random
أخبار ساخنة

لم أجد شيئًا أكتبه!

  


     
  

لعلّها الرغبة في توثيق أفكاري وتصوير حالتي، هي ما دفعتني إلى العزم على كتابة هذه التدوينة اليوم، والذي يصادف أو يواطئ يوم مولدي؛ الثاني عشر من آيار مايو.





أو لعلّها نصيحة الشيخ الراحل عليّ الطنطاوي -رحمه الله- التي أحاول اتباعها؛ والتي نصح فيها الإنسان أن يكتب مُذكّراته كل فترة كي يقرأها بعد مرور وقت عليها ليرى كيف كان يُفكّر وكيف تغيّرت الأمور من حوله، ومدى تبدّل نفسه أيضًا. أو لعلّها رغبة في محاسبة النفس على العمر الذي يمضي دون أن أنتبه إليه رغم محاولاتي الصادقة للانتباه!

استيقظت صباح اليوم وداخلي رغبة محمومة للكتابة، وتعجّبت من هذه النزعة الغريزية التي استعرت داخلي فجأة، فرُحت أتساءل عن أسبابها على الرغم من أنني توقفت عن مثل هذه التساؤلات منذ زمن طويل، لكنني أنسى ذلك في كل مرة أشتهي فيها كتابة الحرف!


يضيق صدري بآلاف الكلمات التي تتسابق للفرار منّي! وأنا قد أدركت من واقع تجربتي أنها لن تتركني أهنأ بيومي حتى أذعن لها وأُطلق سراحها. لطالما تعجّبت من هذا الأمر الغريب؛ كيف يمكن أن تدفع الانسان قوة خفية داخله للكتابة رغم أنه لا يعرف بالأساس ما الذي سيكتبه! قد يكون هذا وحي القلم كما أطلق عليه مصطفى صادق الرافعي، أو قد يكون مجرد تفريغ وتطهير للطاقة النفسية (الديناميكية النفسية) مثلما يقول سيجموند فرويد. أو أنها رسالة إلهية تدفعنا لخطّ ما نشعر به من أجل أن يقرأها شخصًا ما فتؤثر به. لكن عليّ الاعتراف بأن مهما كانت الأسباب الدافعة للكتابة، يظل في فعل الكتابة في حد ذاته راحة لي.
  
لكنني عندما شرعت في الكتابة لم أجد شيئًا أكتبه!
  
   

  
مرّت نصف ساعة كاملة وأنا أحدّق في الصفحة البيضاء التي أمامي؛ أحاول اصطياد بضع كلمات تساعدني في كتابة هذه التدوينة. لكنها ظلت تراوغني؛ كلما حاولت الإمساك بها نأت عنّي وولّت. يزداد سخطي كلما مرّ الوقت على هذا الحال، ولعل هذا لأنني لا أهوى الصيد. أتذكّر الآن سذاجتي في عمر المراهقة وبدايات عمر الشباب؛ حينما اعتقدت أن تجنّبي لهواية الصيد سيُبقيني في مأمن من مواجهة الصبر؛ فلما ابتعدت عنه منذ صغري، فإذا بالحياة تستدرجني إلى عالم الكتابة، والذي أدركت لاحقًا أنه أشقّ على نفسي بعشرات المرات من الصيد!

مستحيل أن تكون كاتبًا دون أن تتسلّح بالصبر. عندما تبدأ بالكتابة ترى آلاف الكلمات في رأسك جاهزة للقنص، لكنك تظل عاجزًا عن اقتناصها، وكأنها كانت سجينة تنشد الحريّة، وعندما حان وقت هروبها إلى العالم الرحب؛ جَزَعَت منه! تجلس أنت أمام الورقة البيضاء تستجدي الكلمات بِصَمْتك. وعندما يأتي موعد لقائك بالكلمة الأولى، تتفاجأ بقدرتك على نثر الكلمات بكل سهولة ويسر، وكأنك أصبحت مغناطيسًا ضخمًا يجذب الكلمات من كل حدب. تتسع ابتسامتك وأنت تُنظّم الكلمات لتكوّن جُملًا وفقرات تتكاثر كانشطارات متتالية لا تتوقف. لكنك وعلى الرغم من نجاحك هذا إلا أنك للأسف لا تقنع به، لا يوجد كاتب يقنع بمسودته الأولى.!
  
إن كان الصيّاد يفرح بإخراج السمك بصنارته أو بشبكته بعد صبر طويل، فهو بالتأكيد لا يعرف أنه أكثر حظًا من الكاتب، والذي يجلس لساعات من أجل صيد بعض الكلمات لتركيب بعض الجُمل، ثم ينظر إليها فلا تعجبه فيرميها ليحاول اصطياد غيرها، قبل أن يكتشف لاحقًا أنه يريد استخدام الكلمات التي اختارها في البداية مرة أخرى! ويظل في هذه المتاهة بين بحث واختيار وحذف إلى أن يستقر على نظم ما، أو قد ينتهي به الحال إلى  شطب كل ما كتبه! أليس في ذلك مدعاة للإحباط؟ أليس في الاستمرار في الكتابة بهذه الطريقة كي تخرج في النهاية بشكل جميل يرضى القارئ؛ صبرًا عظيمًا؟

    
مرّت ساعتين كتبت فيها ما ظننت أنه لا يحتمل التأجيل! لكنني عندما قرأت ما كتبته بعين من سيقرأ هذه الكلمات؛ لم أجد فيه شيئًا يستحق القراءة، أو هكذا أظن!
   
ألا تتفقون معي؟  

  
أحمد فؤاد
12 آيار مايو 2020


google-playkhamsatmostaqltradent