random
أخبار ساخنة

صراع الـPDF بين القارئ العربي والناشر العربي : حلول لإنهاء الصراع




عندما نتحدث عن القراءة وعن الكتب في هذه الأيام، فسنجد كل الجدل في كلمة واحدة… كلمة تُسمى القرصنة.
لا يخفى على أحد الصراع المحتدم بين دور النشر وبين الكاتب من جهة، وبين القارئ العربي من جهة أخرى، فكيف نشأت ولماذا؟

في البداية دعونا نوضّح ما هي الخطوات اللازمة لنشر كتاب واحد:






person typing on typewriter
Photo by rawpixel.com on Pexels.com
الأساس أن يكون هناك كاتب كي يكون هناك كتاب، والذي يبيع حقه الأدبي في الكتاب الذي يرغب في طباعته، ثم يتبع ذلك مرحلة التدقيق الإملائي، وبعدها يأتي دور مصمم الكتب الداخلي، ثم مصمم الغلاف الخارجي، وبعدها يأتي دور الطباعة ثم دور النشر وبعدها التسويق، وفي حالة الكتاب المترجمة يجب أن يتم إضافة دور المترجم. كل دور من هذه الأدوار والمراحل المختلفة منذ كتابة الكتاب وحتى توزيعه، هي في واقع الأمر وظائف يشغلها أشخاص يتقاضون عليها مقابل مادي، أي نستطيع أن نقول أن تكلفة الكتاب الواحد يشمل أجور هذه الوظائف بالكامل، بالإضافة إلى نسبة مكتبات التوزيع، يأتي بعدها تحديد هامش الربح بالنسبة لدار النشر فيتم تحميل ذلك كله على ثمن الكتاب ليتحدد سعر الكتاب النهائي.

كانت قرصنة الكتب فيما سبق وقبل ظهور القرصنة الإلكترونية قائمة على طباعة الكتب الأصلية بصورة أقل جودة وبشكل غير قانوني، ومن ثم يتم بيعها مرة أخرى بمبالغ أقل بكثير من سعرها الأصلي، بعد أن تم تخفيض تكاليفها الثابتة المتمثلة في أجور المراحل التي سبق أن شرحناها، أي باختصار بعد أن يأخذ الكتاب بشكل جاهز وبدون أي مخاطرة في عملية البيع، حيث أن الكتب التي يتم قرصنتها وطباعتها مرة أخرى هي الكتب المشهورة والتي حققت نجاحاً.

لم تنتشر هذه الوسيلة بشكل يؤثر على دور النشر بسبب سهولة تتبّع المطابع أو مراقبة منافذ توزيع هذه الكتب المُقلّدة.
لكن الصورة قد انقلبت تماماً عندما دخلنا العصر الرقمي، أو كما يطلق عليه القُرّاء عصر الـ PDF.
e-books
كسرت القرصنة الإلكترونية كل القيود المفروضة على تقليد أو نسخ الكتب، فهي غير مُكلّفة، لا تتطلّب أية خلفيات فنيّة، كل ما هو مطلوب أن يتم تصوير الكتب ووضعها في كلف بصيغة تُسمّى PDF اختصاراً لـ Portable Document Format ، وهي بالعربية تعني مجازاً مستند مُصوّر. انتشرت هذه الصيغة كما النار في الهشيم على جميع المواقع تنهل من المخزون الثقافي الورقي ليتم تحويله إلى كتاب رقمية. يبرر من يقوم بذلك برغبته في نشر الثقافة ومُساعدة الفقراء غير القادرين على شراء الكتب بثمن باهظ.
في البداية لم تكترث دور النشر لانتشار الكتب بصيغة PDF بسبب عدم انتشار الأجهزة المحمولة ذات الشاشات الكبيرة المريحة للقراءة، وبسبب صعوبة القراءة على أجهزة الحاسب الآلي، ولرهانهم على تمسّك القارئ بالكتاب الورقي. خلال السنوات التي تلت ذلك تغيّرت المعادلة مرة أخرى بعد انتشار الهواتف الذكية ذات الشاشات الكبيرة وانتشار الحواسب اللوحية، كما ألف الناس استخدام برامج التواصل الاجتماعي المختلفة مما بات قضاء الكثير من الوقت على الهاتف في القراءة أمراً عادياً.

