random
أخبار ساخنة

اهربي من رجل يُحب الكتابة!


قال الشاعر س. إليوت قديماً “الإنسانية لا تتحمّل كثيراً من الواقع”

الواقع حقيقة يابسة تحتاج دوماً إلى نداوة الأحلام كي تخلق لنا توازناً نلتمسه في حياتنا. والخيال هو العالم الذي ننفذ إليه بعيداً عن واقعنا لنستمتع بشيء نشعر بأنه مفقود داخلنا. عالم مدعو فيه الجميع لا يتجاهله انسان قط طفلاً أو شاباً أو كهلاً. الجميع يملك حلماً خاصاً به يُغيّر فيه ثوابته، فيًصبح الضعيف قوياً ويصير القبيح وسيماً، يتجرأ فيه البعض بصنع ما يخافون القيام به في الواقع، ويهرب الكثير إليه كي يقتات قليلاً من قطرات حب واهتمام نضبت في عالمه الحقيقي.


لهذا كان الخيال دوماً جميلاً ذا صبغة اسطورية تبعث البهجة في النفس، نتمنّى تجربة العيش فيه لاستحالة تحقيقه على أرض الواقع، فنحلم بأعين مفتوحة ليتلوّن كل ما حولنا بألوان سحرية، لا تلبث إلا أن تختفي مع زفرات شجيّة عند عودتنا إلى حياتنا الملموسة.
أحلام اليقظة تملؤنا جميعاً باختلاف أنواعها وأفكارها وقابليتها للتحقق، ولعلّ الفطرة هي ما تجعل غالبية تلك الأحلام مُنصبّة على الحب. هذا الشعور الذي خلقه الله في قلب الرجل للأنثى منذ أن خلقها من ضلع آدم. شاء من شاء، وأبى من أبى، سيظل الرجل يهوى المرأة، وتبقى المرأة تهيم حُبّاً في الرجل. وإن كان الحب سحراً فلن يكتمل هذا السحر ويبلغ أثره سوى بالكلمة. فالكلمات لها قدرة سحرية على اختزال جميع مشاعر الحب، لتُلقى في الآذان لتفيض في النفس عذوبة وفتنة تبتهج لها الروح والقلب.

ولهذا كانت دوماً المرأة تبحث عن سماع تلك الكلمات والتي تجعل منها ملكة مُتوجة على قلب رجل شغفه هواها، وقرر في لحظة أنها أجمل نساء الأرض في عينيه.












 

 
توالت هذه الأفكار في رأسي وأنا أقرأ مقال للسيدة جيهان سمرقند بعنوان “لماذا يجب أن تتزوجي من رجل يقرأ؟”، والذي عدّدت فيه للنساء وأسهبت في مزايا هذا الرجل الحالم القارئ الذي يسبح بزوجته في عوالم الخيال والجمال، ويكوّن لعائلته منزلاً جميلاً تملأه مكتبة ضخمة يسافر الأطفال قبل الكبار بين صفحات كتبها المتنوعة. رجل يسافر بها إلى عوالم لم تعرفها في التاريخ، ويحكي لها عن مغامرات وأساطير من عالم لا تعرفه عنه شيئاً. واختتمت الكاتبة مقالها بعبارة “والأفضل أن تتزوجي رجلاً يكتب.”

 
  





 
والحقيقة أنني قد سبحت مع كلماتها الجميلة التي خطّتها، وعندما انتهيت من قراءة المقال لم أتمالك نفسي من الضحك، وطرأ على خاطري جملة تشجيعية قرأتها كثيراً في دعايات محاضرات التنمية البشرية وهي “ستحقق كل أحلامك إذا كنت تمتلك الشجاعة لمطاردتها” وفكّرت أن كثيراً من الفتيات ستقرأ مقال السيدة جيهان، وتتمنى اليوم الذي تتحقق أمنيتها بالزواج برجل يكتب ويقرأ. فجزعت وأنا أراهنّ مفتونات ببلاغة الوصف وسحر الأحلام، ليقدمن على هذه الخطوة دون دراية عن الصورة الكاملة لمثل هذا الفعل. ورأيت أن من واجبي أن أوضّح لهنّ ما خفي عنهنّ كي لا يُصيبن بالإحباط إن حالفهن الحظ بالارتباط بمثل هذا الكاتب القارئ فارس الأحلام.

فأنا – وأعوذ بالله من كلمة أنا- قارئ جيد، وأيضاً كاتب كتبت في معظم مجالات الأدب من شعر فصيح وعامّي وخواطر نثرية ومقامة وقصص قصيرة وروايات وفي فن المقال. كتبت في شتى المجالات من الحب إلى الحرب، ومن القسوة إلى حب الوطن والتوبة إلى الله. ولم أكتب هذا اختيالاً بل تعريفاً كي يكون ردّي مستنداً على تجربة شخصية وليست وليدة أفكار ليست على أرض الواقع.

وردّي في الحقيقة مُسارعة منّي قبل أن تقرأ زوجتي المقال فتغرق في الضحك مثلي، وأراها بعين الخيال تقول “تعالوا انظروا إلى حالي.”









 

 
وللأمانة فليس ما جاءت به الكاتبة كذب وادعاء، وإنما كَتَبَت الحقيقة ناقصة، فكل ما في الحياة له مميزاته وعلّاته، ولكننا نرى المميزات والتي قد نفقدها في حياتنا، فنحبها دون أن نبصر -جهلاً أو تجاهلاً- الوجه الآخر للحقيقة.

