random
أخبار ساخنة

مُستقبَل من الماضي - عن سلسلة ملف المُستقبل

         
   


      

    



فجأة... يتسلل نسيم عليل آتٍ من زمن مضت عليه سنوات العمر البهيّة. ألمس داخلي ريحه الذكيّة، فتدبّ الحياة في ذكريات صاحبتني منذ أن كُنت طفلًا. إنه نسيم القراءة المليء بحروف ملأت روحي وسكنتها؛ تتراكم بعضها فوق بعض لترسم جزءًا من نُضجٍ يكتمل في نفوسنا مع ما نتعلّمه في هذه الحياة. ولأن صورة مشهد ما؛ قد حضرت في ذهني بشكل مُفاجئ حاملة معها كل البهجة والوجع! فقد قررت اليوم أن أكتب عن سلسلة روايات أكنّ لها ولكاتبها كُل التقدير والامتنان. 

      

     


في عام 1984 ووسط نقص شديد لأعمال الخيال العلمي في الأدب العربي خاصة لفئة اليافعين؛ ظهرت سلسلة روايات "ملف المستقبل" للكاتب المصري نبيل فاروق؛ لتسطع وحيدة حينها في سماء الوطن العربي تغمر القُرّاء بمتعة قلّما وجدوها بين صفحات الكُتب.

 

كانت هناك قصصًأ من أدب الخيال العلمي مُهمّة لأدباء وكُتّاب مشهورين مثل مصطفى محمود، ونهاد شريف، وموسى صبري، لكنها كانت أعمالًا جادة لا وجود للمغامرة فيها، أغلبها كان قاتمًا سوداويًا كئيبًا يُوثّق الخوف من استخدام الإنسان الخاطئ للعلم وتقنياته. وأرى تلك القصص شبيهة بالمسلسل البريطاني الشهير "المرآة السوداء -–Black Mirror"

     

أما الأعمال الأدبية لفئة اليافعين حينها كانت مقتصرة -تقريبًا- على سلسلتيّ "المغامرون الخمسة" (بدأ نشرها في عام 1973) و"الشياطين الـ13" (بدأ نشرها في عام 1978)، وهي روايات قصيرة مُسلسلة لها قالب بوليسي حركي مُخابراتي. السلسلتان مُقتبستان من سلسلتين بريطانيتين بنفس الأفكار والشخصيات تقريبًا، وقام مؤلف السلسلتين الكاتب" محمود سالم" بأخذ الأفكار الرئيسة منهما ثم قام بتعريب الشخصيات وإضفاء الهويّة العربية المصرية عليها، وأحدثت السلسلتان نجاحًا منقطع النظير في أوساط الشباب.

   



     


       


لكن التطوّر التكنولوجي الذي كان بدأ قطاره يصل إلى مشارف بلادنا العربية؛ كان لابد أن يُصاحبه تطوّرًا في مستوى الحبكات الأدبية والأفكار التي كان الغرب يضجّ بها وتظهر على شاشات التلفزيون في أفلامهم ومسلسلاتهم للكبار واليافعين والأطفال.

 

كان أدب الخيال العلمي في الوطن العربي يحتاج إلى أُكسير الحياة الذي يبث فيه الشباب وروح المُغامرة والعنفوان.

 

يأتي "نبيل فاروق" بسلسلته الشهيرة "ملف المُستقبل" ليُحقق هذه المُعادلة، فتفوق بشهرتها ونجاحها كل ما جاء قبلها، وتظل لعقدين من الزمان بعد صدورها؛ العمل الأدبي الأول للخيال العلمي العربي في المنطقة بلا منازع.

    



  

أبدع الدكتور نبيل فاروق في صناعة عالمه الخاص، فبناه على أسس وحقائق علمية سليمة، وأثراه بكمية مُبهرة من المعلومات العلمية القيّمة عن الفضاء والكون والثقوب السوداء، والكواكب والنجوم، وسرعة الضوء والنظرية النسبية.

 

فريق علمي مصري يتكوّن من أربعة أفراد "نور ضابط المخابرات العلمية – سلوى خبيرة الاتصالات – رمزي الطبيب وخبير التحليل النفسي الفذ – محمود خبير الطاقة والأشعة" قام الفريق بعشرات المغامرات المذهلة وحلّوا العديد من الألغاز العجيبة.

