random
أخبار ساخنة

إيــلا : عن حُب من أول نظرة!


مهما أسهبنا في وصف جمال الصداقة، تبقى صداقات الطفولة هي الأجمل والأحب إلى نفوسنا، ففيها تكمن براءتنا التي ترسم قوس قزح مُلون بألوان الحب والبهجة. تجمعنا أحلامًا مستقبلية مليئة بقليل من الورود وكثير من الحلوى، غير عابئة بمستقبل يبدو أبعد من كواكب المجرات المجاورة لنا في الفضاء الفسيح! 


منذ الأمس وأنا غارق في التفكير بإيلا… وإيلا هي فتاة جميلة تبلغ من العمر أربع سنوات، وهي الصديقة الحميمة لابنتي نادين، رغم عمر صداقتهما التي لم تبلغ العام منذ بداية العام الدراسي الأول لهما في المدرسة. بضعة أشهر فقط كوّنت صداقة اعتقدت أنا وأمها في البداية أنها مجرد صداقة بسيطة تجمع بين طفلتين في مدرسة، لكننا فوجئنا مثلما فوجئ والدا إيلا أيضًأ أن الفتاتين مرتبطتان ببعضهما بشكل قوي للغاية. فإيلا لا تذهب إلى المدرسة إلا لأن نادين ستكون هناك، ونادين الصغيرة تحلم مساء كل يوم بالذهاب إلى المدرسة كي تلعب مع إيلا، عندما أقول تحلم بإيلا فهي تفعل ذلك حرفيًا، فلقد وجدتها في الكثير من الليالي التي أقوم في منتصفها كي أضع غطاء النوم الذي تزيحه من عليها كعادتها، أجدها تتحدث أثناء نومها تخاطب إيلا! 










صارت نادين مكافأةً لإيلا، وباتت إيلا حافزًا لنادين لكل ما نريد أن تقوم بفعله. بل أحيانًا أجد في حقيبة مدرستها الصغيرة التي تحمل فيها ألوانًا وكراسة رسم وبعض من أحلامها الجميلة، أجد في الحقيبة ألعابًا لها تحاول أن تخفيها عني، وعندما أسألها لماذا تأخذين ألعابكِ إلى المدرسة، تخبرني بأنها تريد أن تهديها إلى إيلا.

تأثّرت  بهذه العلاقة الجميلة بين هاتين الفتاتين الصغيرتين، والتي رغم نشأتها أمامي إلا أنني وبحكم رؤيتي لهما يوميًا فإنني لم أنتبه إلى مدى عمقها لدى  كلٍ منهما إلا مؤخرا. وعندما ذهبت إلى المدرسة في الصباح، راقبت كيف انطلقت كلتاهما -بمجرد رؤيتهما لبعضهما البعض- باتجاه الأخرى بشوق لم أصدقه بين طفلتين يقضيان معًا ست ساعات يوميًا، فشعرت ببراءة داخلي تأتي من ركن خفي في نفسي كانت قد انزوت مع تغيرات الحياة. 

فوجئت بأن الفتاتين ورغم أنهما غير منطويتين، بل تلعبان مع بقية الأطفال الآخرين بشكل عادي، إلا أن ذلك الارتباط القوي بينهما لا يجمعهما وبقية الأطفال. دفعني ذلك للتأمل في هذه الرابطة القوية التي جمعتهما، وتساءلت كيف يمكن لصداقة مثل هذه أن تتكوّن بين طفلتين لا تعرف أيًا منهما شيئًا عن الأخرى؟ وعلى أي أساس نشأت هذه الثقة غير المحدودة والتي أستطيع أن أميزها  عندما أقارنها  مع علاقة ابنتي بالأطفال الآخرين؟ كيف يمكن للإنسان أن يحب من أول نظرة؟ فطنت – إلى أن الأرواح بالفعل تتآلف دون أي تدخّل منا، وأنا الذي كنت أعتقد في السابق أن التآلف لا يكتمل إلا عن طريق إدراكنا وتمييزنا واختيارنا  قبول الآخر، و قد ظل اعتقادي قائمًا برغم بعض تجاربي التي لم تتفق مع اعتقادي ذلك. لكن علاقة إيلا ونادين غيّرت من قناعتي هذه، وجعلتني أؤمن بأن الأرواح بالفعل تتآلف وتحب وترنو إلى بعضها البعض دون وعي أوتدخل منّا، مهما كبرت أو صغرت أعمارنا.











نادين وإيلا من مواليد نفس الشهر!
في يوم نهاية العام الدراسي لطفلتي الصغيرة يوم أمس، وأثناء الاحتفال البسيط المقام لهذا الغرض بالمدرسة، قابلنا أنا وزوجتي والدا إيلا، واقترحنا أن تتقابل الطفلتان في إجازة الصيف، ليباغتنا ردهما بأنهم يستعدون للعودة إلى بلدهم الأم إسكتلندا. بهتني الرد ونظرت إلى زوجتي التي رأيت في عينيها نفس جزعي!

أصابني الأرق وأنا أفكر في الطريقة التي سأخبر بها طفلتي الصغيرة بهذا الخبر، لم أعرف كيف أقول لها ” آسف يا أميرتي الصغيرة… لن يكون هناك إيلا بعد اليوم.” كيف سأخبرها بأن الحياة ليست مُبهجة كما تظنين؟ كيف سأقنعها بزعمي أن احتضاني لها سيعوّضها عن بهجة صداقتها لإيلا؟

جاءتني نادين صباح اليوم وأنا ما زلت على فراشي غير قادر على النوم بعد، نظرت إلى الساعة ففوجئت أنها السادسة صباحًا، فجلست ورأيتها تقف أمامي ومعها حقيبة ورقية صغيرة ملوّنة عليها حروفًا وأشكال نقشتها بخط يدها الطفولي، فأمسكتها وابتسمت لها. سألتها عن هذه الحقيبة الجميلة التي جعلتها تصحو من نومها يوم الجمعة مُبكّرًا جدًا، فإذا بها تخبرني وكل سعادة الدنيا في وجهها “هذه من أجل إيلا.”











 شعرت بغصّة في حلقي، لكنني ابتسمت وأنا  أحاول ألا تتسرّب ملامح الحزن إلى وجهي، واحتضنتها كي لا أفقد سيطرتي وتلاحظ اختفاء ابتسامتي المخادعة. وفكّرت أنه كم هو موجع أن نرى فرحة أطفالنا تُكسر أمام أعيننا، دون أن نستطيع أن نمنع ذلك. وبالرغم من أننا ندرك أن هذا الدرس مهم جدًا في حياة أطفالنا لتعلّم  التأقلم مع متغيرات الحياة،  غير أنه لا يسعنا إلا أن نشعر بالوجع ونحن نراهم يتألمون وهم غير  قادرين على فهم الدرس. لكنني أعرف بأن الأيام ستمضي وستكبر طفلتي الصغيرة وتكمل حياتها بإذن الله تعالى، ولن تسعفها ذاكرتها بأن تتذكر عن عامها الدراسي الأول سوى أنه كان سعيدًا.

ستكبر نادين بإذن الله وستنسى إيلا، لكنني أبدًا لن أستطيع أن أنساها!

أحمد فؤاد



Designed by iconicbestiary / Freepik
google-playkhamsatmostaqltradent