random
أخبار ساخنة

مُراجعة المُجلّد الثاني "الجماعات اليهودية -إشكاليات" - موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية - عبد الوهاب المسيري


  

ليس من السهل على الإطلاق قراءة موسوعة.

 


قبل أن تقرأ هذا الكتاب

 

موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية هي موسوعة ضخمة للغاية ومتشعّبة بشكل عميق في دراسة الشخصية اليهودية وتتبّع تاريخها الديني والسياسي والاجتماعي، ومحاولة إدراك الهوية الحقيقية لليهودي، خاصة وأن اليهود في نظر عبد الوهاب المسيري ليسوا شعبًا واحدًا بل أنهم غير مُتجانسين بشكل لافت للنظر. لم يكونوا مُتجانسين في التاريخ القديم ولا التاريخ الحديث ولا المُعاصر.

 

أثناء قراءتي للكتاب أزعجني بعض التكرار خاصة في الرُبع الأول من هذا الكتاب، وغفلت أن قراءة الكُتب تختلف عن قراءة الموسوعات. ثم انتبهت إلى أن الكتاب جُزء من موسوعة ضخمة تضمّ مُجلدًا كاملًا من مُجلدات الموسوعة الثمانية (المُجلّد الثامن) يحتوي على دليلًا لاستخدام الموسوعة ومُفتاحًا للمفاهيم والمصطلحات (تعريفات المفاهيم والمصطلحات الأساسية مُرتّبة موضوعيًا) بالإضافة إلى فهرس موضوعي (مُرتب حسب المواضيع) يشمل كل الأجزاء والأبواب والمداخل في الموسوعة بالإضافة إلى فهرس هجائي ألفبائي عربي وثالث ألفبائي إنجليزي.

 

ولأن العمل هو عمل موسوعي فمن المُفترض أن تحتوي المداخل أو الأبواب المُختلفة الكثير من المعلومات (قدر المُستطاع) الخاصة بالموضوع في هذا المدخل أو الباب، ذلك لأن الباحث لن يقرأ بقية الكتاب أثناء بحثه بل سيُركّز بحثه على بعض الأبواب.

 

ولهذا فيجب على كُل قارئ الانتباه إلى أن بعض التكرار -إن وجد- فلا يجب اعتبار ذلك ضعفًا في العمل بل هو -في رأيي- دليل إتقان من الكاتب لتسهيل عملية الوصول على كل باحث في هذه الموسوعة.

    

 

اليهود كما لم تعرفهم من قبل!

  


بعد أن أرسى الكاتب عبد الوهاب المسيري في الجُزء الأول من الموسوعة - مُراجعة الجُزء الأول "الإطار النظري"، القواعد والمفاهيم التي ستُسهّل على القارئ الإبحار في أجزاء الموسوعة. يغوص الكاتب في هذا الكتاب في نسيج التاريخ ليستعرض إشكاليات عن اليهود وطبيعتهم وأخلاقياتهم ووحدتهم المزعومة ومصالحهم وعدم انتمائهم وولائهم المزدوج الذي فرضته عليهم طبيعة حياتهم كأقليات على مدار التاريخ، بالإضافة إلى استغلال بعض الجماعات اليهودية أو الجماعات الصهيونية هذا الأمر للاستفادة من الفائض البشري اليهودي بشكل رشيد علماني مادي.

 

يحاول الكاتب خلال رحلته في هذا الجزء؛ أن يكسر الصور الإدراكية في أذهاننا عن اليهود واليهودية والتي فُرِض كثير منها علينا سواء عن عمد أو بجهالة. لهذا يضع الكاتب الحوادث المشهورة أو الدعايات البارزة أو الأخبار المُتعارف عليها، يضع كُل ذلك في سياقه التاريخي والجُغرافي ليوضّح لنا بالدليل القاطع أن أغلب هذه الدعايات مُجرد أساطير روّجت لها فئتان و"أيقنتها كلاهما لمصالح هامة" (من الأيقونة).

