random
أخبار ساخنة

مُراجعة كتاب "العالِق في يوم أحد" - عبد الله ناصر

    


    
لا تحاول أن تفهم، لأن كل محاولاتك للفهم لن تفلح هُنا!
     
في العادة؛ أحب أن أقرأ المُراجعات بعد انتهائي من قراءة كتاب، أبحث كثيرًا عن معانٍ مُختلفة لم أدركها، أو أُنقّب عن مضامينٍ خَفيّة في ثنايا السرد، أو كي يمتد النص معي إلى مساحة بحجم المُراجعات!
  
لكن هذه المرة -ولأول مرة- لم أقرأ مُراجعات القُرّاء على "العالق في يوم أحد" لاكتشاف معنى جديد لنصوصه، بل كي أبحث عن إجابة لسؤال واحد وُلِدَ مع أول قصة في الكتاب ولم يمُت بانتهاء آخر قصة فيه!
 
سؤالي كان "هل هناك من وجد نفسه بين هذه الحروف؟"

   
كنت أرغب في البحث عمّن سكنته الدهشة مثلي، وبعد قراءة المُراجعات بأكملها، وجدت أن الكثير إن لم يكن الأغلب قد سكنتهم نفس الدهشة بالفعل، حتى من لم يفهم المغزى في بعض القصص من قراءته الأولى.

  

الغريب أيضًا أن تأثير النصّ على نفسي جاء مُختلفًا عمّا كُتِب في جميع المُراجعات، فمعظم من شارك كان إما قارئًا لمجموعة الكاتب الأولى " فنّ التخلّي" وإمّا مُتابعًا لحساب الكاتب على منصّة تويتر أو على مدوّنته. أما أنا فكان شعوري مُختلفًا، فأنا لا أعرف الكاتب عبد الله ناصر على الإطلاق، ولم أقرأ له نصّا من قبل؛ سواء مجموعته الأولى أو أي مقالة أو قصة له على مدونته أو غيرها.

  
قد يكون هذا ما عمّق أثر الدهشة داخلي، وعزّز لذة استكشافي للنص، أو بالأحرى لذّة خربشة النص على صفحة روحي! خربشات تركت خطوطًا مُتعرّجة عميقة في النفس، لتبعث في ما كان مدفونًا داخلي لسنوات!

 
حاولتُ الهرب كثيرًا -من براثن ما كتب عبد الله- مع تقدّمي في القراءة، كنت أنتقل من قصة لأخرى وكأنني أفرّ منها، فتطاردني حتى أنتهي من أخرى فتطارداني. وبدأت أدرك أنني أهرب من نفسي في كل قصة، وأن مروري بكل واحدة منها كان بمثابة تجميعًا لشتاتي المُبعثَر بين حروف شخص آخر لم أعد أعرفه!
  

وهكذا حتى اصطدمت بنهاية الكتاب، فرأيت في مرآة تخيّلية مسخًا بحُطامٍ مُجمّعٍ كان قد صار رمادًا منذ زمن بعيد. وفطنت فزعًا أنه قد عاد إلى الحياة، وبأنني مُطالَب بأن أعيد القراءة من أجل أن أتصالح معه فأفسح له مجالًا في جسدي، أو أن أظل عالقًا معه في هذا الكتاب فأقتله!


ليس هُناك مبالغة... كل ما في الأمر أنني بالفعل وجدت نفسي في هذه القصص، فأنا كنت أكتب هذا النوع الأدبي المُبهِر - قبل خمسة عشر عام - والذي ابتلعني في عالمه حينها... فن القصة القصيرة جدًا.

  
وأنا لست في براعة الكاتب بكل تأكيد، لكنني أزعم بأن لدي خبرة مُذهلة في كيفية الحياة داخل النصوص، وبأن أتلبّس النصّ أو يتلبّسني، وأن في استطاعتي أن أنفصل عن العالم وأنكمش على نفسي لأسكن صحفة، وبقدرتي أن أكون نقطة أتنقّل على كل الحروف فأعيد معانيها دون أن أغيّر من شكلها شيئًا. وإني لمُتأكد من أنه يملك نفس المقدرة.

   

أثار الكتاب شجوني بكل حدّة بنصوصه التجريدية السيريالية، وتركني أمام لوحاته أضع ألف احتمال وأهرب من ألف ممكن. أعرف تلك اللعبة جيّدًا وكنت أظن غرورًا أنني - كوني صانعًا لها منذ زمن- سأكون مُحصّنًا كي لا أقع في شراكها كقارئ، وها أنذا قد وقعت!
  
   



    


كتاب "العالق في يوم أحد" مجموعة قصصية مُبهرة، لكنها شائكة ومُخادعة إلى أقصى حد. يظن قارئها أنه قد فهم النص؛ فينتهي به الحال كما ينتهي بالمُشاهِد في فقرة الساحر فاغرًا فمه مُتسائلاً "كيف حدث ذلك؟" ، ومن ثَمّ يغضب فيعاود المحاولة ويظن أنه بالتأكيد قد أمسك بتلابيب المعنى دون أن ينتبه أنه قد تورّط فيه أكثر، ويُعاند فيُعيد الكرَّة ليجد نفسه وسط بحرٍ من الرمال المُتحرّكة، يبتلعه دون أن يترك له المجال لاستيعاب حيرته " أنا لم أفهم بعد؟".
  

حسنًا... سأخبرك بالسر؛ لا تحاول أن تفهم، لأن كل محاولاتك للفهم لن تفلح هُنا. وكيف تفلح مع نص تتغيّر معانيه مع كل قراءة؟ هذا هو السر... فلا تُخبر أحدًا من فضلك!
  
هذا النوع من الكُتب من الصعب أن تقف منه على حافة الحياد، إما أن تنفر منه هاربًا وإما أن تغرق فيه بكل عُمق. وأنا قد غرقت... حتى النُخاع.

  
  
تقييمي... 5 من 5


    




أحمد فؤاد
google-playkhamsatmostaqltradent