random
أخبار ساخنة

رجلٌ طُعِن قلبه للتوّ!

  



  

 قلبي متألم... صدري موجوع... روحي شاحبة.


أنظر إلى عينيه التي تراقبني في صمت على فِراشه بالمستشفى. أرسم ابتسامة مزيفة فيجاملني بمثلها. نتظاهر بأن كل شيء على ما يرام. نكذب على أنفسنا. يعرف كلانا أننا على مشارف الفراق. نراقب الوقت وأرقام الأجهزة التي تُصارع كي تُبقي بريق الحياة في عينيه. يشير بيديه بأنه قد سأم صراعه مع المرض، وبرغبته في الرحيل دون عذاب له أو لمُحبّيه، فأرجوه بأنانية أن يصمد.

 

يرسل نظرات تحمل كل عذوبة قلبه الأبيض. تتسلل نظراته إلى أعماقي... تخبرني بكل ما لم يخبرني به من حُب. تنساب دموعي العاجزة عن مساعدته في صمت. أرغب في أن أثور وأصرخ اعتراضا، ولكن منذ متى كان اعتراضنا يغير مجريات القدر؟


يشيح بوجهه مُعلِنًا أن النهاية آتية لا محالة. فأقرر أن أبقى بجواره حتى اللحظة الأخيرة.. أجمع كل الدقائق المعدودة من عُمره.. ألملمها كي تذكرني به فيما تبقى لي من عُمْر.

 

يطلب مني أن أودّعه. أفعل لكن دون أن أخبره بأنني لا أتخيّل الحياة من دونه.

 

ينسحب الأطباء من حوله تدريجيًا... تختفي الأجهزة... يبقى جسده مُمدّدًا على الفراش. تتوقف آخر دقات قلبه. فيرحل في هدوء... أنظر ذاهلًا إلى بياض جسده غير مُصدّق... أقترب منه... أضع يدي المُرتعشة على جبهته. أهمس في أذنه بالشهادة. أُجاهد نفسي كي لا أنهار، وأعده بأنني سأتماسك من أجله، وكأنني شخص قوي لم يُطعَن قلبه للتوّ!

 

اليوم... بعد أسبوع كامل أقف أمام قبره. أبقى معه وحدي -لأول مرة منذ الرحيل- يفصلنا برزخ. أتساءل إن كان يعرف أنني آخر من أغلق عينيه الطيّبتيّن أو أنني نزلت معه إلى مثواه الأخير.

  

أتحدث إليه من فوق قبره ولا أعرف إن كان يسمعني في عالمه الآخر أم لا، لكنني أبوح له بكل ألمي. فيجاوبني الصمت ويخترق صدري كوتدٍ مغروس بإحكام ليُذكرني بأننا لم نعد في نفس العالم. تنساب دموعي -التي كتمتها طويلًا- في حُرقة... تُغرق كُل ثقوب قلبي المُهترئ. تهمس له روحي المُلتاعة في يأس " أنا لا أصدق غيابك... لماذا أشعر بأنك لم ترحل بعد."

 

أودّعه... وأنسحب إلى حياتي الموحشة بغيابه، وأشعر وكأنه قد أخذ بهجة الحياة معه.

 

أحاول أن أكتب لعلّني أستعيد توازني. أنوي الكتابة عن كُل ما هو جميل في علاقتي به، وعن براءة روحه، وعن كم أنا مدين لهذا الرجل الذي كان صادقًا وحنونًا ومُبتسمًا دائمًا، فإذا بي أكتب عن وجعي العميق، وأعترف بإذعان بأنني مكسور.

 

رحمك الله يا ساجي.

 

أحمد فؤاد
17 أيلول سبتمبر 2021
author-img
أحمد فؤاد

تعليقات

6 تعليقات
إرسال تعليق
  • M.Nasr photo
    M.Nasr17/9/21 9:38 م

    اقل ما يقال عنها ..رائعه
    كصاحب الموضوع تماما، كان انسان رائع و بشوش و محب للناس، رحمه الله.

    حذف التعليق
    • Ahmad Fouad photo
      Ahmad Fouad18/9/21 7:44 ص

      كان رجلًا رائعًا حقًا ولم يؤذ أحدًا قط... رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.

      أشكركِ على كلماتكِ الجميلة

      حذف التعليق
    • بنت الشرق photo
      بنت الشرق19/9/21 12:08 ص

      أبكيتني يا فؤاد.. رغما عني..
      ذكرتني بكلمات ارثي فيها ابي رحمه الله.. غالبا ما تكون في ذكرى وفاته السنوية..
      رحم الله ابي ورحم الله صديقك وجميع موتى المسلمين..
      وربط على قلبك وألهمك صبرا وسلوانا وجمعنا بهم في مستقر رحمته..
      أبدعت فيما كتبت.. سلمت يمينك 🌼

      حذف التعليق
      • Ahmad Fouad photo
        Ahmad Fouad19/9/21 2:52 م

        كانت الحروف قد قُدّت من ألم الفقد. لم يكن الفقيد صديقي وإنما كان أبًا ثانيًا لي وأنا مُمتن له بالكثير.

        رحم الله والدكِ ووالدي وجميع أمواتنا، وصبّرنا على فراقهم.

        تشرّفتُ بمروركِ وسعدتُ بأن حروفي قد راقت لكِ

        ودّ🌹

        حذف التعليق
      • بنت الشرق photo
        بنت الشرق12/11/21 12:45 م

        كل وفاة وكل رثلء وكل ذكر للموتى يذكرني بحديثه صلوات ربي عليه
        انتم شهداء الله في أرضه
        كم اسعد بالذكر الطيب الذي يتركه بعض الراحلين.. رغم وجع رحليهم في أعماق من يحبهم الأحياء..


        اللهم احسن ختامنا..وتوفنا وأن راض عنا غير غضبان

        حذف التعليق
        • Ahmad Fouad photo
          Ahmad Fouad4/12/21 1:49 م

          أعاننا الله وإياكم على فراق أحبتنا... أحسن الله خاتمتنا جميًعا

          حذف التعليق
        google-playkhamsatmostaqltradent