 

الفئة الأولى هي بعض الجماعات اليهودية من أجل زرع الخوف من الشخصية اليهودية (إرهاب العدو) والتسويق في سوق العمل أو السياسة للاستعانة بالشخصية اليهودية. أما الفئة الثانية فهم أعداء اليهود والذين قاموا بتضخيم هذه الدعايات من أجل الإطاحة باليهود واستغلالهم ومصادرة أموالهم وسرقتها.

 

وجدير بالذكر أن اليهود عاشوا بشكل متناغم في العصر الذهبي للحضارة الإسلامية وخاصة في شبه الجزيرة الإيبيرية (الأندلس) قبل انهيارها، وظلوا في نسيج الدول العربية حيث أصولهم حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، بعد أن بدأت الجماعات الصهيونية في استغلال الفائض البشري في أنحاء العالم لاغتصاب فلسطين وتوطينها، مع العلم بأن تلك الجماعات الصهيونية لم يكن يهمها اليهود أنفسهم بدليل أنها كانت تضحي بهم في عمليات قتل مُدبّرة في الدول المُختلفة مثل مصر والعراق على سبيل المثال، من أجل ترهيبهم وزرع حسّ الخوف داخلهم.

   


    

الخصوصية اليهودية المزعومة

     



  

من الإشكاليات التي حاول الكاتب تفنيدها وإخضاعها للمنطق والموضوعية ونجح في مسعاه: إشكالية العبقرية اليهودية (ألبرت آينشتاين – هاري هوديني – صموئيل بن يوسف بن تغريلة- يعقوب صنوع) والجريمة اليهودية (مائير لانسكي- ليوبولد تريبر)، حيث يروّج البعض عبقرية العقل اليهودي بشكل مُطلق، سواء في الخير أو الشرّ، وهذا ما رفضه الكاتب وفنّده بشكل ممتاز.

 

أيضًأ إشكالية العزلة والخصوصية اليهودية، وفكرة نقاء الدم اليهودي عرقيًا أو إثنيًا (حضاريًا)، والمشكلات التي واجهت اليهود في كل محاولة اندماج السياسي والاقتصادي والاجتماعي الحضاري على مرّ التاريخ منذ أن الأسر البابلي وحتى محاولات دمجهم وصهرهم في المجتمعات العلمانية المادية الحديثة. والمشكلات التي لا تزاد تلقي بظلالها في المجُتمع الصهيوني بفلسطين المُحتلة مثل الزواج المُختلط ونقاء الدم (الشعب العضوي). وعن مشكلة إحساس اليهود الدائم بالنفي الأزلي ورغبتهم المُتأصلة في العودة.

 

يتعمّق الكاتب في الجزء الثالث "يهود أم جماعات وظيفية؟" من هذا الكتاب ليكشف للقارئ الانتماء الطبقي للجماعات اليهودية وأسباب تحوّلها إلى جماعات وظيفية وعلاقتها بالزراعة أولًا قبل أن تتحوّل إلى الصناعة مع ظهور الرأسمالية والاشتراكية. وأوضح الكاتب أغلب أنواع الجماعات الوظيفية التي اشتغل بها اليهود على مرّ التاريخ في أغلب أنحاء العالم الغربي والآسيوي والعربي، مثل القتالية (مُرتزقة) والمالية (التجارة وجمع الضرائب والربا) وفي قطاع اللذة (البغاء) وفي قطاع تجارة الرقيق الأبيض، والطب والترجمة والجاسوسية.

 

كما فسّر دخول بعض الجماعات اليهودية في المجالات المذكورة على ضوء تعامل هامشية اليهود التي يعيشون فيها في كل بلد تقريبًا سواء إجبارًا من ملوك الدول أو تنفيذًا لبعض النصائح الدينية اليهودية.

