   

  


أحمد فؤاد - 8 تشرين الثاني نوفمبر 2020


google-playkhamsatmostaqltradent