random
أخبار ساخنة

لحظة حيّة أكثر من الحياة ذاتها!





عن لحظات داخلنا تنتظر قُبلَة الحياة!

 


تداهمنا الذكريات في أغلب الأوقات بشكل غير متوقع. نسمة هواء مُنعشة. رائحة طعام شهيّ. موسيقى دافئة. كلمة. نظرة. ابتسامة. آلاف الاحتمالات في كل لحظة تجعلنا عرضة لأهوائها المُفاجِئة. 


لعلّنا نحن من نستدعيها بواسطة عقلنا الباطن. أو لعلّها رحمة من الخالق يمنّ بها علينا وسط قسوة الحياة. أو لعلّها مفتاح برزخ نسافر إليه كما نسافر في بعض الأحلام!


ربما الذكريات هي آلة الزمن الوحيدة التي يعرفها كل إنسان على وجه الأرض. مجرد شيء بسيط يخطر على البال. فورًا يمكنه أن يفتح لنا بوابة سحرية إلى الماضي. لنكتشف فجأة أنه ليس ماضيًا كما نظن. تُبعث الذكرى من سُباتها. تدبّ الحياة في تفاصيلها. تخفت الأصوات من حولنا. تبهت ملامح الحاضر. ولا يبقى في أرض الواقع سوى أجسادنا. تنغمس أرواحنا في أثير لحظة مُحددة بعينها. لحظة ليست في بُعدِنا المكاني. لحظة نابضة بالحياة. رُبما حيّة أكثر من الحياة ذاتها! 


تشتعل حواسنا بعنف. نتذكر كلمات -مضى عليها سنوات طوال- بحذافيرها. نسمع أصواتًا نعرفها جيدًا بكل نغماتها وإيحاءاتها. ونشعر بحرارة أجساد أشخاص رحلوا عن الحياة.




يعزف الحنين على أوتار قلوبنا سيمفونية شجن تتألف من مئات المشاعر واللحظات: عناق - قُبلة - جلسة عائلية - لعب مع الأصدقاء - تربيتة أم - احتضان أب.


في الغالب هي أمور بسيطة. بسيطة جدًا. ربما لم ننتبه لها في حينها من فرط بساطتها، حين انشغلنا بأمور توهّمنا أهميتها، قبل أن نكتشف أنها لم تكن بتلك الأهمية التي اعتقدناها. 


ننتمي بكل جوارحنا إلى تلك اللحظة المُركّزة من الذكرى رغم أننا لا نتفاعل معها. نحن نشهد عليها -فقط- مرة أخرى. نسترجع كل تفصيلة بكل دِقّة. 


نرتوي من تلك الثواني التي تغمر بُعد الزمن داخلنا. نلتمس كل الدفء الذي افتقدناه. كل الجَمَال الذي ضيّعناه. كل الماضي الذي انطفأ. وكل البراءة التي قضى عليها النُضج.





تُغلَق البوابة بشكل مُفاجئ مثلما فُتحَت. تُنتزَع أرواحنا من ذاك العالم، لترجع إلى أجسادها. ومثلما نعود من النوم مع كل استيقاظ. ننتبه… نتلّفَت حولنا… نتأكد من وجودنا في الحاضر. نملأ صدرونا بشهيقٍ طويلٍ نلملم به بقايا أوانٍ وَلّى. قبل أن نطلقه زفيرًا أطول، نُخرج معه الشجن الذي عُدنا به للتوّ. 


ترتسم ابتسامة على شفاهنا، رغم الحنين الذي يعصف بقلوبنا. ربما لاكتشافنا أن مِن الذكريات ما يمكننا أن نتلمَّس فيها بعضًا من السعادة التي تهرب منا في خريف العُمر. 


أحمد فؤاد

30 تشرين الأول - أكتوبر 2024

author-img
أحمد فؤاد

تعليقات

4 تعليقات
إرسال تعليق
  • حمد30/10/24 12:48 م

    مقال شجي، ذهبت بي ذاكرتي مباشرة للحظات التي جمعتني بك يا صديقي، وما زالت تلك اللقطة الباسمة بيننا ماثلة أمامي الآن.

    حذف التعليق
    • Ahmad Fouad photo
      Ahmad Fouad10/11/24 8:10 ص

      ومتى غابت تلك اللحظات عن البال يا صديقي؟! تدور الحياة حولها منذ ذلك الحين. هناك من اللحظات ما تُمثّل حياة كاملة للإنسان. واحسب أن اللحظات التي جمعتني بك كانت إحداها.

      عسى الله أن يجمعنا قريبًا.

      أحمد

      حذف التعليق
    • سما9/11/24 9:39 ص

      الله على المشاعر والذكريات واللحظات التي تذكرتها أثناء قراءة هذه التدوينة الرائعة.. وفعلا بعضها تكون بسيطة ككلمة أو جملة ولكن أثرها يبقى بكل تفاصيل اللحظة وكأني أشاهد المشهد من خلال كاميرا
      شكرا على هذه التدوينة الجميلة يا أحمد 🌷🌷🌷

      حذف التعليق
      • Ahmad Fouad photo
        Ahmad Fouad10/11/24 8:15 ص

        كم هو رقيق تعليقكِ يا سما!

        أغلب ما يؤثر فينا من ذكريات هي الأشياء البسيطة. لا أعرف لماذا هذه البساطة هي ما تترك الأثر الكبير الذي يبقى, ربنا لأنها تكون نابعة من القلب دون مجاملات أو تزيين. يكفي أن كلماتي البسيطة في المقال قد أثارت شجنكِ.

        شكرًا لكِ على قراءتكِ الجميلة ووقتك في القراءة.

        خالص الود
        أحمد

        حذف التعليق
      google-playkhamsatmostaqltradent