 

 

هل يكره العالم -عبر التاريخ- اليهود حقًا؟

 

يزداد الكتاب مُتعة مع الجُزء الرابع "عداء الأغيار الأزلي لليهود واليهودية" والذي يُناقش فيه عبد الوهاب المسيري فكرة مُعاداة السامية ومعاداة اليهود مُقابل التحيّز لليهود (حُب السامية)، وعن المُسلّمات النمطية لمعاناة اليهود عبر التاريخ والتي ظُلموا في بعضها بسبب استغلال الحكومات المُختلفة لمثل هذه الرؤى النمطية لشيطنة اليهود من أجل طردهم من بلادهم لأسباب اقتصادية. كما استغلت أيضًا الجماعات الصهيونية مثل تلك الأحداث لترسيخ مفهوم كراهية الشعوب للشعب اليهودي في وسيلة لدفعهم إلى الرحيل والعودة إلى فلسطين أحيانًا.

 

وعدّد الكاتب الكثير من الأحداث الشهيرة في تاريخ اليهود مثل: حادثة دمشق-مذبحة بوجروم- اضطرابات فيتميلخ- حادثة دريفوس – المؤامرة اليهودية العالمية الكُبرى _بروتوكولات حكماء صهيون- العداء العربي لليهود واليهودية.

 

كما أشار الكاتب إلى بعض الكُتّاب الذين تطرّفوا في عنصريتهم تجاه اليهود مثل: شكسبير – فيودور دوستويفسكي – أوجست سترندنبرج – إدوارد أدولف درمون -آرثر تريبتش.

   


  

الصهيونية والنازية وجهان لعُملة واحدة

   



  

لكن أغنى الأجزاء في الكتاب هي التي تحدث فيها الكاتب عبد الوهاب المسيري عن الإبادة النازية بشكل عام والهولوكوست بشكل خاص، وكيف أن الإبادة النازية هي ابنة الحضارة الغربية الاستيطانية الاستعمارية الامبريالية، وبأن ضحايا النازية لم يكونوا اليهود فقط بل لم يكن اليهود النسبة الأكبر، بل كان البولنديون والسلاف والغجر يُشكّلون النسبة الأكبر، وهذا لا يعني أن اليهود لم يُعانوا في ظل النازية، لكن هذا ليس معناه أن يعطي المُجتمع الغربي الضوء الأخضر للكيان الصهيوني في ملاحقة مُجرمي الحرب النازيين فقط من أجل الانتقام لليهود دوناً عن أي ضحايا أخرى، ناهيك عن الكثير من القضايا المُلفقة من الموساد والتي رُفضت من أجلها بعض القضايا المُقدمة للمحكمة.

 

يخبرنا أيضًا في هذا الجزء عن إشكالية انفصال القيمة الأخلاقية عن العلم والتكنولوجيا في الحقبة النازية، وكيف تم توظيف الإبادة، وكيف تعامل المُجتمع الغربي مع هذه الإبادة. أيضًا فنّد الكاتب كل مزاعم الدولة الصهيونية في الترويج برقم ستة ملايين يهودي كعدد نهائي لضحايا الإبادة النازية. وذلك من خلال البحث الدقيق للوثائق المُختلفة والكتابات المُتخصصة عن مُعسكرات الاعتقال وأشهرها أوشفيتس.

 

وأخيرًا نستكشف إشكالية التعاون بين أعضاء الجماعات اليهودية والنازيين، وما هي الأصول الفكرية والتماثل البنيوي بين الصهيونية والنازية والذي أدى إلى هذا التقارب والتفاهم بين كلا الطرفين والتي تجلّت في معاهدة الهعفراه (نقل اليهود من ألمانيا إلى فلسطين).

   


اقتباسات

   

 


المصدر المباشر لهذه الصورة السلبية للأخلاقيات اليهودية هو يهود اليديشية في مرحلة ضعفهم وتفسخّهم في العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر حتى ثلاثينيات القرن العشرين، إذ تركّزت نسبة كبيرة منهم في تجارة البغاء حتى أصبحت شخصية القوّاد اليهودي والبغيّ اليهودية أمرًا شائعًا.