     



   

وكطفل في العاشرة من عمره، انطلقت مع نور وفريقه في مغامراته المُستقبلية، بمسدسات الليزر والسيارات ذات الوقود الأميني. سافرت إلى عوالم ومجرات أخرى واكتشفت مخلوقات فضائية أغلبها مُعادية وبعضها صديقة. رجعت بالزمن إلى الماضي تارة وانتقلت به إلى المستقبل تارة أخرى. عاصرت أساطير عجيبة، وقاومت مع الفريق في محاولات الغزاة الفضائيون الذين يحاولون غزو الأرض.

     


ملأني الانبهار شغفًا لا يتوقف أثناء القراءة. شعرت بمدى الثراء المُدهش الذي كان في صفحات تلك الروايات.

  



       

 

فهمت معنى نظرية النسبيّة، ومعضلة الزمن كما في العدد رقم 13 "الزمن المفقود".

 

اندهشت لفكرة وجود كائن حيّ له إرادة لكن جسده في شكل سائل كما في العدد رقم 28 "النهر المُقدّس" 

 

قرأت ولأول مرة عن فكرة التاريخ البديل كما في العدد رقم 42 "الأرض الثانية"

 

انتقلت بالزمن ذهابًا وإيابًا في عدة مغامرات مثل ثلاثية عبر العصور/أسرى الزمن/شيطان الأجيال الأعداد 54-55-56.

 

سافرت لكواكب أخرى مثل كوكب أرغوران وقائده بودون في العددين 58-59 "معركة الكواكب – جحيم أرغوران"

 

شاهدت تجربة مريعة تحت البحر "لسادة الأعماق" العدد 62

 

عرفت عن قارة أطلانطس في الثلاثية الرائعة " ضد الزمن – الرحلة الرهيبة – نقطة الصفر" الأعداد رقم 91/92/93

    

      

   

لكن هناك في هذه السلسلة قصصًا لابد لي أن أتوقّف عندها وأسجّل إعجابي الشديد بها؛ لأنها محطات مُبهرة خلّابة، بسبب مواضيعها الاستثنائية وأسلوبها المثير. تلك القصص كانت من القوة أنها لا تزال حيّة داخلي حتى اليوم، ومازلت أراها من أقوى القصص التي قرأتها في مجال الخيال العلمي والرعب معًا، وبأنها تنافس أقوى الروايات التي قرأتها في نفس المجال.


     

      

الكوكب الملعون – العدد رقم 47

    



ما سرّ ذلك الكوكب العجيب الذي يلقي لعنته على كل من يقترب منه؟ كيف نجح عالم مصري في صنع كوكب؟ تُرى هل ينجو (نور) وفريقه هذه المرة وينجحون في كشف لُغز الكوكب الملعون؟

   

 من أجمل وأمتع القصص التي قرأتها في حياتي. رمزية مُبهرة يجتمع فيها الغموض بالاكتشاف العلمي بحب الوطن والدفاع عنه. لا أريد أن أحرق فكرة القصة، لكن تلك الفكرة تحديدًا فتنتني، وأبت أن تغيب عن عقلي حتى اليوم. بل أن المشهد الأخير في القصة كان مؤثّرًا موجعًا أتذكره في كل مرة أرى فيها لعبة طائرة مُقاتلة للأطفال! (المشهد الذي تذكّرته اليوم والذي دفعني لكتابة هذا المقال.)


        

      

س-18 في خدمتك يا سيدي

   

الأعداد  47-49-80-93

المقاتل الأخير- غزو الأرض – النصر – نقطة الصفر

 



هل يمكن أن تعود مومياء فرعونية إلى الحياة؟ ما سر العـلاقة بين حضـارة المصريين القـدماء، وحضارة أتلانتس الغامضة؟ تُرَى أينجـح نور وفريقه فى منع هذه الحرب الشعواء، أم ينتصر المقاتل الأخير؟ اقرأ التفاصيل المثيرة و اكتشف كيف يواجه نور و فريقه خصما فريدا من نوعه


مَن مِنّا لا يُحب س-18، وعبارته المعدنية الشهيرة "س-18 في خدمتك يا سيدي". هذا الآلي المعدني الأخضر الوجه. تدخلاته الأسطورية تجعل القارئ يحبه على الرغم من بروده المعدني وبرنامجه الصارم. بالتأكيد القصص التي شارك فيها س-18 لها مُتعة خاصة يفهمها من قرأ السلسلة.

