random
أخبار ساخنة

كيف تقرأ رواية

 كيف تقرأ رواية

الدليل السحري للاستمتاع بالرواية

قد يبدو لك العنوان سخيفاً، أو ربما تظنّه مستفزاً، لكن إن كنت تراه هكذا، فالأرجح أن ذلك بسبب أنك تشعر بأن العنوان هو تحدٍ لك. لكنه ليس كذلك على الإطلاق، فأنت قارئ وعلى قدر كبير من الثقافة والإلمام بطرق القراءة والفهم والإدراك لما في الكتب من معلومات. دعنا نتفق على أن الرواية فن مختلف له طريقة مختلفة عن قراءة الأنواع الأدبية الأخرى، يرى البعض أن الرواية فن تافه لا طائل من قراءته، يُقرأ لغرض المُتعة ليس إلا، بل وهناك من لا يجد متعة في قراءتها. وأعتقد أن زعمهم هذا بسبب عدم معرفة الطريقة الصحيحة لقراءة الرواية، ولهذا تحديداً كتبت هذا المقال.


الرواية ليست كتاب علمي أو كتاب نقدي، فلا تحكم عليه بنفس الطريقة

 كيف تقرأ رواية

من أهم المفاهيم التي يجب أن تدركها قبل أن تقرأ رواية، أن تعرف أنها ليست كتاب من الكتب العلمية أو التاريخية، الرواية ليست كتاب جامد يقتصر ما فيه على حقائق ثابتة أو مفاهيم مُثبتة أو معادلات لا روح فيها. لهذا لا يجب عليك القراءة بعقلك فقط، فلم تُكتَب الرواية إلا من أجل مخاطبة العقل والقلب في آن واحد، بل في كثير من الأحوال من أجل أن تخاطب روحك.


الرواية رحلة متكاملة في زمن آخر وفي مكان مختلف ومع أشخاص يختلفون عنك تماماً… أو قد يتطابقون معك!
 
 كيف تقرأ رواية

قبل أن تبدأ في قراءة رواية، يجب أن تدرك أنك ستخوض رحلة تتسع إلى آفاق الأمكنة المختلفة، وأزمنتها تختلف بين الماضي والحاضر إلى المستقبل القريب منه والبعيد. إنه انتقال حرفي إلى عوالم مختلفة سواء إن كانت في زمنك ومكانك، أو إن كانت على أحد الكواكب الأخرى أو في زمن الفانتازيا غير الموجود إلا في الخيال. لهذا فإن أول الشروط لضمان الاستمتاع بالرواية هو القبول بذلك، يجب أن تتهيأ إلى أن تبدأ رحلتك بمفاهيمها الخاصة والتي بالتأكيد تختلف عن بيئتك أو معتقداتك. هذا ليس معناه أنك لن تجد إناساً يشبهونك فيها، بل قد تجد شخصيات تتشابه معك في الأفكار أو الأفعال إلى حد التطابق!


المتعة الحقيقية في تجربة مختلفة

 كيف تقرأ رواية


اختلاف الأحداث أو الأزمنة أو الأمكنة أو الشخصيات عن عالمنا في الواقع هو في الحقيقة السبب الأساسي في قراءة الرواية، فخوض رحلة قراءة رواية هي احتياجنا أحياناً للعيش كشخصيات مختلفة أو في مكان أو زمان داعب عقولنا وتاقت أنفسنا للعيش فيه، أو رغبتنا في بعض الأحيان في معرفة كيفية تفكير بعض الشخصيات من حولنا، وحقيقة مشاعرهم تجاه قضايا مختلفة أو حتى تجاهنا نحن، وكأننا نتلبّس شخصياتهم، فنرى من منظورهم ما قد خُفي عنا، أو ما قد ينتابنا الفضول كي نراه!

