random
أخبار ساخنة

مُقدمات الكُتب وارتياب دور النشر في القارئ

     



    

ثمة مُشكلة عميقة بين القارئ من جهة والكاتب من جهة ودور النشر من جهة أخرى بخصوص مُقدّمات الكُتب والروايات.

   



لا شك أن للُمقدمات فوائد جمّة تعود على القارئ من مطالعتها قبل الشروع في قراءة نص الكتاب الأصلي. لكن ذلك يعتمد على مدى موضوعية المُقدّمة وهدفها وحجمها وعدم خروجها عن السياق الطبيعي لها.

  

غالبًا لا تخرج أنواع مُقدمة الكتاب عن ثلاثة أنواع:


  1. مُقدّمة يكتبها شخص آخر غير المؤلف تُسمّى Foreword ، وغالبًا يقوم الكاتب فيها بالإشادة بالكتاب والكاتب، لتهيئة القارئ للشروع بقراءة النص بحماس.
  2. مُقدّمة تمهيدية Introduction، يكتب فيها مؤلف الكتاب عن المحتويات وإمداد القارئ ببعض الأفكار التي تُهيئه لاستقبال النص بشكل معين يرغب فيها المؤلف، كما قد يُبيّن الطرق التي انتهجها في استقاء المعلومات وكتابتها وتصنيفها وترتيبها.
  3. مُقدّمة توضيحية Preface يوضح فيها مؤلف الكتاب أسباب كتابته للكتاب والمراحل التي مرّ بها أثناء كتابته، والمشكلات التي واجهها والإشارة إلى أعماله السابقة، وذِكر الأشخاص الذين ساعدوه أو ألهموه.

 

هذه الأنواع من المُقدمات قد تكون مقبولة إن جاءت في سياقها المُعلن، وأمينة مع هدفها في تحفيز القارئ للانقضاض على النصّ، مُهيّئة له الطريق لرحلة ماتعة دون إفساد تجربته في تكوين انطباع شخصي لما هو مُقبل على قراءته.

 

لكن بعض الكُتّاب يُفضّلون كتابة مُقدّمات طويلة مُسهبة تزداد مساحتها طرديًا مع أهمية الكتب أو حجمها. فيتطرّقون إلى بعض الأمور الفنيّة في أساليب البحث، أو إلى العقبات التي واجهها الكاتب، أو إلى آراء النُقاد والكُتاب الآخرين فيها. ولا شك في أن هذه التفاصيل تؤدي دورًا جذّابًا للإلمام بمعلومات قد تكون ضرورية -من وجهة نظر كاتبها- تتعلّق بالكتاب أو بالكاتب أو بالناقد أو بالأوساط الثقافية المعاصرة. لكن يجب ألا تخرج هذه المُقدّمة عن دورها المفترض كاستهلال لازم للنص الأصلي، وأن تبقى أمينة على إبقاء الفضول الكامن في نفس القارئ المُتهيئ لرحلة قراءة الكتاب. على أن يُشذَّب ما بها من زيادة ويُنقَل إلى آخر الكتاب في فصل مُستقل كخاتمة لمن يُحب الاستفاضة في القراءة والاطلاع على مثل تلك التفاصيل.

 

تظهر المشكلة بشكل أسوأ في الكُتب المُترجَمة وخاصة الروائية منها، فتظهر الكثير منها بمُقدّمات أُخرجت من سياقها وفقدت بوصلتها بحيث صارت عبئًا ثقيلًا على القُراء الذين يُفضّل أغلبهم تجاوز صفحات المُقدّمة، ويثبت ذلك لعنات القُرّاء ممن جازفوا بقراءة تلك المُقدّمات!

   



  

أغلب تلك المُقدّمات للأسف تحتوي على معلومات مُفصّلة عن الكتاب وحرقًا لأحداثه (في الكتب الروائية)، وربط بعض مشاهد الكتاب-والتي لم يقرأها القارئ بعد- وكشف تفاصيلها ومدلولاتها مع كُتب أخرى، فيضيع شغف القارئ في خوض رحلته في اكتشاف النص، وتنطفئ داخله رغبته الجامحة لتذوّق لذة المفاجأة بين السطور. فيولّد ذلك شعورًا مُنفّرًا من القارئ تجاه المُقدّمة بل وتِجاه الكتاب كله. إن الاطلاع على آراء الكُتّاب الكبار في النصوص التي نقرأها جميل ومفيد وملهم، لكن من الضروري أن يستعرضها القارئ بعد الانتهاء من قراءة الكتاب وليس قبله. وذلك حِرصًا على أن يكوّن القارئ فكرته الشخصية بمنأى عن أي تأثير مُسبق يرغمه على رؤية مُحدّدة.

 

يُمكننا أن نرى ذلك في مُقدّمات لكُتب شهيرة مثل مُقدّمة الأستاذ أحمد الصمعي لرواية "اسم الوردة" لإمبرتو إيكو، أو مُقدّمة د. عبدالله إبراهيم لرواية "الساعة الخامسة والعشرون" لقسطنطين جيورديو، أو مُقدّمة الأستاذ نصر سامي لرواية "انقطاعات الموت" لخوزيه ساراماغو، ومُقدّمة يبوتر نيكولايف ترجمة أ. عبدالله حبة لرواية "المُعلم ومارغريتا" لميخائيل بولغاكوف.

 

هذا لا يعني بأي شكل من الأشكال عدم أهمية هكذا مُقدّمات، وإنما الخلط في طريقة عرضها، والتباس مفهومها هو المشكلة الحقيقية.

  

من غير المُرجّح أن يكون المُترجم هو المسؤول عن عرض الأطروحة أو المقال أو الدراسة الكاشفة والتحليلية في شكل مُقدّمة تُنشّر في أول الكتاب. وأغلب الظن أن النشر بهذا النمط يتم بناء على رغبة دور النشر، والتي رُبما ينتابها الارتياب في قرار القارئ بتجاهل قراءة تِلك الدراسة إن قُسِّمَت بين مُقدّمة بأول الكتاب وخاتمة في آخره.

   

إن دور النشر -باعتبارها المسؤول الأول والأخير في طريقة عرض ونشر الكتاب- يتوجّب عليها القيام بتجزئة مثل تلك المُقدّمات بحيث تفصل الاستهلال والإطراء والتمهيد للكتاب ليُنشر في بداية الكتاب كمُقدّمة تمهيدية، بينما تنشر تجربة الكاتب أو إلقاء الضوء على جماليات النص أو آراء كبار الكُتاب في الكتاب داخل فصل مُنفصِل في آخر الكتاب يُسمى بالخاتمة أو بتتمة المُقدّمة أو أي دراسة نقدية أو أي عنوان آخر.

 

على دور النشر أن تثق في القارئ وأن تحترم تجربته في القراءة وإلا حرمه من متعة اكتشاف النص، وذلك بدلًا من الارتياب غير المفهوم في القارئ. وأن تكون على يقين بأن تعمُّد وضع مُقدّمات ضخمة كاشفة للمحتويات في بدايات الكُتب، لن يُجبر القارئ على قراءتها وإنما ستحثّه قطعًا على تجاهلها.

 

 
أحمد فؤاد
كاتب وقاص ومدوّن
22 يناير 2021


نُشر المقال على جريدة القبس الكويتية بتاريخ 26 يناير 2021 - لزيارة الرابط اضغط هُنا



google-playkhamsatmostaqltradent