random
أخبار ساخنة

وساوس رقمية - قصة قصيرة

 


 

ذكاء اصطناعي 

   

جلس أمام الشاشة البيضاء التي طالما لاذ إليها. يستجدي فراغها كي يمتص بعضًا مما يعتمل في نفسه، ليشعر بعدها براحة تملأه وكأنه يُلقي بهمومه إلى صديق حميم!

 

مرّت دقائق. ظل ساكنًا في انتظار صفاء عقله من كل المُشتّتات التي تُحيط به. اعتاد أن الأمر لا يستغرق الكثير من الوقت. ربما بضع دقائق أو أكثر بقليل. أرّقه تعاقب الأرقام على الساعة الرقمية التي أمامه. شعر بأنه أحد الأضلاع التي تكوّن الأرقام الظاهرة على الشاشة الرقمية. يدور في كل اتجاه، يتلقّفه رقم ويتركه آخر، ليظل في دائرة لا تنتهي من التكرار. غلبه التوتّر فبات يرى في زهاء بياض الشاشة خطرًا يتربّص به. خواء عظيم على مشارف التهام كل أفكاره التي تتصارع إلى النفاذ إلى عالم الورق. أغمض عينيه بقوة دون أن يدري إن كان ذلك للهرب من خيالاته أم للتركيز ما يريد أن يكتبه.

 

منذ متى كانت آخر مرة كتب قصة أو رواية أو مقال أو أي نصّ؟ راوغته ذاكرته. أسبوع؟ شهر؟ رُبما عام! هزّ رأسه ينفض أوهامه. يخشى أن يقع مرة أخرى في مُستنقع الاكتئاب. تومض في عقله بعض الذكريات. كتب مقال الشهر الماضي، بل خمسة. وثلاث قصص أيضًا. سرى داخله شعور بالثقة بالنفس. سرعان ما بدأ في التلاشي عندما فكّر أنه لا يرى أنها نصوص تستحق حسب معاييره الخاصة! بالأساس… منذ متى كتب نصًّا يستحق التقدير!

 

صرخ في نفسه كي يهرب من الفخّ الذي نصبه له عقله. أخذ نفسًا عميقًا فعاد يرى بهاء الصفحة البيضاء. لكن مع مرور الدقائق لم تتمكن أفكاره من الهروب من عقله. فقرر أن ينهي محاولته هذا اليوم ويُجرّب يوم آخر. كاد أن يغلق الشاشة قبل أن يتذكّر أمرًا.

 

لماذا لا يُجرّب هذا الذكاء الاصطناعي الذي يتحدث عنه الجميع. لم يستحسن الفكرة كونه مُعارضًا لهذه التقنية اللعينة وبهوس الناس بها. تعجّب كيف يغفلون عن أنهم يساهمون في نسج شبكة عملاقة تصنع أعمالًا خالدة لأشخاص مُبهمة.

 

لكنه فكّر أنه ليس مُغفّلًا. لن يشاركها نصوصه. لن يستخدمها كي تصنع له نصًا أو قصة. هو فقط سيجعله ينشيء له عبارات بسيطة لربما يجد فيها بعض الإلهام كي ينطلق في الكتابة. فقط يوفّر له الطميّ كي يبني وينحت هو تمثاله العظيم!

 

ابتسم كونه سيسّخر هذه التقنية لخدمته، لمساعدته في الهروب من قلق البحث الدائم عن خط البداية الذي يجاهد في كل مرة كي يتبيّنه قبل كل مشروع كتابي. 

 

طفق يضع الكلمات في البرنامج. لمعت عيناه عندما ظهرت بعض النتائج. كتب مزيدًا من الأسئلة ليجد إجابات ثرية بعضها يعرفها وبعضها لم تخطر من قبل على باله.

 

راودته نفسه؛ ربما كان من الصعب إيجاد الفكرة، لكن الأصعب هو تركيب النص وصياغة الجُمل وانتقاء المعاني والألفاظ. 

 

فكّر؛ لماذا لا يطلب مساعدة الذكاء الاصطناعي لتخليق عدد لا محدود من الأساليب والعبارات؟ لِمَ لا يطّلع عليها ويختار بين عشرات الاقتراحات بدلًا من إهدار وقته الثمين في خلق الجُمل؟ برّر؛ إنه فنّان. والفنّ هو انتقاء الجميل وإعادة صياغته بشكل مُبهر. تذكّر اقتباس مارك توين الذي لم يكن يؤمن به سابقًا ”لا توجد فكرة أصيلة، كل الأفكار مُعاد تدويرها“ 

 

انسكبت منه أفكاره. يعرضها على البرنامج كي يقايضه بأنماط وقوالب تلائمها. أغرته الاختيارات التي تنبثق أمامه على الشاشة من العدم. خاض في لُجّ النتائج فانتشى بحلاوة التجربة. 

 

قام بتركيب العبارات المختلفة. يحيكها بمهارة جرّاح تجميل، يخفي عيوب دمج أوصال النصوص ببراعة. يحذف… يضيف… يصقل. تتشكّل العبارات الفاتنة لتخلق نصوصًا جذّابة. يُفتن بحصيلة تحريفه. يهتف: إنه عملٌ خَلّاب. ويخطر بباله أنه قد نجح أخيرًا فيما فشل فيه فيكتور فرانكشتاين!

 

حفظ النص. أغلق الجهاز. حان وقت الاحتفال. يثمل ببهجته. يطغى صخب النشوة على صفاء عقله. حتى أنه لم ينتبه إلى صرخات أفكاره التي حُبست داخل الشبكة إلى الأبد!

 

  

أحمد فؤاد - 8 آذار / مارس 2024

 

google-playkhamsatmostaqltradent