     

       

منطقة الضياع – العدد رقم 57

  



   

كيف يمكن أن يختفى رجل داخـل حجـرة محاطة بكل وسائل الأمن ، دون أن يخلف أدنى أثر؟ ما سر تلك المرآة الأثرية ، فى ذلك القصر القديم ، الذى اختفى داخله رجال عبر التاريخ؟ تُرَى أينجح نور وفريقه في مواجهة ذلك الغموض ، أم يذهبون ضحية لـ (منطقة الضياع)؟

   

الرعب الأزلي من المرآة. هذه المرة تبتلع المرآة أشخاصًا دون ترك أي أثرٍ لهم. رواية أخافتني لفترة طويلة، وأعتبرها من الروايات المُحببة إلى نفسي، وهي في رأيي من أهم روايات السلسلة.

    

    

خُماسية النصر 

الأعداد 67-77-78-79-80

الاحتلال – المقاومة – الصراع – التحدّي - النصر

   



  

تُرى هـل تستسلم الأرض كلهـا لاحتـلال إمبراطورية جلوريال؟ هل يمكن أن تنهار حضارة كوكب بأكملها، وتاريخه تحت وطأة الاحتلال؟ ما مصير نور ورفاقه؟ أيستسلمون بدورهم، أم يكونون أول خلية لـ (المقاومة)؟


   

الأرض تحت الاحتلال... الغزو الفضائي أصبح هو المُتحكم في كوكب الأرض بأكمله، تم تدمير كل القيادات. لكن فِرَق المقاومة في الكوكب تحاول يائسة أن تتمكّن من تغيير المعادلة. في رحلة من خمسة أجزاء يستطيع نور الدين محمود قيادة فرق المقاومة على كوكب الأرض، وبنهاية أسطورية هوليودية رائعة مؤثّرة يُعلن النصر ويندحر الغُزاة مُنسحبين من كوكب الأرض. تُعَدّ أفضل وأجمل وأقوى أعداد السلسلة إن لم تكن أقواها بالفعل.

     

      

مغامرة شرسة مذهلة ضد ابن الشيطان

الأعداد رقم 72-73-74-75

 ابن الشيطان-مبعوث الجحيم-الصراع الجُهنّمي-الجولة الأخيرة.

   


    


ماذا تقول الأساطير القديمة عن ابن الشيطان؟ من هو بعلزبول ولوسيفر؟ تُرى لمن يكون النصر هذه المرة؟ والصراع يدور بين (نور) البشرى وبين نصف شيطان؟ اقرأ التفاصيل المثيرة وقاتل مع نور وفريقه عدوًا من نوع آخر هذه المرة. عدوًا قادمًا من أعماق الجحيم.

   

رُباعية ابن الشيطان هي أجمل قصص الرعب الحركي التي قرأتها. تحمل القصة مزيجًا فريدًا من المغامرة والتحدّي والأفكار المُخيفة والتأثيرات العقلية والنفسية والتسلّط على العقول. لا أبالغ عندما أقول إنها أجمل أعداد السلسلة في رأيي.

  

يُخطئ البعض عندما يظن أن قصص الرعب بدأت مع الكاتب الراحل "أحمد خالد توفيق" في سلسلته الشهيرة "ما وراء الطبيعة"، فهناك بعض قصص الرعب التي ضمّتها سلسلة "ملف المُستقبل" جديرة بان تكون مُنافِسة لمثيلاتها. (ملحوظة الرعب في الكتب والروايات لا يُقصد به إخافتك بشكل مُباشر، ذلك لأن تلك الروايات فاقدة لعُنصريّ الخوف (الموسيقى التصويرية والمؤثرات البصرية) والتي تعتمد عليها الأفلام في إثارة فزع المُشاهدين. لكن الرعب في الروايات يكون غير مُباشر؛ أي يعتمد بشكل كبير على مدى خيال القارئ وتصوّره لإكمال المشهد بما نقص منه!)

     

    

ثُلاثية الموت الأزرق

الأعداد 36-37-39

الموت الأزرق - السماء المُظلمة - من وراء النجوم

   



   

لماذا يحاول الغزاة الزُّرق -الذين ظهروا فجأة في الصعيد- منع ضوء الشمس من الوصول إلى الأرض كيف يواجه نور ورفاقه وهم أعداء ويقاتلهم بشراسة من أجل الأرض؟ تُرى أينجح (نور) في إنقاذ الأرض هذه المرة أم يلقى حتفه تحت السماء المظلمة؟

 

    

مُغامرة شديدة الإثارة، جاءت بأكثر من حبكة مُركّبة شهيرة في الأفلام الغربية؛ مثل "لم يحدث" و "من أنت/م؟" "أين الحقيقة؟" "أصبحت خطرًا؛ يجب التخلّص منك". كل هذا في جو غامض خيالي، ومع كائنات تحاول الاستيلاء على كوكب الأرض.

