مفارقة ساخرة لانتصار وهمي خلقه إنسان لا حيلة له أمام الموت سوى الهروب إليه!
على غرار زوربا، يرسم الكاتب البرازيلي جورج أمادو شخصية بطله في هذه الرواية "كينكاس" متأثر برواية "زوربا اليوناني" للكاتب نيكوس كازانتزاكيس. وبشكل مختلف يصوّر لنا فكرة التمرّد على القوالب النمطية للمجتمع التي تقوّلب البشر في قوالب لا يمكنهم الخروج منها. وهي رمزية رائعة وهامة تنتصر لحرية الإنسان.
لكن "كينكاس"
بطل هذه الرواية "ميتتان لرجل واحد" يظهر صراعه بشكل متطرّف في رأيي. جاء
التحوّل الصارخ لرجل روحه محبوسة منذ أن كان طفلًا يُعاقب على حرية تمناها، ليهجر -بعد
سنوات طويلة بعد أن صار رب أسرة وأب لابنة متزوجة- أسرته وعالمه القديم إلى غير
رجعه. جاء هذا الصراع متطرفًا إلى أقصى حدّ. تحوّل من رجل صالح ملتزم إلى شخص
إبيقوري بالكامل (رغم إصرار الكاتب على التصريح في الرواية بأن بطله ليس إبيقوريًا
بشكل كامل)!
الرواية
الساخرة الفانتازية فشل كاتبها -في رأيي- في أن يوظّف الانفجار المتولد داخل شخصية
البطل بسبب الكبت الذي عاش فيه نتيجة القيود المجتمعية والدينية والأخلاقية منذ أن
كان طفلًا، وبدلًا من أن يتمرّد البطل على قيود التهميش والقهر الزوجي والقولبة
المجتمعية، هرب منها جميعًا متخذًا السقوط المتناهي في بحر الرذيلة والانحطاط
والدعارة وكأن هذا هو السبيل إلى الحرية ومبتغى العيش من الحياة.
ليست القذارة
أمرًا يحمل السعادة!
وليست
الدعارة بديلًا عن العلاقات الإنسانية بين الرجل والمرأة.
وليست
البراءة كالوقاحة!
ولا يوجد في
تحدي الموت أمرًا يستحق الإعجاب، وما هو سوى انتصار وهمي في عقل الإنسان الذي لا
حيلة له بإيقاف الموت عنه أو عن أي شخص يهتم لأمره.
وليس الحب الصادق والبساطة محصورة في أوساط المُهمّشين في الحياة. وليست السعادة مقتصرة على الفقراء. وليس المُتديّن أو الأخلاقي شخص متعصّب بالضرورة.
الحب موجود
في جميع الأوساط. الصدق موجود بين البشر. تمامًا مثل الكذب والخداع.
نعم كان على
كينكاس الهروب من تابوته الذي صنعه له المجتمع. لكنه لم يكن مجبرًا على الحياة
بتلك الطريقة التي اختارها.
كما ذكرت...
التطرّف في المقارنة خرج بالرواية إلى مسار سيئ. مسار سيء في نظري. أفهم أن
الانسحاب فيه نوع من الاحتقار لأسرته ولمجتمعه ولحياته السابقة؛ على حبسه وخنقه
ودفنه حيًا في تابوت النفاق والتقاليد المصطنعة. لكن يبدو أن الكاتب جورج أمادو
يرى أن صفات الصدق والحب والأمانة والبراءة لا توجد سوى في الدرك الأسفل من
المجتمع، والذي بوجوده في هذا القاع يتخلص تمامًا من أي حاجة للنفاق وبالتالي
يتحرر تمامًا من أي التزامات في أي علاقة من أي نوع، وكأنها الطريقة المُثلى
للعيش.
لكن هذا لا
يمنع أن الفكرة جميلة، صراع البطل وتنفيذ هذا الصراع والانسحاب واختيار مجتمع
مختلف تمامًا والاندماج معه والتفوق فيه، والسخرية -حتى بعد موته- من المجتمع
البالي، والنهاية الفانتازية باختياره لمكان دفنه. حتى الشخصيات الثانوية من
الطرفين سواء أصدقاء البطل أو عائلته، مثّلوا انعكاسات أقل وضوحًا لصراعاتهم وألقت
الضوء على أشكال أخرى من الصراع.
ربما أعجبتني
الصفعة التي وجهها كينكاس للجميع، والذي رحل دون أن يترك لأحد المجال للاقتصاص
منه، لكنني لم أره بطلًا، بل رأيته شخصًا مثيرًا للشفقة، مثل جميع الشخصيات الأخرى!
لا... الأمر
ليس أنني لم أفهم الرمزية. بالعكس أفهمها تمامًا منذ بداية الرواية، وتعمّق فهمي
لها مع الشرح المُسهب للأستاذ شوقي العنزي الرائع عقب نهاية الرواية. لكنني لم أحب
هذه الرواية ولم أحب أيًّا من شخصياتها.
تقييمي نجمة واحدة
- نجمة = لم يعجبني
- نجمتان = مقبول
- 3 نجوم = أعجبني
- 4 نجوم = أعجبني بشدة
- 5 نجوم = استثنائي
12 حزيران/ يونيو 2023