random
أخبار ساخنة

مراجعة كتاب "قصص مختارة" - ميخائيل زوشينكو

   


 

 

على أحدنا أن يحكي عن تجارب الآخرين، الذين يمكن أن نقول عنهم إنهم بشر عاديون تماماً.

 

لمستني هذه الجملة فور أن وقعت عيني عليهاارتباك ما وقع في كيمياء عقلي ونفسيتمامًا كلحن عود أو ناي يعزف على أوتار الروح مباشرة!

 

ما أهمية التفاصيل التي تملأ حياتنا بالنسبة للآخرين؟ ولماذا نحن حريصون على مشاركتها؟ ولماذا هناك من يهتم بها ويراقبها ويتأملها ثم يصيغها في قصة أو حكاية؟ يزعم الكثير أن تفاصيل حياة الآخرين لا قيمة لها بالنسبة لهمتظل سخيفة وتافهة لأغلب الناسلا تُقارن بتفاصيل حياة العظماء أو قصص النجاح المُلهمةوهذا أمر مفهوم كون الإلهام -حسب الاعتقاد السائدلا يكون إلا من القصص الاستثنائيةلكننا نهمل حقيقة أن القصص الاستثنائية في الحياة هي القصص النادرةأو كما نقول هي المُختلِف الذي يثبت القاعدةالسواد الأعظم من البشر هم بشر عاديون جدًالكنهم مهوسون بتفاصيل النجاح الاستثنائي من أجل التعلق بالأمل بأن النجاح ما زال قابلًا للتحقيقكما هم مهووسون بقصص الاضطهاد والمعاناة رغبة في الشعور بالاطمئنان أنهم ليسوا في الدرك الأسفل من المعاناة؟!

 

لكن من يهتم بالتفاصيل الصغيرة لحيوات ملايين البشرما المميز فيها؟ ربما لا يوجد من يكتب عنهاربما لم تجد من يمكنه أن يتمعّن فيها ويُصقلها

 

من المستحيل أن تجلس مع شخص ما مهما دنى قدره إلا -وعند التمعن في حياتهأن تجد في أحلامه ومسيرته أمرًا مميزاًفكرة مختلفةطريقة مميزة للعيش

 

وهذا ما يؤكد عليه ميخائيل زوشينكو في قصصه المختلفة في هذا الكتاب

 



لا يتأمّل زوشينكو حياته أو حياة المحيطين به في عصره فقط، بل إنه يطلق العنان لتأملاته، ليدرك ببصيرة أن البشر في المستقبل لن يفهم أغلبهم انغماس من سبقوهم في الحياة في الحياة واستمتاعهم بمسرّاتها ومعاناتهم من شدائدها

 

بسلاسة بالغة يأخذنا الكاتب في جولات سريعة لعيش مشاهد من حيوات الناس في روسيا (الاتحاد السوڤيتيفي ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضيوعلى الرغم من المآسي التي تنضح بها تلك المشاهد، إلا أنها جاءت ملوّنة بالطرافة، أو ما نطلق عليه مصطلح الكوميديا السوداء“.

 

نعيش مع أهل موسكو أو ليننجراد الذين أجبرتهم السُلطة على مشاركة حياتهم الخاصة في شقق مشتركةتصرخ قصص ميخائيل زوشينكو سخرية عند وصف شكل معيشة ثلاث أو أربع أُسر في شقة واحدة بغرفتين أو ثلاث غُرف، مع حمام مُشتركيصوّر الكاتب التنافر من خلال تلك السخرية اللطيفة والتي ربما تصيبك بالكآبة في بعض اللحظات إن تجاهلت الطرافة والضحك الذي يخدعكأسلوب زوشينكو في النقد الساخر يُذكرني ببراءة مصطنعة لطفل لئيم!

 


لمحات عن الكتاب

 

نشهد في قصة المتوتّرون تنفجر أعصاب ساكني أحد الشقق من أتفه الأسباب، بينما في قصة الفقر“ يُصعق سُكّان آخرون عندما يتحقق حلمهم بدخول الكهرباء في شقتهم!

