طلب مني أحد
الأصدقاء مؤخرًا أن أصوّر له مكتبتي الشخصية، وقد أجبته بأنني لا أستطيع تلبية
طلبه لأنني في الحقيقة لا أملك مكتبة شخصية.
اِندَهَش مثلما اندهش جميع الأصدقاء الذين أخبرتهم بذلك سابقًا، وكان سبب ذلك هو أنهم يعتقدون أنني أملك مكتبة ضخمة نظرًا لأنني أقرأ منذ زمن بعيد، وذلك يرجع إلى الصورة الذهنية التي لدينا –وأنا أولهم- أن القارئ الحق هو من يملك مكتبة عظيمة، يرجع لها في أي وقت وعند الحاجة إلى ذلك.
اِندَهَش مثلما اندهش جميع الأصدقاء الذين أخبرتهم بذلك سابقًا، وكان سبب ذلك هو أنهم يعتقدون أنني أملك مكتبة ضخمة نظرًا لأنني أقرأ منذ زمن بعيد، وذلك يرجع إلى الصورة الذهنية التي لدينا –وأنا أولهم- أن القارئ الحق هو من يملك مكتبة عظيمة، يرجع لها في أي وقت وعند الحاجة إلى ذلك.
لعلّ تجربتي
الشخصية هي ما جعلتني أغيّر هذه الصورة في ذهني، بعدما وجدت أن هذا الارتباط بين
مكتبة الكتب الورقية وفعل القراءة ليس ارتباطًا شرطيًا بالضرورة.
نشأت في أسرة
ليس من هواياتها القراءة، فأبي رحمه الله لم يكن قارئًا إلا للصحف، كان تاجرًا
ماهرًا وليس لديه الوقت الكافي للقراءة حسب وجهة نظره، لكن للأمانة كان واعيًا
ومُطّلعًا فيما يدور حوله سياسيًا أو اجتماعيًا ولعلّ ذلك يرجع إلى تعدد أسفاره.
حتى أمي حفظها الله لم تكن قارئة نهمة، تنحصر قراءاتها في بعض الكتب الدينية أو
الاجتماعية.
بديهيًا...
لم يكن في بيتنا مكتبة شخصية، ولم آلف شكل الكتب في منزلنا، وكنت أنفر من القراءة
في صغري، وعندما بدأت القراءة في العاشرة من عمري تقريبًا؛ كان ذلك بدافع الوحدة
التي عشت فيها تلك الفترة!
عندما بدأت الكتب
-التي كانت قصصًا حينها- تتكاثر، احتفظت بها في أحد أدراجي، ذلك لأنه لم يكن لدي
غرفة خاصة بي. ومع مرور الوقت تضاعفت الكتب في درجي حتى امتلأ؛ فانتقلت إلى أدراج
أخرى.
أثّر ذلك على
شرائي للكتب؛ ذلك لأنني لم أجد مساحة كافية لتخزينها، فكنت أضطر إلى الالتزام بعدد
معين بل وأحيانًا بحجم معين للكتب كي تناسب مساحات التخزين المُقررة لي.
ولسوء حظي أو
لُحسنه، فأنا كنت -مع أسرتي- كثير السفر، وبالتالي لم يكن لدينا بيتًا ثابتًا، بل
يتغيّر بيتنا كل بضعة سنوات، حسب تغيرات الحياة من عمل أو دراسة أو سفر. ومازلت
مُستمرًا في هذه الدائرة غير المستقرة بسبب سفري الدائم حتى الآن، وتغيّر منزلي كل
بضعة سنوات، وكأنه قدر مُحتّم عليّ!
صاحبني عدد
بسيط من الكتب التي نَجَحَت في البقاء معي خلال رحلتي المُتقلّبة في الحياة. بعضها
لم أستطع الاستغناء عنها إما لقيمتها، وإما لارتباطي العاطفي بها كونها تحمل بعض
الذكريات الجميلة لي.
في الحقيقة
أنا شخص مُسالم أؤمن طواعية بأن البيت مملكة المرأة، لهذا لا أتدخل في تنظيم
وترتيب الأماكن في المنزل إطلاقًا، وأنا بالأساس لا أهوى مثل هذا التنظيم على كل
حال، ويبدو أن ذلك قد حرّض زوجتي وبناتي كي يستولين على جميع المساحات الصالحة
لتخزين الكتب. لكنني استطعت في النهاية الحصول على رفٍّ أستطيع وضع بعض الكُتب
عليه، كما تنصّ الفقرة 3 من ملحق الاتفاقية المُعدّلة للمرة الخمسين لمنزلنا السعيد.
ولي أن أفتخر بحصولي على هذا الحق، رغم تظاهري بجهلي بأن كُتبي تُستخدَم من
قِبَلهنّ أحيانًا في أغراض غير القراءة!
كان ولا يزال ولعي بالمكتبات قائمًا، سواء المكتبات الشخصية أو المكتبات العامّة أو المكتبات الخاصة ببيع الكتب. منذ أن كنت صغيرًا كنت أقف مُتأمّلًا المكتبات الشخصية لبعض أقاربي أو أصدقاء والدي. أُبحر في عناوين الكتب في افتتان وأتمنى أن يكون لدي واحدة مُتخيّلًا بسذاجة أن الوقت يكفي لقراءة آلاف الكتب. لكنها بقيت عندي إسطورة جميلة مُبهجة، لكن لم تعد حاجتي لها لازمة.
تحوّلت إلى
القراءة الإلكترونية منذ ثلاثة أعوام، لتحدث طفرة هائلة في عدد الكتب التي أقرأها، فلم تعد المساحة تحد شرائي للكتب، وأصبحت أستطيع القراءة في كل
مكان وأي وقت. لكنني بقيت لا أحتفظ بالكتب حتى ولو اشتريتها الكترونيًا. أدوّن ملاحظاتي
على القارئ الالكتروني، أو أقوم بكتابتها في دفتري الخاص، وأخيرًا اتجهت لأن أكتب قراءتي
للكتب واقتباساتها التي أعجبتني في صورة مراجعات طويلة. هكذا لم أعد حقًا في حاجة
إلى الكتب نفسها. أو هكذا أظن.
لم يعدّ شكل
الكتاب سواء كان ورقيًا أو الكترونيًا مُهمًّا وإنما محتواه. ولم تعد فكرة الاحتفاظ بالكتب تؤرقني. أنا
مُجرد انسان يُحب القراءة... أحتفظ بالكتب في عقلي بما يسمح لي باستيعابه، وفي يوم
ما... إن فقدت عقلي؛ فأظنني أنني لن أحتاج حينها إلى الكتب.
أحمد فؤاد
25/03/2020