هذا الوجه الآخر هو تبعات موهبة الكتابة لهذا الكاتب الأديب. فالأديب يحتاج إلى امرأة مؤمنة به وبكلماته حتى وإن كانت في وصف الغيوم المُلبّدة في السماء وليس في وصف عينيها! يحتاج إلى أنثى تفهم معنى الانغماس في القراءة والارتحال إلى عالم الخيال، فالقراءة تتطلب خلوة، والكتابة تلزمها العزلة، وبدون تفهّم كامل من المرأة لذلك، فلن ينجح الأمر بينهما، بل وقد يفقد هذا الأديب مَلَكَته بشكل كامل أو مؤقت. فالمَلَكة تحتاج إلى الممارسة، والممارسة يلزمها مساحة من الحرية الفكرية كي تتجسّد في هيئة حروف وكلمات فتُغزل لتصير عملاً أدبياً.

يجب أن تعلم الفتاة التي مازالت تحلم بالزواج بأديب، بأنها يجب أن تتحمّل نزوات فكره المُتقلّب، وتفطن إلى ضرورة المبالغات في ردود أفعاله، فالأديب صائد للأفكار، يأتيه الإلهام فيحاول الإمساك به والعيش في فكرته، ويحاول -باستماته- تقمّصها وعدم الخروج منها، وهو نوع من أحلام اليقظة التي يحلمها البشر جميعاً، لكنها تحتاج منه أن يتلبّس بها بعض الوقت كي يستطيع نقلها إلى الورق.

يجب أن تعلم أيضاً، أن ليس كل زوجة ستكون سعيدة وهي تستمع إلى رحلات زوجها في قراءاته، وترتسم السعادة على ملامحها وهو يحكي لها عن الحب في زمن الكوليرا أو ألف شمس مشرقة أو حتى عندما يُلقي عليها رُباعيات عمر الخيام، ليس كل زوجة ستسعد بذلك وعقلها مشغول بمنزلها وطلبات أطفالها، وبالتأكيد لن تكون سعيدة إن أخبرها بأنه لن يخرج معها في يوم من الأيام بسبب الكآبة التي أصابته عندما قرأ رواية الانمساخ لكافكا أو الساعة الخامسة والعشرون أو مادونا صاحبة المعطف الفرو، أو أنه قد قرر العودة إلى المنزل مُبكّراً في لهفة لاستكمال قراءة رواية سنترال بارك لغيوم ميسو بدلاً من شراء طعام يملأ رفوف الثلاجة الفارغة!
 يجب أن تعلم أنه بارع جداً بالكلمات، فهو أفضل راقص حتى يأتي حلبة الرقص، وهو أقوى الرجال حتى تبدأ المعركة، وهو يملك أعذب الأصوات حتى يبدأ الغناء!









 

 
أنا ككاتب وروائي أعاني من ذلك، بل بالأحرى؛ زوجتي هي التي تعاني بشدة، فأحياناً أحكي لها بكل اندفاع وحماس عن شخصية من شخصيات روايتي، فتستمع لي في هدوء ثم تناقشني في تلك الأفكار التي تدور داخلي. وأحياناً أدخل عليها مهموماً بسبب أن حبسة الكتابة قد أصابتني يومها. تنظر إليّ وهي تبتسم تواسيني أو تحفزني. وبعد أن يذهب عني الحماس أو الحزن أفكّر في انفعالاتي تلك فأرى أن كثيراً منها كان هوسًا مِنّي. وأتساءل داخلي عن سبب هدوءها وتحملها تناقضاتي المُتغيّرة، والتي أنكرها على نفسي بعد أن تذهب السكرة عنّي. وأظن أنها تعاملني كأنني مجنون، بل وأحسبها تعاملني بكل هذا الهدوء إما رضا بقضاء الله وبلائه، أو حفظاً لماء وجهي لأنني أب لأطفالها. ولعلّها تقضي ليلها تتحسّر على اختيارها الزواج من كاتب!

لكنني خلصت إلى أنه إن رغبت المرأة في أن يجمعها حياة جميلة مع هذا النوع من الرجال، يلزمها أن تكون على نفس القدر من الجنون الذي يملكه، حينها فقط تستطيع أن تفهم فجيعته في مريمه في ثلاثية غرناطة، وتعاطفه مع هولدن كولفيلد في الحارس في حقل الشوفان، وذهوله من حقيقة تيدي دانيلز في الجزيرة المغلقة، أو عن حُبّه لخوليان كاراكس في ظل الريح.

فقط إن امتلكت هذا القدر من الجنون تستطيع أن تحلم بكل راحة بالارتباط بكاتب، مع العلم بأن الكاتب يحتاج دوماً إلى أذناً تسمعه وعقلاً يفهمه، وكلمة تكتبها له حبيبته، لأنه لا يؤمن إلا بالكلمات.







 

   
 
وأنهي مقالي بسؤال ” هل ما زلتنّ تمتلكن الشجاعة لتحقيق حلمكنّ بالزواج من رجل يكتب ويقرأ؟”

نصيحتي… لا تفعلن.


أحمد فؤاد
google-playkhamsatmostaqltradent