 

ونتسلل إلى مهازل المستشفيات العامة في قصة قصة مرض“ - ونضحك على سذاجة المواطن الذي يُصدق بيقين وعود السلطة للمواطنين في قصص مثل الأزمة“ و الراحة الصيفية“ و الكلوش“ و حذاء قيصري“ ”حوادث مؤسفة على نهر الفولجا

 

بينما يدهشنا تصرف الناس وأخلاقهم في الشارع أو في تعاملهم مع بعضهم البعض عندما تقرأ الكلب المُدرَّب“ و الزجاجة“ و النحل والناس“ و روزا ماريا“ و لعبة مُبهجة“ و غيوم“ و مغامرة قرد“ و الحمّام العام“ و عندما تستعيد صحتك“ و العرض المائي الرائع

 

 

وأخيرًا سيكون لنا لقاء مع ثلاث قصص طويلة لها طابع اجتماعي تأّملي فلسفيوهي قصصما أنشد العندليب“ و الليلك يتورّد“ و ميشيل سيناجين“. وعلى الرغم من أن القصص مكتوبة بأسلوب عتيق بعض الشيء على منوال الأسلوب الروسي القديم المتداخل الرؤية، واشتراك المؤلف في النص والتعليق عليهإلا أن المحتوى والأفكار المطروحة في القصص مثيرة للتأمل والتمعّن فيهاربما بعد فترة قصيرة من هذا التأمل ستصيبك الدهشة من التشابه الشديد بين البشر باختلاف أعراقهم أو معتقداتهم أو لغاتهم أو حتى عصورهم التي عاشوا فيها

 

 

اقتباسات 



من المؤكد تماما أن النحل لا يتحلى بالبيروقراطية أو اللامبالاة فيما يخص مصيره، لذلك فإن تمت معاملته بهذا الشكل، فمن المؤكد أنه سيتصرف مع الناس كذلك، وسيكون هذا عقابك.


نظرة ساخرة من المواطن "المثالي" الذي تنصاع حياته تحت شعار الالتزام بقوانين الدولة والمجتمع وفي محاولاته هذه تنفضح المهزلة وينفجر زوشينكو ساخرًا أمام عبث المثالية الحمقاء التي تجعل المواطن المثالي أضحوكة تدعو للرثاء.


فالإنسان مخلوق ساحر، فبغض النظر عن نوع الحياة التي يحياها ،فهو يحياها على نحو رائع ،اما أولئك الذين لا يستطيعون ذلك، فقطعاً ينتحون جانباً حتى لا تطأهم الأقدام .وليس بإمكان كل إنسان أن يستلقي في وسط الطريق ليعرب عن اعتراضه.

 

 

التقييم النهائي

 

يحاول زوشينكو بقصصه أن يوجّه القارئ إلى حقيقة هامةأن الإنسان مهما كان العصر الذي يعيش فيه فهو يعيشه بشكل كامل وعلى قدر استطاعته وبكل ما أوتي له من قوة، ذلك أن الإنسان كائن يتأقلم بسرعة شديدة وبكل كمال مع واقعهولهذا فإن البشر يعيشون السعادة والتعاسة في كل عصر بشكل مختلف ومتناغم مع العصر الذي يعيشون فيه

 

يصعب على أناس كل عصر أن يتصوّروا الكيفية التي يعيش بها أمثالهم في العصور الأخرى، لهذا تجدهم دومًا يُبالغون إما في مدح سُبل الراحة أو في استصعاب مشكلات الحياة، غير مدركين أن مهما بلغت قدرة الإنسان على تسخير الحياة لأجل راحته، إلا أنها لا بُد أن تجلب معها العديد من المشكلات الجديدة التي ربما لم تظهر من قبل


تقييمي للكتاب 4 نجوم ⭐️⭐️⭐️⭐️

 

   معيار التقييم:

  • نجمة = لم يعجبني
  • نجمتان = مقبول
  • 3 نجوم = أعجبني
  • 4 نجوم = أعجبني بشدة
  • 5 نجوم = استثنائي


أحمد فؤاد
9 حزيران - يونيو 2025
google-playkhamsatmostaqltradent