random
أخبار ساخنة

مُراجعة كتاب "عالم يشبهنا" - مجموعة قصصية




   


     

هكذا هي الحياة... هكذا هو العالم الذي نعيشه، وهو نفسه العالم الذي يشبهنا في الكتاب!

     




أعترف أنه كان من الصعب عليّ أن أكتب مُراجعة لمجموعة قصصية كُنت أنا من انتقيت قصصها وقُمت بنشرها بنفسي. في البداية فكّرت أن كوني ناشر الكتاب قد يفرض عليّ أن أقف على الحياد من محتوى الكتاب. لكنني بعد أن تمعّنت في التفكير؛ خلصتُ إلى أنه يتوجّب عليّ التعريف بهذه القصص وإلقاء الضوء عليها وتوضيح رأيي فيها كقارئ مثلما أفعل مع الكُتب الأخرى. وكوني انتقيتها بنفسي فهذا معناه أنها أعجبتني جميعها.

 

في الواقع لم يعد الأمر مُجرّد إعجاب، بل هو أكثر من ذلك. لقد ارتبطت بي القصص بشكل أو بآخر فصرت أعرفها وآلفها رُبّما أكثر من كاتبيها! وكيف لا وأنا قرأتهم عشرات المرات على مدار شهور العمل على الكتاب، واخترعت لها عشرات التأويلات، حتى بِتُّ أعرف -من غزارة قراءتي لها- ما بين حروفها وما خلف تعبيراتها بل وما في جوف معانيها! أيُمكن أن نُطلق على علاقتنا بالحروف صفة "عِشرة"؟!

 

قد يتساءل القارئ عن الموضوع الذي تدور حوله هذه المجموعة القصصية التي تجمع اثنتي عشرة قصة من إبداع سِتّة كُتّاب وكاتبات. والحقيقة أن الإجابة جاءت واضحة في عنوان الكتاب "عالم يشبهنا". فنحن كبشر غير متشابهين ومن الطبيعي ألا نتشابه وألا نجتمع دومًا على حُب كتاب، لأن اهتماماتنا بالأساس مُتفاوتة. نتلاقى في هذه الدُنيا عند مُفترقات الطُرق، أو نتصادف أحيانًا في دروب الحياة؛ نتعارف، نتقارب، نجتمع. ثم نتفرّق فنُلاقي آخرين نُعيد معهم الكَرّه في موضوعات أخرى، بينما يُكرّر ذلك من قابلناهم أول مرة في جانب آخر من الحياة! تتعاقب الدورات وتزداد الدوائر، وتتبدّل الاهتمامات وتتبعثر الأفكار ونتخلّى عن بعضها ونتبنّى بعضا الآخر، نُنّميها بالتمعّن فيها فتنضج ليبني بها كُل إنسان رحلة نُضجه الخاصة. إن العالم الذي نعيش فيه مُعقّد جدًا، وكُل واحد فينا ليس لديه موضوعًا واحدًا يُمكنه أن يملأ به فراغات جهله.

 

هكذا رأيت كتاب "عالم يشبهنا" إنه يشبه جُزءًا من كُلٍ مِنّا. ليس شرطًا أن تُهمّك -كقارئ- جميع قضاياه، رُبّما تثيرك قضية واحدة فيه، ورُبّما لا تكترث بأي قضية فيه! هكذا هي الحياة... هكذا هو العالم الذي نعيشه، وهو نفسه العالم الذي يشبهنا في الكتاب!

     




    

قد يغلب على مُعظم القصص فكرة الفَقد، وذلك على الرغم من أنه يتقمّص عدة أشكال يظهر بها في القصص، مرّة في الحرب ومرّة في الغُربة ومرّة على فراش الموت! إلا أن في كل قصة يأتي الفقد بمعنى جديد، وقد أبدعت كُلا من بلقيس الملحم وريم بدر الدين بزال في قصصهما في التعبير عن هذا المعنى بشكل مُختلف في كل مرة.

 

ولأن الفقد ليس كُل شيء في الحياة، فستتطرق القصص في "عالم يشبهنا" إلى أمور أخرى مُختلفة، فنقرأ كوميديا سوداء بديعة في قصة عبد الخالق كلاليب الساخرة. ونستمتع بإبداع لُبنى ياسين في فانتازيا مُشوّبة بعلم النفس في وابل خيطانها المُبهر. ثم يأخذنا أحمد القرملاوي إلى قضيته الغامضة التي يعرضها بأسلوبه الرائع، ونرى وجه مُختلف من الفانتازيا وما وراء الطبيعة في قصتيّ "نافذة جانبية مُضاءة" و "الكُرة الزجاجية". بينما تؤلمنا بواقعية شديدة القصتان "فسفوري- قبيلة من أصوات صدئة"، قبل أن يرحل بنا أشرف العشماوي بسيارته الكاديلاك في رحلة مُدهشة عبر التاريخ والجغرافيا بشكل غير مألوف.

 

قد يستشكل على القارئ بعض الرمزية في القصص والتي تتفاوت في درجة غموضها وصعوبة تأويلها، ولكن الناقد البارع موسى أبو ريّاش يأتي في آخر الكتاب برؤية نقدية مُتكاملة وتفصيلية لكُل قصة على حده، فيقوم بمهارة بِفكّ كافة الرمزيات في الكتاب، وإلقاء الضوء على جميع القصص فيزيدها ألقًا على ألقها، وفتنةً قد تغري القارئ بإعادة قراءة القصص مرة أخرى.

 

 

ليست المُتعة فقط هي الهدف من قراءة قصص "عالم يشبهنا" وإنما كان الهدف هو إثارة الأسئلة في عقل القارئ. أو رُبّما إثارة مخاوفه، أو لعلّها محاولة استنباط لمعانٍ خفيّة في الواقع، أو محاولة ابتكار زاوية أخرى لرؤية الحياة بشكل مُختلف.

 

أحببت قصص الكتاب كافة، وتأثّرت بها وأثارت داخلي زوبعة من التساؤلات؛ لماذا نحب القصص؟ أنبحث فيها عن أنفسنا؟ أم أننا نهرب من واقعنا إليها؟ أم أننا نحاول أن نعرف من خلالها مآل احتمالات لم نجرؤ على خوضها؟ أنرغب في أن نرى نسخة شبيهة لنا في مرآتها. تُرى أيّ مِنّا انعكاس للآخر؟

 

كتاب "عالم يشبهنا" مجموعة قصص مُنتقاة، ترسم بأقلام كاتبيها تساؤلات ليس لها إجابة صريحة! لكنها تنسج واقعًا يكاد يكون ظِلًا لواقعنا، وتحكي لنا الكثير عن عالمٍ يشبهنا، أو هكذا نظن!

 

تقيمي النهائي

4/5

 

الكتاب مُتوفّر مجانًا على الرابط التالي - اضغط هُنا  

   



أحمد فؤاد
11 آذار مارس 2021

      

 

 

google-playkhamsatmostaqltradent