قُدرة بارعة على إثارة الملل!
لا شك أن الوقوع في براثن الإعجاب برواية،
هو حلم يتمناه كل قارئ عندما يُقدم على قراءة رواية جديدة. فيُمنّي النفس بتجربة تسمح
له بالتفاعل مع أحداثها والتماهي مع شخوصها.
قد لا ينجح الأمر في كُل رواية نقرأها، لكن
ما يثير حنقنا كقراء هو أن نُميّز رواية تصلح أن تكون رواية رائعة لكن ولأسباب
تقنية ينتهي بها الأمر إلى أن تكون مجرد رواية مُملّة!
بيت الأرواح - رواية إيزابيل الليندي
الأولى، والتي توقّعت منها الكثير، لكنني صُدمت بشكل قاسٍ منذ أن بدأت قراءتها،
ولم تفلح محاولاتي للتأقلم كُلّما تقدّمت فيها. وأرى أنه لولا الفصول الأخيرة
والتي تُمثّل 20% من الرواية (فترة الانقلاب) لاعتبرت تجربتي هي أسوأ تجربة قرائية
على الإطلاق .
الكاتبة تملك قُدرة مُذهلة في الوصف
وكتابة التفاصيل الدقيقة التي تنحت الشخصيات في أذهان القُرّاء نحتًا، لكنها -في
رأيي- تعدّت القدر المعقول في ذلك؛ ليتهلهل النص وتصبح التفاصيل مُجرد ثرثرة فارغة
من المعنى. وللأمانة؛ فقد تكون المشكلة كامنة في أسلوب السرد وليس التفاصيل نفسها
-حتى وإن زادت عن الحد- لكن أسلوب السرد الذي اختارته الكاتبة جاء مُحيّرًا
مُشتّتًا للقارئ خاصة في أول الفصول. وجاء التنقّل بين أسلوب السرد بصيغة
المُتكلّم وبين أسلوب العليم مُزعجًا للغاية. ناهيك عن استخدام تقنية إطلاع القارئ
على بعض المعلومات في مُستقبل الشخصيات. مثلما رأينا على سبيل المثال في شرح نهاية
العجوز استيبان تروبيا مع حفيدته.
وعلى الرغم من أن الكاتبة قد اختارت أن
يكون البطل ذكرًا، إلا أنها كانت مُتحمّسة جدًا للخط النسويّ وكتبت عنه بشكل
مُكثّف مُنتقدة حينًا ومُشجّعة أحيانًا، راسمة عشرات المواجع التي توضّح المعاناة
التي تعانيها النساء في المجتمع على مدار الأجيال المُتعاقبة.
شخصيًا رأيت أن إيزابيل الليندي قد فشلت
في رسم الواقعية السحرية الغرائبية في الرواية والمُتمثّلة في شخصية كلارا، والتي
شعرت أنها خرقاء بلهاء بتصرفاتها، على الرغم من المحاولات المُستميتة من الكاتبة لرسمها
بصورة ملائكية.
أيضًا لم يناسبني الهجوم الحاد من الكاتبة
على كل القيود المجتمعية والدينية والانتقاد الساخر والانتقاص منها بين السطور.
فجميع الشخصيات الدينية كانت عرائس تُحرّكها خيوط الكنيسة والكتب السماوية بينما
قلوبها تخفي تساؤلاتها عن جدوى الدين أو الشكّ في وجود الرب! حتى أن الشخصية التي
تُساعد الفُقراء بكل حُبّ ومُلتزمة دينيًا؛ جاءت كارهة حاقدة على أمها المريضة
بسبب خدمتها الطويلة لها، ناهيك عن أنها كانت سحاقية! أما جميع علاقات الزواج كانت
سيئة كريهة غير ناجحة، لكن الحُب الجميل الرقيق الناعم هو الذي يجرى خارج إطار
الزواج، وكل العلاقات الحميمية غير الشرعية هي دومًا الملاذ الآمن الذي تلجأ إليه
أغلب الشخصيات من أجل أن يحميهم من مشاعر الخوف والرعب واليأس.
أجمل الشخصيات هي شخصية استيبان تروبيا،
شخصية مكتوبة ببراعة، وقد عبّرت إيزابيل بصدق عن تقلّباته وتناقضاته خلال فترة
حياته. طفولته، عمله، حُبّه، قسوته، جبروته، طيبته، حتى ندمه، بالإضافة إلى تصوير حُبّه
للوطن ولحفيدته بكل إتقان. ولعلّ ذلك سببه أن أغلب الأحداث المُتعلّقة بهذه
الشخصية جاءت بأسلوب الراوي أي في شكل مذكرات كُتِبَت بقلم استيبان تروبيا نفسه.
وكما أشرت، كان أقوى أجزاء الرواية هو
الجزء الأخير فيها، وهو الجزء الخاص بالانقلاب العسكري. تحوّلت الرواية منذ هذه
اللحظة من رواية ميّتة إلى رواية حيّة. وصار هناك تسارعًا في الأحداث وتشويقًا
ملحوظًا وتعاطفًا مع الشخصيات. وهذا الجزء تحديدًا هو ما أنقذ الرواية في رأيي،
خاصة أنه جاء في الجزء الأخير منها مما سمح بأن يكون آخر ما يبقى في ذهن القارئ بعد
النهاية.
بخصوص الترجمة؛ لم أصدّق في البداية أنها
ترجمة صالح علماني، فقد رأيتها باهتة جدًا، ولا أعرف إن كانت الترجمة هي ما أساءت
للنص أم أن النص كان من السوء في أن تفلح ترجمة جيّدة في رأبه.
رواية بيت الأرواح كانت تجربة مزعجة
بالنسبة لي حملت لي الكثير من الملل، وقدر قليل جدًا من المُتعة
تقييمي 2 من 5