لهذا فيجب أن ندرك أن رواية الخيال العلمي ليست سخيفة، والروايات البوليسية ليست غير منطقية، ولا الروايات الاجتماعية مملة، بل من يراها هكذا فهو كونه يراها كأنها معروضة خلف الزجاج، دون أن يتحدّ بأحداث الرواية ويكون جزءاً منها. وأنت عزيزي القارئ لن تدرك أبداً طعم الفاكهة طالما كنت تتأملها دون أن تأكلها.


المتعة تكتمل عندما نجد أنفسنا في الرواية




من أجمل الأشياء التي قد تصادفنا أثناء الرحلة، هو عندما نجد شخصيات تشبهنا على الورق، تفكّر مثلنا، وتقوم بأفعال قريبة من أفعالنا. نكتشف أننا في بعض الأحيان نبحث في الروايات عن أنفسنا، فهناك لذة خفيّة تنتابنا عندما نرى ِاشباهنا على الورق، حينها ندرك أننا لسنا وحدنا في هذه العالم، وأن هناك من يشاركنا أفكارنا.


ماذا لو؟

 كيف تقرأ رواية
Photo by Pixabay on Pexels.com

من الضروري أن نعرف سبب كتابة أي رواية، إن الدافع الرئيس للكتابة هو السؤال الأبدي الذي يدور في عقولنا دوماً منذ أن كنا أطفالاً ” ماذا لو؟”، يقول علم الفلسفة أنه يجب على الانسان أن يحاول قدر الإمكان على الحفاظ على دهشة الطفل الذي بداخله، فهي السبيل إلى التأمّل والتفكير، وهكذا الرواية، هي سؤال يبدأ في عقل الكاتب الذي يرى الأحداث التي تمر من حوله، وفي لحظة ما خلال سماعه لجملة من طفل أو رؤيته لمشاجرة في الطريق، أو حتى عند اكتشافه توقف عقارب ساعته، حينها تبدأ مُخيّلته في رؤية الأحداث بمنظور آخر، يتصارع داخله التساؤلات التي تًفضي إلى عالم لا نهائي من الاحتمالات التي تخلق آلاف الروايات داخله. كل الروايات بأنواعها المختلفة وتصنيفاتها المتعددة بدأت هكذا.

ماذا لو كان أباك هو القاتل الذي تبحث عنه الشرطة؟

ماذا لو نجحنا في السفر إلى كوكب عليه حياة فعلية؟

ماذا لو انتحر حارس البناية التي تسكن فيها؟

ماذا لو لم تسقط الأندلس وأصبحت هي أمريكا الحالية؟

أسئلة مختلفة تخلق روايات بوليسية أو خيالية أو اجتماعية أو تاريخية في عقولنا دون أن نكتبها، قد نسرح بخيالنا في بعض الأوقات وتنتهي رحلاتنا عند انتباهنا إلى الواقع الذي نحيا فيه، لكن الكاتب يتوقف عند هذه اللحظة من الزمن ويلحق بأحد قطارات خياله، وعندما يصل إلى وجهته، نقرأ نحن روايته.


افتح قلبك وعقلك للرواية… وابحث عن المفتاح


 كيف تقرأ رواية


لكل طريق بداية، ولكل بداية مدخل، ولكل مدخل مفتاح. وفي بداية رحلتك في قراءة الرواية يجب أن تبحث عن المفتاح الذي يضمن لك رحلة سهلة ممتعة، مفتاح يجعل الكلمات تمس القلب، وتجعل الشخصيات قريبة منك، تشعر حينها أنك جزء من الرواية وليس قارئاً لها، حينها تكتمل مُتعتك ويبقى ما قرأت له أثراً داخلك لا يُمحى.

لكن ذلك ليس سهلاً على الإطلاق، لأن لكل شخص فينا مفتاح خاص به، لهذا لا أستطيع أن أقدّم لك النصيحة في كيفية البحث عنه، فالإجابة في أعماقك، فابحث عنها ينكشف لك جمال النص، وتُفتح لك بوابة الخيال.


