random
أخبار ساخنة

الكاتب الوغد




عنوان صادم…أليس كذلك؟ نعم هذا صحيح، الكاتب في أغلب تصوراتنا هو شخص راقٍ، يملك من الأخلاق ما يجعله في مكانة عالية في تقييمنا. قد يكون هذا الانطباع قد تكوّن لدينا بسبب إيماننا بأن الثقافة والتي بالضرورة تنشأ بالقراءة والتعلّم، تُحسّن أخلاق المرء وتُشذّب السيء من أفكاره. تمنحه هذه الثقافة مساحة من التأمّل والتي بدورها تؤدي إلى التعامل مع الآخرين بقدر من سعة الصدر وتقبّل الرأي الآخر. وعلى الرغم بأن ذلك شيء يجب أن يشترك

 فيه كلاً من القارئ والكاتب، إلا أن الكاتب يظل في مرتبة أعلى من القارئ، ليس مقاماً بقدر ما قد تكون مسؤولية عليه، لا توجد مثلها أو ليس من الضروري أن توجد لدى القارئ بطبيعة الحال. ذلك لأن الكتابة هي وسيلة للتواصل بين شخص واحد من جانب وهو الكاتب وبين عدة أشخاص تترواح أعدادهم من بضع أفراد إلى بضع آلاف أوملايين، بل وقد يمتد التواصل حتى بعد رحيله عن الحياة. لهذا كان من المنطقي أن يكون دور الكاتب أكبر تأثيراً، وكعرض جانبي يكون أكثر عُرضة للهجوم على شخصه، كونه شخص واحد يعرفه الجميع، سهل الوصول إليه، بالإضافة إلى كون أفكاره الصريحة واضحة في كتاباته، ملتزم بها لا يستطيع أن يتهرّب منها، عكس القارئ الذي يستطيع التهرّب من أفكاره غير المرئية. لكن الكاتب بالنهاية هو مجرد انسان له أخطاء وعيوب وقصور،لكنه يمتلك ما لا يمتلكة أغلب القراء، فهو يملك كلاً من القدرة على عرض أفكاره في صورة حروف، كما يملك الجرأة على مواجهة العالم بعرض هذه الأفكار.

إن الكتابة جنس أدبي يندمج فيه العامل الإبداعي مع العامل الروحي، فعندما تتراص حروف الكاتب على الورق، يستطيع بموهبته أن ينمّقها من خلال أسلوب السرد وجماليته، يعطيها سحراً خاصاً تجعل لهذه الحروف معنى جديد، وكأنه يكتشف معان أخرى للكلمات. في الواقع هذا ليس بسبب أمر خارق للطبيعة، وإنما بسبب حقيقة هامة… أنه يصبغ هذه الحروف بروحه،وكأنها بصمة تُميّزه وتُعبّر عنه، وهذا ما يجعل وقع الكلمات يختلف أثره من كاتب إلى آخر.


   


لكن رغم ذلك فإن الروح التي تنبض من تلك الكلمات، ليست دوماً روحاً صادقة، بل قد تكون خبيثة أحياناً، فليس الكاتب شخصاً صادقاً بالضرورة، بل هناك بعض منهم لا يرتقون إلى منزلة المثقفين، إنما هم فقط يملكون ملكة الكتابة دون آدابها. هناك الكاتب الأفّاق الذي يُدلّس التاريخ عن قصد مثلاً، وهناك سارق الأعمال الأدبية، وهناك ممن يُشهّر بالآخرين على صفحات الكتب نكاية فيهم. وكل هؤلاء وممن شابههم، فإن وجودهم في الحياة ثابت مثل ثبات وجوب الشر. لا نستطيع القضاء على هذا النوعية، لكننا نستطيع إلقاء الضوء عليها والتحذير منها لاجتنابها.

أما على الجانب الآخر، فالقارئ يقع أحياناً في خطأ شائع ألا وهو نقد الكاتب بشخصه وليس لإسلوبه، سواء أعجبه النص أم لا. ولأن لكل شخص ذائقة خاصة يختلف بل ويتفرّد فيها عن بقية القراء، كونها تتكوّن من أفكاره ومشاعره وعقائده ومدى رجاحة عقله وقدرته على التأمل في ما وراء النص. فإن كل قارئ يعتقد أن له الحق في نقد أي نص -وهذا حقه- ونحن قد نتفق أو نختلف في الحكم على جودة أي عمل إبداعي. فنستطيع أن نسخر من أسلوب السرد أو قد نغضب من حوار في رواية، أو ندافع عن وجهة نظر مكتوبة في كتاب، لكن هذا لا يعطينا الحق في أن نسخر من الكاتب نفسه أو نُسيء إليه بسبب كتاب له. فالمفترض أن يكون التحضّر بين الطرفين هو أساس المناقشة، وإن كان الكاتب قد ناقش رأيه بشجاعة عن طريق كتابة أفكاره على الورق، فمن المفترض أن تكون المناقشة بنفس جنسها بأن تكون رداً كتابياً أو على الأقل فيمن خلال مناظرة شفهية ـ ذلك إن أراد القارئ أن يرد على ما جاء في ذلك الكتاب.

إن الإساءة ليست من صفات القارئ المثقف، ولا من صفات الكاتب المثقف، فكلاهما لا يحق له انتقاد الآخر بشكل شخصي، فالكتابة والقراءة هما من أساليب التواصل الراقية التي يتلاقى فيها الفكر، ويجب ألا ينسى كلاهما أن الحروف والكلمات هي بنود عقد مناقشة ضمنية -غير مًصرّح بها- يجمع بين طرفين.

كل حرف نقرأه يجب أن يُغيّر في طريقة تفكيرنا وإدراكنا للأمور، ليتغيّر معه أسلوب التعبير عن أنفسنا، ليصبح أكثر رُقيّاً وتحضّراً، ومن لم يتغيّر في أي مما سبق فهو لم يقرأ.




  
أؤمن بأن الثقافة التي نكوّنها من قراءتنا للكتب، تفرض علينا أن نكون على قدر المسؤولية بالارتقاء بأخلاقنا، كخطوة أولى للوصول لمجتمع مُتحضّر يتكون أساسه على الاحترام المتبادل لوجهات النظر. وإن كنا – كمثقفين – لا نستطيع القيام بهذا الدور في ظل مقاومة شديدة وسط أجواء عنصرية فوضوية تسيطر على هذا العالم، فعلى الدنيا السلام.

google-playkhamsatmostaqltradent