  



لم يكن هناك عباقرة يهود بين العرب إبّان فترات الانحلال في الحضارة العربية حين أُغلقت الحلقات الفقهية والمدارس التلمودية العليا في العراق بسبب انتكاس الحضارة العربية، بينما ازدهر الفكر العربي اليهودي في الأندلس بسبب ازدهار الحضارة العربية في الأندلس.

  

المستوطنون الأوائل في الولايات المتحدة الأمريكية كانوا يتوحّدون تمامًا بالعبراينيين القُدامى. فهُم في خروجهم من أوروبا ودخولهم الأرض العذراء، كانوا يتصورون أنهم يشبهون العبراينيين القُدامى حينما خرجوا من مصر ودخلوا كنعان، وأن استيلائهم على أرض أمريكا العذراء وإبادة سُكانها يشبه استيلاء العبرانيين على المُدن الكنعانية وإبادة سُكانها (حسب الرواية التوراتية). ومن ثَم نجد أن أرض أمريكا كان يُشار إليها بوصفها صهيون الجديدة، وكان المستوطنون يشيرون إلى أنفسهم بأنهم أبناء العهد.

  

يُعتبَر ظهور محمد عليّ والقضاء عليه عام 1840 النقطة الحاسمة في تاريخ الصهيونية، إذ بدأت القوى الاستعمارية تكتشف خطورة وقوع المنطقة في أيدي قيادة محلية، الأمر الذي سيُفقد فلسطين حدوديتها، فسعت إلى توطين اليهود فيها باعتبارهم عنصراً حدوديًا وجماعة وظيفية استيطانية حتى تظل فلسطين دائمًا منطقة نفوذ غريبة.

  

المشروع الصهيوني هو في جوهره مشروع لمساعدة أوروبا على التخلّص من فائضها اليهودي.

  

صرّح بن جوريون أمام زعماء الصهيونية العالمية: "لو عرفت أن من الممكن إنقاذ كُل أطفال ألمانيا بتوصيلهم إلى إنجلترا، في مُقابل أن أنقذ نصفهم وأنقلهم إلى فلسطين، فإنني أختار الحل الثاني، إذ يتعيّن أن نأخذ في اعتبارنا، لا حياة هؤلاء الأطفال فحسب، بل كذلك تاريخ شعب إسرائيل.

  

سُئِل هتلر عن سبب مُعاداته لليهود، فكانت إجابته قصيرة بقدر ما كانت قاسية" لا يُمكم أن يكون هناك شعبان مُختاران. ونحن وحدنا شعب الله المُختار."

  

الفضيحة الأساسية التي تغطيها عملية أيقنة الإبادة النازية، هي الجريمة التي ارتكبتها الحضارة الغربية في حق الشعب الفلسطيني الذي طُرِد من أرضه بموجب وعد بلفور وقرار هيئة الأمم المُتحدة وبدعم كل دول الغرب.

     

   


التقييم النهائي

 

كتاب "الجماعات اليهودية -إشكاليات" الجُزء الثاني من موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية للكاتب عبد الوهاب المسيري؛ كتاب مُهم جدًا. هو في الواقع رحلة تاريخية مُلهمة وثريّة للغاية تكشف الكثير من الأسرار المُهمَلة في كُتب التاريخ، كما يُعيد صياغة إدراكنا بالإشارة إلى النقاط التي قد لا ينتبه إليها البعض بعد أن يربطها لتكوّن لنا قرائن واضحة لحقائق طُمِسَت بعناية.

 

تقييمي للكتاب 4 نجوم

 

 

معيار التقييم:

  • نجمة = لم يعجبني
  • نجمتان = مقبول
  • 3 نجوم = أعجبني
  • 4 نجوم = أعجبني بشدة
  • 5 نجوم = استثنائي


   


   


أحمد فؤاد
28 أيلول سبتمبر 2021
google-playkhamsatmostaqltradent