إياك والحكم المُسبق على الرواية

يختلف الناس في طبائعهم وأفكارهم ورغباتهم، لهذا كان طبيعياً أن يختلف الناس في أحكامهم، لهذا لا تُعوّل كثيراً على أحكام الناس في رواية أقدمت على قراءتها. فأنت الوحيد الذي سيتذوَق نكهتها. قد تحبها ويكرهها الآخرون، وقد تكرهها ويُعَحب بها الآخرون. ولا تنس أن حكمك على الرواية يعتمد على عوامل مختلفة، منها تأثير كلماتها وأسلوبها عليك، وحسب حالتك النفسية والمزاجية التي أنت عليها، بل وحسب معتقداتك وبيئتك المحيطة بك. في النهاية لا تلتفت إلى تعليقات الآخرين، وأقرأ النص كأنك أول من يقرأه.



لا تقف موقفاً عدائياً من الكاتب بسبب كتاب سابق له

كل رواية هي نص مختلف تماماً عن الذي قبله، فالكاتب هو الآخر يختلف نصّه حسب حالته المزاجية وحسب أفكاره المعاصرة لفترة كتابته للنص، وهذا شيء يتغيّر بشكل مستمر، بالإضافة إلى أن الكاتب في كل نص جديد يقوم بكتابته هو في الواقع يمارس التجربة، والتجربة ليست دوماً ناجحة بقدر ما هي محاولة لتقديم شيء أفضل أو تقديم أفكار مختلفة. لهذا اعتبر أي نص لكاتب ما أنه نصّه الأول، قد يتشابه الأسلوب، لكن تجربته لن تتشابه، قد تعجبك تجربة وتستاء من أخرى. مرة أخرى التجربة هي الحل.


لا تقف موقفاً عدائياً من الكاتب بسبب توجّهاته السياسية


1367248649_no_politics_logo


لا شك بأن الكاتب يكون له تأثير كبير على اختيارنا لقراءة كتاب ما، لكن ذلك ليس شيء جيّد للقارئ، فالقارئ لا يجب أن يكون انتقائياً، فالموهبة يجب أن نقدّرها حتى وإن كنا نختلف معه في بعض المواقف والأفكار. القارئ لديه الوعي الكافي لصيد أفكار تتعارض مع آرائه، لكن ذلك لا يجب أن يؤثر على تقييم القارئ على الكتاب أو اختياره له. انس تماماً كاتب الرواية وآرائه وتوجهاته السياسية وابدأ في القراءة، فنحن نحكم على النص وعلى جودة الرحلة.


لا يوجد حاجز لقراءة روايات أجنبية، ولا تجعل حجم الرواية يثنيك عن قراءتها




لا أنكر أنني في طفولتي كنت أخشى قراءة الروايات ذات الحجم الكبير، بل كنت أتهم صديقي بأنه مجنون بسبب قراته لكتب تصل صفحاته إلى 200 صفحة، بعدها ببضعة سنوات تُعدّ على أصابع اليد الواحدة، كنت قد قرأت ثلاثية تشارلوت برونتي “جين إير” ذات ال 700 صحفة، وبعدها بقليل قرأت الإلياذة والأوديسة. لم أكن أصدق أنني قد فعلتها، رغم أنني لم أقرأ قبلها روايات محلية إطلاقاً، بل كانت قصص قصيرة من قصص المراهقين. لم أكن قد قرأت حينها رواية لنجيب محفوظ أو ليوسف إدريس أو لإحسان عبد القدوس. لهذا فقراءة الروايات العربية المحلية الثقافة ليست شرطاً أساسياً أو حاجزاً وجب تخطيه للانتقال لقراءة الروايات العالمية، فالرواية هي عمل إبداعي بغض النظر عن لغته الأصلية، التي بالطبع قد تكون مُشبّعة بثقافة كاتبها. النص الإبداعي مفتوح أمامك تستطيع أن تقرأه طالما كانت لديك الرغبة في خوض التجربة. أما حجم الكتاب فرغم عدم أهميته شريطة جمال أسلوب السرد وغناه بالأحداث، فلا يجب أن يكون عائقاً أمامك لتبدأ رحلة قراءته، صحيح أنك يجب أن تدرب نفسك على التدرج في قراءة كتب ذات عدد صفحات كبير، لكن تأكد أن النص إن كان مشوقاً وقوي الحبكة، رائع السرد، سيجبرك على إكمال القراءة، بل وقد تنسى عدد الصفحات حتى تنتبه أنك قد أنهيته فجأة، بل وقد تتمنى إن كان قد طال بعض الشيء.