انتبهت مُؤخراً دور النشر لذلك، فحاولت الدخول إلى هذا المعترك بتوفير كتبها على مواقعها الالكترونية من خلال توفير برامج مُخصصة للقراءة على الهواتف الذكية. للأسف وكعادة الشركات في دولنا العربية، لم تدرس أصول الأثير الرقمي، ولم تعرف أبعاده ولا متطلبات جودة البرامج المستخدمة فيه. كانت هذه البرامج سيئة للغاية من الناحية البرمجية، ومليئة بالمشاكل التي تدفع القارئ دفعاً إلى الندم على شراء الكتاب أو استخدام البرنامج أو تدفعه إلى التوجه إلى الملفات المقرصنة.

skull-and-bones
تفاقمت المشكلة بسبب النطرة المتعالية لدور النشر، والإصرار على جني الأرباح بطريقة تخالف منطق التجارة الإلكترونية، مما جعلها في مرمى الاتهام بالجشع. من ناحية أخرى عزف القارئ العربي عن شراء هذه النسخ من الكتب الإلكترونية لعدة أسباب منها ضعف جودتها أو جودة البرامج التي يستم استخدامها للقراءة والمتاحة من قبل دور النشر، ولسبب المُغالاة في سعر الكتب الرقمية والتي تقريباً تُباع بنفس سعر النسخ الورقية، بالإضافة إلى عدم توفير دور النشر لجميع كتبها، بل قامت بإتاحة بعض الكتب إلكترونياً إما لأسباب تسويقية أو لاختيارات عشوائية كي تثبت أنها موجودة بالفعل على ساحة الشبكة الإلكترونية.

وبعد؟

قبل محاولة طرح حلول، علينا أن نفهم لماذا تنتشر كتب الـ PDF، وما سبب عزوف القارئ العربي عن شراء الكتب الإلكترونية
يعود ذلك في الواقع إلى عدة أسباب، أولها أن القارئ العربي لا يعترف بشكل عام بالكتب الإلكترونية كمنتج ملموس. عندما يشتري كتاباً ورقياً فيشعر به بين يديه فيشعر أن له قيمة. أما عندما يشتري كتاباً إلكترونياً فإنه يعتبره في الواقع شيء غير موجود. حتى بعد الانتهاء من قراءته يتحول إلى مجرد ملف مُهمَل على هاتفه أو جهازه اللوحي وسط آلاف من الملفات المتراكمة لديه، فيشعر بأنها شيء بلا قيمة، خاصة وأن الكثير منهم بالأساس يستخدم معظم البرامج وأنظمة التشغيل بشكل غير قانوني لتكون مجانية.
أما السبب الثاني فهو أن القارئ العربي اعتاد على توفّر هذه الكتب المجانية، ويعتقد أن الناشر أو الموزع لا ينقصه أرباحاً لأنه حقق أرباحاً مُغالى فيها في الأساس من أرباح الكتب الورقية.
وبالتالي فإن معظم الشباب الذين يوفرون الكتب المصورة PDF، هم في الواقع يقدمون على فعل مقاومة، إنه احتجاج ضد جشع دور النشر والموزعين بتوفير أسعار الكتب بسعر عالي، بالإضافة إلى تعاليهم وتوفيرهم للكتب الإلكترونية -إن وفروها بالفعل- بأسعار تقارب سعر النسخ الورقية.
livre-de-relevé-sur-la-tablette-d-ordinateur-d-ipad-20846167


ما هو الحل إذاً؟


الحل يكمن في فهم دور النشر لقواعد التجارة الإلكترونية بشكل جيد، بالإضافة إلى الاستماع إلى اعتراضات القارئ وتنفيذ بعض مما يطلبه باعتبار أنه هو المستهلك وهو العميل بالنهاية، ولعل من أهم مطالبات القارئ العربي
أولاً: ألا تعتبر دور النشر الكتب الإلكترونية مصدر تغطية تكلفة كتبها الورقية، بل يجب أن تعتبرها وسيلة تحقيق دخل إضافي إلى أرباحها. لأن هذه النسخ لن تغطي تكلفة الكتب الورقية لاختلاف طرق التسويق واختلاف ذوق مشتريها.

