random
أخبار ساخنة

عندما لا أكتب!

كيف تغيّر كل شيء عندما توقّفت عن الكتابة؟


أكتب هذا المقال وأنا أبتسم لشاشة الحاسب الآلي، لم أتساءل عن سبب ابتسامتي أو بالأحرى لا يعنيني ذلك. لا أصدق الحروف وهي تتراص أمامي على الشاشة وأقرأها وكأنها تظهر أمامي من العدم.! أتوقف وأتأمل الحروف المكتوبة فتتسع ابتسامتي وأشعر بأنني أخيراً قد عدت إلى الحياة.

في يوم ما… كل شيء تغيّر

فجأة وبدون مقدمات توقفت عن الكتابة منذ بضعة سنوات، كان أحد أهم أسباب هذا التوقف هو جفاف منبع الكتابة الأول… القراءة. تدريجياً مع انخفاض معدل القراءة بشدة، قل اهتمامي بالكتابة وتعاظم الكسل داخلي فلم أستطع أن أسطر كلمة، حتى أصبح كعاصفة ثلجية أصابت حروفي بالتجمّد. لم ألحظ ذلك حينها، كنت في حالة من اللاوعي، أدور في حلقة مفرغة من الروتين من حولي، روتين جفّف كلماتي، فذبلت حروفها وتلاشى معها عالمي الموازي، وأصبحت حبيساً داخل عالم واحد فقط… عالم اسمه الواقع!

مرت السنوات دون أن أحسب عددها، أعيش كسائر البشر في دوائرهم التي تتلاقى أحياناً وتتباعد دائماً. لكنني عدت أحسب عدد السنوات التي انقضت عندما شعرت بالاختناق. اختنقت تحت أنقاض الأفكار المتراكمة داخلي الممتزجة مع أرقام وحسابات المنطق والواقع، واختفت رحابة كانت ألوذ بها بين سطور كلماتي من أجل التأمل الذي ينقذني في كثير من الأحيان من تفاصيل الحياة المُنهِكة. لكنني لم أجد متنفّساً لتفريغ أفكاري، ولا استطعت فك شفرها كي أستطيع أن أعود إلى نفسي.! أصابني الضيق الشديد في مقتل، فلم أعد أرى لحياتي معنى، ولا في المعنى رضا ، ولا للرضا سعادة، ولا في السعادة تفريج لهذا الكرب.!

كرب من نوع غريب، أكاد أشعر بأن هناك شخص ما يحى بداخلي ،أو أنني قد توقفت أن أكون أنا! صار كل شيء من حولي خالياً من الحياة، وملأني هذا الخواء كآبة وغُصّة.






close up photography of hand near window
Photo by Renato Mu on Pexels.com
وقعت فريسة اكتئاب لم أفلح في الخروج منه بسهولة، أجلس كل ليلة أحاول أن أجد تفسيراً لحالتي. ظل السؤال مُلحاً لكن الإجابة نأت شهوراً وأيام، وعندما ضاقت كل الحلقات من حولي… فُرجت.!

الآن أفهم لماذا…

كان يوم من الأيام العديدة التي غرقت فيها في دوامات كآبتي، أسأل نفس السؤال اليومي… لماذا؟
ناداني حرف كتبته منذ أكثر من عشر سنوات، لأتذكر قصيدة كنت قد كتبتها عن الحزن؟ لم أشعر بنفسي إلا عندما بحثت عن كتاباتي القديمة، وبدأت أقرأ في تلك القصيدة لأقرأ بعدها كلماتي المنثورة في أعمال أدبية واحدة تلو الأخرى.
عندما قرأت حروفي القديمة، فإذا بها تلوّن مساحات رمادية قابعة داخلي لم أعد ألحظها منذ زمن طويل، بعد أن سادت داخلي وأصبحت روحي مجرد جزر متناثرة وسط فراغات محيطية ابتلعتني داخلها، وتهت معها في طرقات واقع الحياة





waves under white sky
Photo by Maximiliano Ignacio Pinilla Alvarado on Pexels.com

سرت رجفة داخلي عندما أدركت حينها أن كتاباتي أياً كان تصنيفها أو جودتها، هي بالأساس تكتبني أنا. نعم… انا أكتب كي أكون.
طالما كتبت سابقاً بغرض التعبير عن رأي أو إنتاج أدبي يتمثّل في قصيدة شعر أو قصة قصيرة أو خاطرة نثرية، أما الآن فقد أدركت أن الكتابة ذاتها تجعلني في حالة اتزان، وهذا شيء كنت أفتقده منذ حين.
جزعت بعدما انتبهت إلى أن حروفي قد نضبت، ورحت أبحث في ذعر عن بقايا حروف وأفكار داخلي، وكأنني أحاول لملمة شتاتي الذي يجمعه عقد حروفي التي تكتبني.

بَعْـث

تمر هذه الذكريات في عقلي وكأنها تخص شخصاً آخر، شخص أقسم سابقاً أنه قد فقد موهبة الكتابة وأنه لا يستطيع أن يكتب حرفاً مرة أخرى. أبتسم وأنا أتذكر أن اليوم يُكمل دورة سنة كاملة منذ أن عدت إلى الكتابة، سبحت في ذكريات العام الفائت، لأجد أن حياتي قد تغيّرت بشكل دراماتيكي، دبّت الحياة في حروفي من جديد، لتخلق عالماً موازياً جديداً أروع من سابقه. عادت الثقة في قلمي، فوجدتني أعكف على كتابة رواية بحجم لم أتخيّل كتابة ربعه.





grayscale photo of man walking in hole
Photo by Kasuma on Pexels.com

خلاصة تجربتي

أنا لم أمت عندما توقفت لفترة طويلة عن الكتابة، لكن روحي لم تكن ترى الزرقة في السماء، ولا تسمع تغريد البلابل، ولا ترى جمال الزهور.
كانت روحي حينها قد أصبحت رمادية، منزوعة الرغبة، تعيش في الدنيا بفعل قوانين القصور الذاتي.
وهنا أدركت أن العذاب ليس في الموت، بل في العيش بروح ميتة.!


كلمة أخيرة

نصيحتي لكل من يكتب… استمر بالكتابة… لا تتوقف… احرص على نشر ما تكتب إيماناً بأن حرفاً من حروفك قد يُغيّر حياة انسان… مثلما تغيّرت حياتنا في يوم من الأيام – وما زالت- بفضل حرف قرأناه.
google-playkhamsatmostaqltradent