هي من الروايات التي يجب قراءتها في السلسلة Must read ، وأعتبرها من قصصي المُفضّلة في السلسلة، بل وفي مُجمل ما قرأت في حياتي في هذا المجال.

      

     

ملحوظة:

قد يلاحظ البعض أنني لم أشر إلى الاعداد بعد العدد رقم 100، وهذا لأنني أرى أن السلسلة كانت قويّة مُتماسكة مُثيرة حتى هذا العدد. نقطة الذروة لأفضل مستوى للسلسلة كان عند العدد 80 تحديدًا، ثم بدأ المُنحنى بالاتجاه لأسفل بشكل مُتماسك لكنه متناقص؛ حتى وصلنا إلى العدد 100  (نعم أنا لا أحب أكرم 😊). بعدها حدث انحدارًا حادًا في رأيي بسبب تشابه الحبكات، أو لعدم منطقيتها، أو لظهور منافسين أقوياء على الساحة الأدبية. وللأمانة لم أقرأ الأعداد العشر الأخيرة من السلسلة. 


    

    

خاتمة

   

لكل سلسلة أعمال أدبية دورة حياة، تبدأ بلحظة شروق وتنتهي بلحظة أفول، وبين النقطتين يتذبذب منحنى الجودة. لهذا فقد كان هذا الهبوط في الثلث الأخير من السلسلة طبيعيًا. وقد كان الراحل "أحمد خالد توفيق" ذكيًا عندما أدرك مُبكّرًا هذه المشكلة فقرر أن يهرب من هذا الفخ وينهي سلسلته "ما وراء الطبيعة" عند العدد 80 على الرغم من المعارضة الشديدة لكثير من قُرّائه.

     



   

استمرار الدكتور نبيل فاروق في كتابة سلسلة ملف "المُستقبل" حتى العدد 160 ليس بالضرورة أن يكون قرارًا خاطئًا منه. أتفهّم جدًا مدى ضغط القُرّاء عليه لاستكمالها. هذا ديدن الإنسان الذي يكره لحظات الفراق ويرغب أن يعيش كل ما يُحبّه إلى الأبد؛ وهذا ليس من ناموس الحياة. كما أُقدّر أيضًا مدى صعوبة اتخاذ الكاتب لقرار قتل شخصيات رواياته التي عاشت معه ثلاثين عامًا.

         



    

اثنان وثلاثون عامًا منذ أن قرأت أول عدد في سلسلة "ملف المستقبل" والذي كان بعنوان" زائر من المستقبل" العدد رقم 6 – غرقت منذ ذلك الحين في مغامرات نور وفريقه بالكامل. تعلّمت منهم ما لم أتعلّمه في مدرستي، وما لم يخبرني به أبي أو أمي. وانفتحت أمامي أبوابًا مثيرة من المعرفة. وزاد ولعي بعلم النفس والتحليل النفسي. شغفت بعلوم الفضاء ونظريات الزمن. وعرفت طُرق التفكير المنطقي المُرتّب والبحث عن الحلول من خلال المُعطيات وتفنيدها. وتأصّل داخلي الانتماء لوطني ولهويّتي العربية.

 

وها قد أصبح الطفل رجلًا، وصار قارئًا ثم كاتبًا. وإن كان لديّ نصيحة يمكنني تقديمها، فأنصحكم بأن تستمتعوا بما تقرأوا وتحاولوا استكشاف ما بين السطور فيه، والتفكّر فيه والتعلّم منه. اجعلوا القراءة وسيلة لفتح آفاقٍ رحبةٍ من المعرفة. وامتنّوا لكل كاتب قدّم لكم الفائدة مُغلّفة بالمُتعة، حتى وإن أخطأ أو سهى أو تضاءل بريق حرفه في يوم من الأيام.

 

شُكرًا د. نبيل فاروق.

 


أحمد فؤاد

31 آب أغسطس 2020

 






google-playkhamsatmostaqltradent