ثانياً: يجب تخفيض أسعار الكتب الإلكترونية لتصبح نصف سعر الكتاب الورقي، بل وتقوم في بعض المناسبات بعمل عروض ليصبح سعر الكتاب ربع السعر الورقي. وذلك بسبب أن الكتاب الإلكتروني لا يجب أن يتم تحميله بمصاريف الطباعة أو تصميم الكتاب الداخلي أو التخزين والتسويق وعمولة مكتبات التوزيع، كل هذه المصاريف هي تخص الكتاب الورقي، والتي يجب خصمها من السعر المحدد لينتج عن ذلك سعر جذّاب للكتاب الإلكتروني.

ثالثاً: يجب توفير هذه الكتب الإلكترونية على جميع المنصات المختلفة بما فيها شركة أمازون التي قامت بدعم اللغة العربية مؤخراً
رابعاً يجب توفير كل طرق الدفع المتاحة بحيث تكون مناسبة للشباب بالذات كونهم الجزء الأكبر من المشترين أو القارئين عبر الأجهزة الذكية.
خامساً : يجب الاهتمام ببرامج القراءة الإلكترونية الخاصة بالمكتبات الكبرى، وذلك لتوفير تجربة أفضل للقارئ يشعر بأنها تستحق أن يدفع فيها مقابل.
Shareable-PDF
هذه الخطوات ستقلل من الحركات الاحتجاجية ضد دور النشر، مما يحل المعضلة الرئيسية وهي السعر، بالإضافة إلى أن انخفاض السعر يخلق قوة شرائية للقارئ وُيسهّل عليه عملية الشراء مقابل خدمات راقية بالإضافة إلى حقوق الكتاب نفسه. ولنا مثال في مكتبة أمازون وهي أكبر المكتبات الأمريكية، والتي قامت باختراع جهاز للقراءة الإلكترونية خصيصاً لبيع الكتب الإلكترونية، مع توفير الكتب بشكل جذاب، وقدمت خدمات كثيرة مثل خدمة الترجمة الفورية أو خدمة الكتب الصوتية أو خدمة الاقتباسات ووضع ملاحظات، قامت أيضاً بعمل اشتراكات يتم فيها تخفيض أسعار الكتب إلى حد يصل إلى أقل من دولار واحد، وأحياناً مجاناً، مع توفير خاصية اقتراض الكتب وإقراضها وتبادل الكتب وتقديم الهدايا.

هذا الفكر انتهجته أيضاً كبرى الشركات الأمريكية الترفيهية مثل شركة Netflix لتقديم خدمات الفيديو من أفلام ومسلسلات، والتي قدمت اشتراكاً شهرياً زهيداً مقابل مكتبة كاملة يستطيع المشترك فيها أن يشاهد ما يرغب. أدى ذلك إلى انخفاض قوي ملحوظ في قرصنة الأفلام بسبب توفّر المحتوى بشكل ذا جودة عالية وبسعر منخفض.
في حالة تقديم دور النشر لهذه الخدمات، وبدء إقناع القارئ العربي بالشراء، بمرور الوقت ستكسب دور النشر شيئاً محورياً جداً ألا وهو اعتياد القارئ العربي على مفهوم شراء الكتب الإلكترونية، وهذا الاعتياد هو ما سيخلق لاحقاً انتشاراً واسعاً لسوق بيع الكتب الإلكترونية.

هل سينتهي الصراع؟

السؤال الذي ينتظر إجابة فعلية… هل سيقضي ذلك على قرصنة الكتب؟ ومن سينتصر؟
0957eb21b72e67a
في الواقع لن تنتهي القرصنة الإلكترونية طالما كان هناك شبكة عنكبوتية (انترنت)، وسيظل هناك خيار الملفات أو الكتب المجانية متاحاً، لكن يجب أن تؤمن شركات النشر أنها إن قامت بتنفيذ الحلول المقترحة، وأصبح لها نصيباً في السوق الإلكتروني وحققت أرباحاً من سوق كانت تُعرَض فيه جميع منتجاتها مجاناً، فإن أي نسبة ربح ستحققه فهو في حد ذاته انتصار.
أحمد فؤاد
google-playkhamsatmostaqltradent