قلبي متألم... صدري موجوع... روحي شاحبة.
أنظر إلى عينيه
التي تراقبني في صمت على فِراشه بالمستشفى. أرسم ابتسامة مزيفة فيجاملني بمثلها.
نتظاهر بأن كل شيء على ما يرام. نكذب على أنفسنا. يعرف كلانا أننا على مشارف الفراق.
نراقب الوقت وأرقام الأجهزة التي تُصارع كي تُبقي بريق الحياة في عينيه. يشير
بيديه بأنه قد سأم صراعه مع المرض، وبرغبته في الرحيل دون عذاب له أو لمُحبّيه،
فأرجوه بأنانية أن يصمد.
يرسل نظرات تحمل
كل عذوبة قلبه الأبيض. تتسلل نظراته إلى أعماقي... تخبرني بكل ما لم يخبرني به من
حُب. تنساب دموعي العاجزة عن مساعدته في صمت. أرغب في أن أثور وأصرخ اعتراضا، ولكن
منذ متى كان اعتراضنا يغير مجريات القدر؟
يشيح بوجهه مُعلِنًا
أن النهاية آتية لا محالة. فأقرر أن أبقى بجواره حتى اللحظة الأخيرة.. أجمع كل
الدقائق المعدودة من عُمره.. ألملمها كي تذكرني به فيما تبقى لي من عُمْر.
يطلب مني أن
أودّعه. أفعل لكن دون أن أخبره بأنني لا أتخيّل الحياة من دونه.
ينسحب الأطباء
من حوله تدريجيًا... تختفي الأجهزة... يبقى جسده مُمدّدًا على الفراش. تتوقف آخر
دقات قلبه. فيرحل في هدوء... أنظر ذاهلًا إلى بياض جسده غير مُصدّق... أقترب
منه... أضع يدي المُرتعشة على جبهته. أهمس في أذنه بالشهادة. أُجاهد نفسي كي لا
أنهار، وأعده بأنني سأتماسك من أجله، وكأنني شخص قوي لم يُطعَن قلبه للتوّ!
اليوم... بعد أسبوع كامل
أقف أمام قبره. أبقى معه وحدي -لأول مرة منذ الرحيل- يفصلنا برزخ. أتساءل إن كان يعرف أنني آخر من أغلق
عينيه الطيّبتيّن أو أنني نزلت معه إلى مثواه الأخير.
أتحدث إليه من فوق
قبره ولا أعرف إن كان يسمعني في عالمه الآخر أم لا، لكنني أبوح له بكل ألمي. فيجاوبني
الصمت ويخترق صدري كوتدٍ مغروس بإحكام ليُذكرني بأننا لم نعد في نفس العالم. تنساب
دموعي -التي كتمتها طويلًا- في حُرقة... تُغرق كُل ثقوب قلبي المُهترئ. تهمس له روحي
المُلتاعة في يأس " أنا لا أصدق غيابك... لماذا أشعر بأنك لم ترحل بعد."
أودّعه...
وأنسحب إلى حياتي الموحشة بغيابه، وأشعر وكأنه قد أخذ بهجة الحياة معه.
أحاول أن أكتب لعلّني
أستعيد توازني. أنوي الكتابة عن كُل ما هو جميل في علاقتي به، وعن براءة روحه، وعن
كم أنا مدين لهذا الرجل الذي كان صادقًا وحنونًا ومُبتسمًا دائمًا، فإذا بي أكتب عن
وجعي العميق، وأعترف بإذعان بأنني مكسور.
رحمك الله يا
ساجي.