حكاية هويدا
اليوم… في العاشر من مايو، أود أن أحكي لكم حكاية عن شخصية جميلة في حياتي… حكاية عن هويدا.
منذ أن تفتّحت عيوننا ونحن -أطفال العائلة-
نسمع عن خالتي هويدا، تلك الفتاة التي تحمل روحاً جميلة تنثر البهجة والمرح
في كل مكان تذهب إليه، تسرّب إلينا حبنا لها من حكايات أمهاتنا وخالاتنا
عنها، ونظراً لسفرها الدائم بعيدًا عن الوطن وعدم إقامتها معنا، فقد كان
اشتياقنا لها مُتّقدًا، وكنا دوماً نسمع عنها من جدّتي أو من أمهاتنا
الحكايات الكثيرة عنها، وتتطاير ضحكاتنا عن مواقف لها مع كل فرد في عائلتنا
الكبيرة. كان كل شيء يُحكَى عن هويدا ساحرًا مُبهجًا، حتى ظننت بعقلي
الطفولي حينها أن لها جناحان كالملائكة. لهذا كان طبيعياً أن نستعد لفترة
الإجازة عندما كانت تأتي لزيارتنا، فنتأهّب جميعاً لهذا اللقاء وكأنه
احتفالًا ضخمًا حتى أننا نعد الأيام والساعات في انتظاره.
عندما تأتي وتنتهي مراسم استقبالها الصاخبة،
تفتح حقيبتها السحرية و توزّع علينا هداياها فنشعر كأنها جاءت إلينا بها من
عالم آخر! نظل قابعين في بيت جدي لا نريد الذهاب لبيوتنا أبداً، ويغبط كل
منا الآخر إن بقي دقيقة إضافية معها، فيحاول كل منا أن يعوّض تلك اللحظة،
وعندما يقترب الليل ويغالبنا النعاس، كنا نفتّح عيوننا قسراً خشية أن يسرق
منا النوم لحظات تجمعنا بها. هكذا كانت هويدا التي أحببتها طفلاً.
عندما أراد الله أن يجمعني معها في بلد واحد في غربتي بعد أن أصبحت
رجلًا، أدركت أنني محظوظ، وغمرتني السعادة كمن يرى بطل قصته المفضلة يعيش
معه في مكان واحد.
عشت مع هويدا سنوات عديدة، ولمست قلبها المليء بالحب للجميع بلا
استثناء، وتمر السنوات ولا يسعني إلا أن أحبها كل يوم أكثر من اليوم الذي
يسبقه، فمعها لا يستطيع المرء أن يقابل حُبها إلا بامتنان، فهي لا تعترف
سوى بالحب، ولا يؤلمها إلا عدم الحب. فلم أر أحداً غاصباً منها قط، الجميع
أجمع على حبها وكأنه مًسلّمة من مسلمات الحياة.
أهدي هويدا هذه الكلمات لثلاثة أسباب، أولها لأنني لم أستطع أن أخبرها
بما يجيش في قلبي تجاهها، ذلك لأن الإنسان يصعب عليه قول ما يشعر به مباشرة
للطرف الآخر. وثانيها لأنني لا أعرف إن كان في عمري مُتسع لمواجهة ترددي
في إخبارها. أما الثالث فلأنني لم أبرع -حسب ظني- في التعبير عن نفسي سوى
بالكلمات، فأهديتها أغلى ما أملك… كلماتي
.
إلى هويدا التي ما زلت أراها-كما كنت صغيراً- طفلة جميلة رقيقة ذات روح مُفعمة بالحياة.
في يوم ميلادكِ… شكراً لكِ أنكِ في حياتي