اهرب فوراً إن كانت الرحلة لا تناسبك








lighted running signage


الحياة قصيرة مليئة بآلاف الروايات التي لن تستطيع قراءة ربعها، لكن هذه الحقيقة لا يجب أن تجعلك تشعر بالضيق، فهذا العدد الكبير به جانب إيجابي جداً، ألا وهو أن الروايات لم تُكتب لتُناسب جميع الأذواق. لهذا فمن الطبيعي ألا تناسبك إحدى الروايات رغم أنها تناسب جميع من حولك. ذلك لأن القراءة هي عمل فردي خاص، إنها رحلتك أنت، بأفكارك ومعتقداتك وأحلامك وآلامك ونقاط ضعفك وقوتك. إن رحلة قراءة الرواية هدفها الانغماس في أحداثها والتمتّع عبر صفحاتها ومشاركة شخصياتها آلامهم أو كفاحهم أو أفراحهم، وتلمّس بعض المشاعر التي قد نتشارك مع شخصياتها فيها. قد تكون النصيحة الأهم في دليل قراءة الرواية هي الهروب دون إبطاء إن لم تناسبك، ويجب هنا ألا تخلط بين عدم قدرتك على إكمال الرواية كونها لا تلائمك، وبين أنك لم تتهيأ بعد على أسلوبها. يجب أن تُفرّغ عقلك من بقايا قراءات سابقة، وأن تبدأ رحلتك بعقل خالٍ من الأفكار المُسبقة. اعط نفسك الفترة الكافية للتكيّف على أسلوب الكاتب، ابحث عن المفتاح الخاص بها، إن لم تفلح، حينها فقط لزم عليك الهروب فوراً.


تخيّل… تأمّل… استمتع


1_ppi0rIDlyfrTqjh4o9jTpg


الغرض من قراءة رواية، هي متعة التجربة واكتشاف آفاق جديدة لا تسعها عقولنا أو أرواحنا، ورغبة محاكاة الشخصيات التي قد لا نستطيع أن نتخذ قراراتهم، فنحن نخاف الفشل، ونخاف الناس، ونخاف التصريح عن أحلامنا، لهذا نشعر باللذة عندما نرى كل ما نخشاه يتحقق على الورق، فنسعد إن كان جميلاً، ونتنفس الصعداء إن كان ذلك سيئاً.

تخيّل النص وتأمّله جيداً، وراقب الشخصيات وتصرفاتها ودوافعها، تغلغل داخل الرواية أو اجعلها تتغلغل بداخلك.
استمتع بالقراءة… فلا تحاول الانتهاء منها في أسرع وقت ممكن لأن ذلك سيفسد تجربتك بالكامل.
إن الرواية باختصار هي أحلام تتحقق على الورق.

في اعتقادي أن الالتزام بالخطوات التي ذكرتها بالأعلى، سيضمن لك تجربة ممتعة في عالم جميل من الخيال. قد يرى البعض أنها طرق سحرية غيّرت من نظرته، وهناك من سيظل على قناعته بأنها مجرد أسباب بالية لنوع أدبي لا فائدة منه، وما بين الرأيين هناك قرار، وأنت فقط من لديه الخيار.

فهل ستقوم بالتجربة؟


google-playkhamsatmostaqltradent